الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد ومولد يحيى بن زكريا
قال الكسائىّ: فلمّا نظر زكريّا الى ما رزق الله عز وجل من الفاكهة فى غير وقتها قال: إن الذى رزق هذه الفواكه لقادر على أن يرزق من العجوز العقيم والشيخ الكبير الولد. قال الله تعالى: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ «1»
. قال: ولمّا أراد زكريّا أن يدعو استحيا من الله تعالى، فجلس سبعة أيّام ثم قام الى المحراب ووافق ذلك يوم عاشوراء، فكلّمه المحراب بإذن الله تعالى وقال: يا زكريّا، أوجدت ربّك بخيلا! يا زكريّا إنّ ربك أبدا رحيم. فعند ذلك عزم على الدعاء واجتهد فى العبادة، ثم رفع يديه «ونادى ربّه نداء خفيّا» معناه أخفاه عن قومه «قال ربّ إنّى وهن العظم منّى واشتعل الرأس شيبا» يعنى غلب بياضه على سواده «ولم أكن بدعائك ربّ شقيّا» معناه لم تخيّبنى فى الدعاء «وإنّى خفت الموالى من ورائى» يعنى الذرّيّة من بعدى أن تصير الحبوريّة فى غير أولاد الأنبياء «فهب لى من لدنك وليّا يرثنى ويرث من آل يعقوب» يعنى مكانى وحبوريّتى والتابوت الذى فيه وأقلام المحرّرين ومفاتيح القربان، ثم قال:«واجعله ربّ رضيّا» فى بنى إسرائيل. فاستجاب الله تعالى دعاءه وأمر جبريل أن ينزل عليه بالبشرى فأتاه وأتته الملائكة وأحدقوا بالمحراب.
قال الله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى «2»
الآية. وقال تعالى: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ
مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا* قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا* قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً
«1» .
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ «2»
. قال الكلبىّ: كان زكريّا يوم بشّر بالولد ابن اثنتين وتسعين سنة. وروى الضحّاك عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال: كان ابن مائة وعشرين سنة. وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين.
قالوا: ولمّا جامع زكريّا امرأته اغتسل وعاد الى محرابه، فجاءته نساء بنى إسرائيل وقالوا له: نرى أمرك أعجب من امرأتك، فذهب زكريّا ليتكلّم فلم يقدر على الكلام، فعلم أن امرأته قد حملت فكتب لهم فى الأرض، إنّى لا أقدر على الكلام ثلاثة أيام.
قال الثعلبىّ رحمه الله: فإن قيل: لم أنكر زكريّا ذلك وسأل الآية بعد ما بشّرته الملائكة؟ أكان ذلك شكّا فى وحيه؟، أم إنكارا لقدرته، وهذا لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان فكيف الأنبياء؟! فالجواب عنه ما قال عكرمة والسّدّىّ:
إنّ زكريّا لمّا سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال: يا زكريّا إنّ الصوت الذى سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك، ولو كان من الله لأوحاه إليك خفيّا كما ناديته خفيّا وكما يوحى إليك فى سائر الأمور؛ فقال ذلك دفعا للوسوسة. قال:
وفيه جواب آخر، وهو أنه لم يشكّ فى الولد وإنما شكّ فى كيفيته والوجه الذى يكون منه الولد فقال: أنّى يكون لى؟ أى كيف يكون لى ولد؟ أتجعلنى وامرأتى شابّين أو ترزقنا على كبرنا، أو ترزقنى من امرأة عاقر، أم من غيرها من النساء؟ فقال
ذلك مستخبرا لا مستنكرا. وهذا قول الحسن. «قال ربّ اجعل لى آية قال آيتك ألّا تكلّم الناس» تكفّ عن الكلام ثلاثة أيام وتقبل بكلّيّتك على عبادتى وطاعتى؛ لأنه ما حبس لسانه عن الكلام ولكنه نهى عنه؛ ويدلّ عليه قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ
. هذا قول قوم من أهل المعانى. وقال آخرون:
عقل لسانه عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إيّاه، فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام، لأنهم كانوا اذا صاموا لم يتكلّموا إلّا رمزا.
قال: وفى بعض الأخبار أنه لمّا ولد يحيى رفع الى السماء فغذّى بأنهار الجنّة حتى فطم ثم أنزل الى أبيه، فكان يضىء البيت لنوره.
واختلفوا فى تسميته بيحيى ولم سمّى بذلك؟ قال ابن عبّاس رضى الله عنهما:
لأنّ الله تعالى أحيا به عقر أمّه. وقال قتادة وغيره: لأنّ الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان والنبوّة. وقال الحسين بن الفضل: لأنّ الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهمّ بمعصية. وقيل: سمّى بذلك لأنه استشهد والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
ويحيى أوّل من أقرّ بعيسى عليه السلام وصدّقه؛ وذلك أنه لمّا كان فى بطن أمّه استقبلها مريم وقد حملت بعيسى، فقالت لها أمّ يحيى: يا مريم، أحامل أنت؟ فقالت: لماذا تقولين؟ قالت: إنى أرى ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك؛ فذلك تصديقه وإيمانه. وكان يحيى أكبر من عيسى بستّة أشهر، وقتل قبل رفع عيسى. وقوله تعالى فيه: وَسَيِّداً وَحَصُوراً
قال ابن جبير: السيّد الذى يطيع ربّه عز وجل. وقال الضحّاك: السيّد الحسن الخلق. وقال عكرمة:
السيّد الذى لا يغضب. وقال سفيان: السيّد الذى لا يحسد. وحصورا، قال