الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمرهم بالصلاة وقال: إنّ مثل المصلّى كمثل رجل استأذن على ملك فأذن له ودخل عليه، فأقبل الملك عليه بوجهه ليسمع مقالته ويقضى حاجته، فلما دخل الرجل التفت يمينا وشمالا ولم يهمّ بحاجته، فأعرض الملك عنه بوجهه ولم يقض حاجته.
وأمرهم بالصدقة وقال: مثلها كمثل رجل أسره العدوّ فاشترى منهم نفسه بثمن معلوم، فجعل يعمل فى بلادهم ويؤدّى إليهم من كسبه القليل والكثير حتى وفّى ثمنه فأعتق.
وأمرهم بذكر الله تعالى وقال: مثل الذّكر مثل قوم لهم حصن ولهم عدوّ، فإذا أقبل عليهم عدوّهم دخلوا حصنهم فلم يقدر العدوّ عليهم، كذلك من ذكر الله عز وجل لا يقدر عليه الشيطان.
وأمرهم بالصيام وقال: مثله كالجنّة «1» لا يصل عدوّه إليه. وكان عليه السلام فيهم كثير التقشّف والعبادة والزهد والسياحة إلى أن قتل عليه السلام.
ذكر مقتل يحيى بن زكريّا وأبيه زكريّا عليهما السلام
اختلف العلماء فى سبب قتل يحيى؛ فقال بعضهم: كان يحيى عليه السلام فى زمن ملك من ملوك بنى إسرائيل، وكانت له امرأة وهى بنت ملك صيدا «2» ، وكانت قتّالة للأنبياء والصالحين، وكانت عاهرة تبرز للناس، وكان يحيى يزجرها
عن ذلك ويقول لها: لا تبرزين كاشفة عن وجهك. وكان كثيرا ما يقول لها:
مكتوب فى التوراة: إنّ الزّناة يوقفون يوم القيامة وريحهم أنتن من الجيف. فأمرت بيحيى فسجن. وكان قد حبس رجل من أبناء الملوك، وكان يختلف إليها، فعلم بها وبه يحيى فزجره، فبلغ ذلك امرأة الملك فحملت بنتا لها واستقبلت بها زوجها.
فقال: لم فعلت ذلك؟ فقالت: وجب لها عليك حقّ. فقال: سلينى ما شئت.
فسألته أهل السجن. فظنّ أنها ترحمهم وتسرّحهم فقال: قد فعلت. فأمرت المرأة بأهل السجن فعرضوا. فلمّا مرّ بيحيى أمرت به فذبح فى طست ثم حملت الطست إلى أبيها بأمر أمّها وقالت: أيها الملك، إنى ذبحت لك ذبيحة من أعظم ما وجدت، ولو كان مثله ألفا لذبحتهم لك. فقال: ومن هو؟
قالت: يحيى بن زكريا. قال: هلكت وأهلكت أبويك. فغيّر الله ما بهم من النعم، وسلّط عليهم عدوّهم فذبح البنت وأبويها، وسلّط عليهم الكلاب حتى أكلتهم.
وقال الثعلبىّ فى تفسيره: والصحيح من ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار قال: عبرت «1» بنو إسرائيل بعد ما عمرت الشام، وعادوا اليها بعد خراب بختنصّر إياها وسبيهم منها، فجعلوا بعد ذلك يحدثون الأحداث بعد مهلك عزير عليه السلام، ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الأنبياء، ففريقا يكّذبون وفريقا يقتلون، حتى كان آخر من بعث الله تعالى فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام.
فمات زكريا وقتل يحيى بسبب نهيه الملك عن نكاح ابنته فى قول عبد الله بن الزبير، وابنة امرأته فى قول السّدّىّ، وابنة أخيه فى قول ابن عباس رضى الله عنهما وهو الأصح إن شاء الله تعالى؛ لما روى الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكريا عليهم
السلام فى اثنى عشر من الحواريّين يعلّمون الناس، فكان مما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ. قال: وكانت لملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوّجها، وكانت لها فى كل يوم حاجة يقضيها لها. فلمّا بلغ ذلك أمّها أنه نهى عن نكاح بنت الأخ قالت [لابنتها: اذا دخلت على الملك فسألك فقولى له: حاجتى أن تذبح لى يحيى بن زكريا. فلمّا دخلت عليه سألها حاجتها قالت: حاجتى أن تذبح لى يحيى بن زكريا.
فقال «1» :] سلينى غير هذا. قالت: لا أسألك إلا هذا. فلمّا أبت عليه دعا بيحيى ودعا بطست فذبحه فيه، فندّت من دمه قطرة على الأرض، فلم تزل تغلى حتى بعث الله عز وجل ملك بابل، فقتل عليها من بنى إسرائيل حتى سكنت. وقد تقدّم أيضا خبر مقتله، وأنّ بختنصّر هو الذى قتل على دمه حتى سكن «2» . والصحيح أن بختنصّر إنما قتل بسبب قتل شعيا عليه السلام.
قال الثعلبىّ أيضا: وقال علماء النصارى: إنّ قتل يحيى كان على يدى ملك من ملوك بنى إسرائيل يقال له هيرودس بسبب امرأة يقال لها هردوبا، كانت امرأة أخ له يقال له فلفوس، عشقها فوافقته على الفجور، فنهاه يحيى وأعلمه أنها لا تحلّ له، فسألت المرأة هيرودس أن يأتيها برأس يحيى ففعل، ثم سقط «3» فى يده وجزع جزعا شديدا.
وقال كعب: كان يحيى عليه السلام من أحسن الناس وجها وأجملهم فى زمانه، فأحبّته امرأة الملك الذى كان فى ذلك الزمان حبّا شديدا، فأرسلت اليه تراوده،
فأرسل إليها أنه لا علم له بالنساء والملك أحقّ أن يطأ فراشه. فلمّا جاءها الرسول غضبت وقالت: كيف لى أن أقتله حتى لا يخبر الناس أنى قد راودته!.
فلم تزل بالملك حتى وهب لها رأس يحيى بن زكريّا، وأرسلت إليه وهو قائم يصلّى فى محراب داود فى بيت المقدس فضرب عنقه وأخذ رأسه. فلمّا أرادوا أن يأخذوا رأس يحيى خسف الله بها وبأهلها الأرض عقوبة لقتلها يحيى عليه السلام.
قال كعب: فلمّا رأى زكريّا أن ابنه يحيى قد قتل وخسف بالقوم انطلق هاربا فى الأرض، حتى دخل بستانا عند بيت المقدس فيه أشجار. وأرسل الملك فى طلبه غضبا لما لقيت المرأة وأهلها. فمرّ زكريّا بشجرة من تلك الأشجار فنادته الشجرة:
يا نبىّ الله، هلمّ إلى هاهنا. فلمّا أتاها التفّت عليه الشجرة ودخل زكريا عليه السلام فى وسطها، فآنطلق عدوّ الله إبليس لعنه الله حتى أخذ بطرف ردائه، فأخرجه من الشجرة ليصدّقوه إذا أخبرهم، وجاء الذين يلتمسون زكريّا، فأخبرهم إبليس أنه دخل الشجرة؛ فقالوا: لا نصدّقك. قال: فإنى أريكم علامة تصدّقوننى بها.
قالوا: فأرناها، فأراهم طرف ردائه، فأخذوا الفؤوس فضربوا الشجرة حتى قطعوها باثنتين، فسلّط الله عليهم أخبث أهل الأرض علجا مجوسيّا، فانتقم الله من بنى إسرائيل بدم يحيى وزكريّا، فقتل عظماء بنى إسرائيل وسبى منهم مائة ألف وعشرين ألفا.
وقد قيل فى سبب قتل زكريا غير هذا، وسنذكره إن شاء الله فى أثناء أخبار عيسى بن مريم على ما تقف عليه إن شاء الله تعالى.