المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع عشر

- ‌تتمة الفن الخامس في التاريخ

- ‌تتمة القسم الثالث

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الخامس فيما كان بعد موسى بن عمران عليهما السلام

- ‌ذكر خبر حزقيل عليه السلام

- ‌ذكر خبر إلياس عليه السلام

- ‌ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس

- ‌ذكر رفع البلاء عن قوم إلياس بدعوته واستمرارهم على الكفر ورفع إلياس وهلاك آجاب الملك وامرأته، ونبوّة اليسع

- ‌ذكر نبوّة اليسع عليه السلام

- ‌ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوّته

- ‌ذكر خبر الملك طالوت وإتيان التابوت وخبر جالوت

- ‌ذكر قصة التابوت وصفته وما قيل فيه

- ‌ذكر إتيان التابوت إلى بنى إسرائيل وسبب عوده

- ‌ذكر مسير طالوت بالجنود وخبر النهر الذى ابتلوا به

- ‌ذكر خبر داود حين قتل جالوت الملك

- ‌ذكر خلافة داود عليه السلام ونبوّته ومبعثه إلى بنى اسرائيل وما خصه الله عز وجل به

- ‌ذكر خبر داود عليه السلام حين ابتلى بالخطيئة

- ‌ذكر ميلاد سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر أبشالوم بن داود

- ‌ذكر خبر الزرع الذى رعته الغنم وما حكم فيه سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر الذين اعتدوا فى السبت

- ‌ذكر استخلاف داود ابنه سليمان عليهما السلام وخبر الصحيفة وابتداء أمر الخاتم

- ‌ذكر وفاة داود عليه السلام

- ‌ذكر حشر الطير لسليمان بن داود عليهما السلام وكلامها له

- ‌ذكر خبر العنقاء فى القضاء والقدر

- ‌ذكر خبر خاتم سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر حشر الجن لسليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر مطابخه عليه السلام

- ‌ذكر خبر الرزق الذى سأل سليمان الله تعالى أن يجريه على يديه

- ‌ذكر خبر بناء بيت المقدس وابتداء أمره

- ‌ذكر خبر وادى النمل وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر البعوض وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر الخيل وما قيل فيها

- ‌ذكر خبر بساط سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر صخر الجنى

- ‌ذكر صفة كرسىّ سليمان عليه السلام وما انتهى إليه أمره

- ‌ذكر خبر بلقيس وابتداء أمرها

- ‌ذكر خبر ميلاد بلقيس وكيف كان وسبب ملكها

- ‌ذكر خبر سليمان وبلقيس وسبب زواجه بها

- ‌ذكر صفة القصر الذى بنته بلقيس وصفة عرشها

- ‌ذكر خبر وادى القردة

- ‌ذكر خبر الرجل الذى قبض بأرض الهند

- ‌ذكر خبر الفتنة وذهاب خاتم سليمان عليه السلام ورجوعه اليه

- ‌ذكر عزم سليمان عليه السلام أن يطوف على نسائه

- ‌ذكر وفاة بلقيس زوجة سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار شعيا وإرميا عليهما السلام وخبر بختنصّر وخراب بيت المقدس وعمارته وما يتصل بذلك من خبر عزير وفتنة اليهود

- ‌ذكر قصة شعيا عليه السلام

- ‌ذكر قصة إرميا عليه السلام

- ‌ذكر خبر بختنصر وابتداء أمره وكيف ملك

- ‌ذكر خبر بختنصّر مع دانيال

- ‌ذكر خبر عمارة بيت المقدس بعد أن خرّبه بختنصّر وخبر الذى مرّ على قرية

- ‌الباب الرابع من القسم الثالث من الفن الخامس فى قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام وخبر بلوقيا

- ‌ذكر قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام

- ‌ذكر خبر بلوقيا وما شاهد من العجائب

- ‌الباب الخامس من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار زكريّا وابنه يحيى وعمران ومريم وعيسى بن مريم عليهم السلام

- ‌ذكر نسب زكريّا وعمران عليهما السلام وما يتصل بذلك

- ‌ذكر ميلاد مريم بنة عمران عليه السلام

- ‌ذكر دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد ومولد يحيى بن زكريا

- ‌ذكر صفة يحيى بن زكريا وحليته

- ‌ذكر نبوّة يحيى عليه السلام وسيرته وزهده

- ‌ذكر مقتل يحيى بن زكريّا وأبيه زكريّا عليهما السلام

- ‌ذكر هلاك بنى إسرائيل وخراب بيت المقدس ثانيا

- ‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام

- ‌ذكر رجوع مريم بعيسى عليه السلام بعد مولده الى قومها

- ‌ذكر خروج مريم وعيسى عليهما السلام إلى مصر وما ظهر له من المعجزات فى مسيره ومدّة مقامه إلى أن عاد

- ‌وكان من المعجزات التى ظهرت على يدى عيسى عليه السلام فى مسيره ومقامه بمصر

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌ذكر خبر زكريا عليه السلام مع هيرودس الملك وما كان من أمره

- ‌ذكر رجوع عيسى ومريم عليهما السلام من مصر

- ‌ذكر الخصائص والآيات والمعجزات التى أظهرها الله تعالى على يد عيسى عليه السلام بعد مبعثه

- ‌ذكر خبر سام بن نوح وغيره الذين أحياهم عيسى بإذن الله عز وجل

- ‌ومن معجزاته عليه السلام إخباره عن الغيوب

- ‌ذكر خبر يجمع عدّة معجزات من معجزات عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر المائدة التى أنزلها الله عز وجل من السماء

- ‌ذكر ما قالته الشياطين الثلاثة فى عيسى بن مريم واتبعهم الناس بعدهم

- ‌ذكر خبر إبليس حين عارض عيسى عليه السلام وما خاطبه به وجوابه

- ‌ذكر خبر عيسى مع اليهود حين ظفروا به وأرادوا صلبه وقتله

- ‌ذكر خبر رفع عيسى عليه السلام أوّل مرة وهبوطه إلى الأرض ووصيّته إلى الحواريّين ورفعه ثانيا

- ‌ذكر وفاة مريم بنة عمران عليها السلام

- ‌الباب السادس من القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار الحواريّين الذين أرسلهم عيسى عليه السلام وما كان من أمرهم مع من أرسلوا اليه وخبر جرجيس

- ‌ذكر خبر أخبار الحواريّين

- ‌ذكر خبر يوحنّا وبولس اللذين توجّها إلى إنطاكية

- ‌ذكر خبر توما الحوارىّ مع ملك الهند وإيمانه به

- ‌ذكر خبر لوقا الحوارىّ مع ملك فارس

- ‌ذكر خبر جرجيس رحمة الله عليه

- ‌التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس

- ‌الباب الأوّل من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر الحوادث التى تظهر قبل نزول عيسى بن مريم

- ‌ذكر خبر المتغلّبين على البلاد وذلك مما يظهر من الفتن قبل نزول عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر خروج المهدىّ

- ‌ذكر خبر خروج الدجّال وصفته

- ‌الباب الثانى من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى خبر نزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله الدجّال و

- ‌ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌ذكر خبر يأجوج ومأجوج

- ‌الحديث الجامع لأخبار عيسى بن مريم عليه السلام والدجّال

- ‌الباب الثالث من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر ما يكون بعد وفاة عيسى بن مريم عليه السلام الى أن ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الأولى

- ‌ذكر خروج الدابّة وطلوع الشمس من مغربها

- ‌ذكر خبر قيام الساعة والنفخة الأولى

- ‌الباب الرابع من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار يوم القيامة والحشر والمعاد والنفخة الثانية فى الصور

- ‌ذكر يوم القيامة وأسمائه

- ‌ذكر الحشر والمعاد والنفخة الثانية

- ‌حديث لقيط بن عامر

- ‌القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، وخبر سيل العرم ووقائع العرب فى الجاهلية

- ‌الباب الأوّل فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

- ‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالىّ لطلب عين الحياة

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وهم ملوك الهند والصين والترك وجبل الفتح وملوك مصر

- ‌ذكر أخبار ملوك الهند

- ‌ذكر تنصيب ابن البرهمن وهو الباهبود

- ‌ذكر أخبار ملوك الصين

- ‌ذكر أخبار ملوك الترك

- ‌ذكر جبل الفتح وما عليه من الملوك والأمم

الفصل: ‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

وقال قتادة: هذه الآية قضاء قضى على القوم كما يسمعون، فبعث عليهم فى الأولى جالوت فسبى وقتل وخرّب بيت المقدس وسامهم سوء العذاب، ثم قال: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ

فعاد الله عليكم برحمته. ثم عاد القوم بشرّ ما يحضرهم. فبعث الله تعالى عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته. ثم بعث الله تعالى عليهم هذا الحىّ من العرب، كما قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ «1»

فهم بهم فى عذاب الى يوم القيامة.

وهذه الأخبار التى أوردناها فى هذا المكان من خبر زكريّا ويحيى وخراب بيت المقدس ثانيا، منها ما كان فى زمن عيسى عليه السلام، ومنها ما كان بعد رفعه. وإنما أوردناها سياقة وتركنا خبر عيسى عليه السلام لئلا تنقطع بغيرها وليتلو بعضها بعضا.

فلنرجع الى أخبار عيسى بن مريم عليه السلام.

‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

قال الكسائىّ رحمه الله تعالى: وكانت مريم تنمو وتزيد فى كل يوم وتعبد الله تعالى حتى برّزت فى العبادة على نساء بنى إسرائيل. فلمّا بلغت مبلغ النساء أتت منزل زكريّا، فقال لها: كيف خرجت من بيتك ومفتاحه معى؟ قالت: إنى رأيت أمرا قبيحا- أرادت بذلك الحيض- فجئتك بإذن الله. فأمرها زكريّا أن تكون عند خالتها حتى تطهر، ففعلت ذلك. فلما طهرت واغتسلت عادت إلى عبادتها.

فكان ذلك عادتها وشأنها اذا حاضت. فذلك قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً

«2»

أى سترا فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا

يعنى جبريل فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا

أى فى صورة رجل

ص: 209

قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

أى مطيعا لربك قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا* قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا

ثم نفخ فى جيبها فوصلت النفخة الى جوفها فحملت بعيسى لوقتها. ويقال: إنّ زكريّا فى ذلك الوقت أفضى إلى امرأته فحملت بيحيى.

وقيل: إنّ امرأة زكريّا حملت قبل مريم بثلاثة أشهر، وقيل ستة أشهر. وكانت مريم إذ ذاك بنت خمس عشرة سنة، وقيل ثلاث عشرة سنة.

وحكى الثعلبىّ فى قصة حمل مريم أنه كان معها فى المسجد ابن عمّ لها من المحرّرين يقال له يوسف بن يعقوب النجّار، وكان رجلا حكيما نجّارا، يتصدّق بعمل يديه، وكان يوسف ومريم اذا نفد ماؤهما أخذ كل واحد منهما قلّته وانطلق إلى المغارة التى فيها الماء يستقيان منه ثم يرجعان إلى الكنيسة. فلمّا كان اليوم الذى لقيها فيه جبريل، وكان أطول يوم فى السنة وأشدّ حرّا، نفد ماؤها، فقالت:

يا يوسف، ألا تذهب بنا نستقى؟ فقال لها: إنّ عندى لفضلا من ماء أكتفى به فى يومى هذا إلى غد. قالت: لكنى والله ما عندى ماء، فأخذت قلّتها ثم انطلقت وحدها حتى دخلت المغارة، فوجدت عندها جبريل عليه السلام، قد مثّله الله عز وجل بشرا سويّا؛ فقال لها: يا مريم، إنّ الله قد بعثنى اليك لأهب لك غلاما زكيّا.

قالت: إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا. قال عكرمة: وكان جبريل قد عرض لها فى صورة شابّ أمرد وضىء الوجه، جعد الشعر، سوىّ الخلق. قال الحكماء: وإنما أرسله الله تعالى فى صورة البشر لتثبت مريم عليها السلام وتقدر على استماع كلامه، ولو أتاها على صورته التى هو عليها لفزعت ونفرت عنه، ولم تقدر على استماع كلامه. فلمّا استعاذت مريم منه قال: إِنَّما أَنَا رَسُولُ

ص: 210

رَبِّكِ

الآية. فلما قال ذلك استسلمت لقضاء الله تعالى. فنفخ جبريل فى جيب درعها، وكانت قد وضعته، ثم انصرف عنها. فلما لبست مريم درعها حملت بعيسى عليه السلام، ثم ملأت قلّتها وانصرفت الى المسجد. وقال السّدّىّ وعكرمة:

إنّ مريم عليها السلام كانت تكون فى المسجد ما دامت طاهرة فإذا حاضت تحوّلت الى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد. فبينما هى تغتسل من الحيض وقد أخذت مكانا شرقيّا- قال الحسن: إنما اتخذت النصارى الشرق قبلة لأن مريم انتبذت مكانا شرقيّا- فاتخذت، فضربت من دونهم حجابا، أى سترا.

وقال مقاتل: جعلت الجبل بينها وبين قومها، فبينما هى كذلك اذ عرض لها جبريل وبشّرها ونفخ فى جيب درعها.

قالوا: فلما اشتملت على عيسى وتبيّن حملها داخلها الغمّ وعلمت أنّ بنى إسرائيل سوف يقذفونها، فنادتها الملائكة: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ

أى من الحيض وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ* يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

. قال: وبشّرها الله تعالى بعيسى فقال: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ «1»

. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ* وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ «2»

الآية فطابت نفسها. قال وهب: فلمّا اشتملت على عيسى وكان معها يوسف النجار، وكانا منطلقين الى المسجد الذى بجبل صهيون- وجبل صهيون على باب بيت المقدس- وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، وكانت مريم ويوسف يخدمان ذلك المسجد، وكان لخدمته فضل عظيم، فكانا يليان معالجته بأنفسهما وتطهيره، وكان لا يعلم أحد من أهل زمانها أشدّ اجتهادا وعبادة

ص: 211

منهما. فكان أوّل من أنكر حمل مريم يوسف النجّار. فلما رأى ما بها استعظمه وقطع به ولم يدر على ماذا يضع أمرها. فكان إذا أراد أن يتّهمها ذكر صلاحها وعبادتها وبراءتها وأنها لم تغب عنه، وإذا أراد أن يبرّئها رأى الذى ظهر بها من الحمل. فلما اشتدّ ذلك عليه كلّمها، فكان أوّل ما كلّمها به أن قال لها: إنه قد وقع فى نفسى منك ومن أمرك شىء، وقد حرصت على أن أكتمه فغلبنى ذلك ورأيت أنّ الكلام فيه أشفى لصدرى. فقالت: قل قولا جميلا. قال: خبّرينى يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت نعم. قال: فهل تنبت شجرة بغير غيث يصيبها؟ قالت نعم. قال: فهل يكون ولد من غير فحل؟ قالت: ألم تعلم أنّ الله عز وجل أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذار إنما تكون من الزرع الذى كان أنبته من غير بذر!. ألم تعلم أن الله عز وجل أنبت الشجر من غير غيث، وبالقدر جعل الغيث حياة الشجر بعد ما خلق كل واحدة على حدة!. أو تقول إن الله لا يقدر على إنباته!. قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكنى أعلم أن الله تبارك وتعالى يقدر على ما يشاء، يقول لذلك: كن فيكون. فقالت له مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته حوّاء من غير ذكر ولا أنثى!. قال بلى.

فلمّا قالت له ذلك وقع فى نفسه أن الذى بها شىء من أمر الله، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها. وقال الكسائىّ: لما قال يوسف لمريم:

هل يكون ولد من غير فحل؟ قالت: نعم، آدم من غير أب وأمّ. قال صدقت.

ثم قال: هذا الولد الذى فى بطنك من أبوه؟ قالت: هذا هبة ربّى لى، ومثله كمثل آدم خلقه من تراب. فنطق عيسى فى بطنها وقال: يا يوسف ما هذه الأمثال التى تضربها! قم فاشتغل بصلاتك واستغفر لذنبك مما قد وقع فى قلبك. فقام يوسف وجاء الى زكريّا وأخبره، فاغتمّ وقال لامرأته: إنّ مريم حامل، وأخاف من فسّاق

ص: 212