الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنى إسرائيل أن يتّهموا يوسف بها. قالت: توكّل على الله واستعن به فإنه يردّ عنها مقالة الفسّاق.
قالوا: ثم تولى يوسف خدمة المسجد وكفاها كل عمل كانت تعمله فيه لما رأى من رقّة جسمها، واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوء بطنها، وضعف قوّتها. والله أعلم.
ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام
قال الكسائىّ رحمه الله: فلمّا دنا وقت الولادة خرجت مريم فى جوف الليل من منزل زكريا حتى صارت إلى خارج بيت المقدس؛ فذلك قوله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا
. قال: وأخذها الطّلق، فنظرت إلى نخلة يابسة فجلست تحتها فاخضرّت النخلة من ساعتها وصار لها سعفا وخوصا وحملت الرّطب لوقتها، وأنبع الله فى أصل النخلة عينا من الماء. قال: وعن وهب أنه لمّا دنت ولادة مريم عليها السلام أوحى الله تعالى إليها أن تخرج من المحراب فتتبوّأ منزلا تلد فيه، فتحوّلت إلى بيت خالتها أمّ يحيى بن زكريا لتلد فى بيتها. قال: فلمّا دخلت عليها استقبلتها أمّ يحيى وسلّمت عليها. فلما التقيا أحسّت أمّ يحيى بسجود من فى بطنها، فقالت: يا مريم، إن الذى فى بطنى يسجد لما فى بطنك.
قالوا: ثم أوحى الله تعالى إلى مريم أن تخرج من أرض بيت «1» لحم إلى جهة من الأرض تلد فيها، فحملها يوسف النجّار على حمار بأكاف «2» ليس بينها وبين الأكاف غير
ثوبها وهى مثقلة لا تكاد تقوم. فانطلقا فى سواد الليل من بيت لحم يؤمّان الجبال، حتى إذا كانا ببعض الطريق بين نخلات ينزلها الرّكبان، بينهنّ أوارىّ «1» مبنيّة بناها السّفر «2» ليعلّقوا فيها دوابّهم. فنزلا ذلك المنزل، فأدركها المخاض، فالتجأت إلى بعض تلك الأوارىّ وهو فى أصل جذع نخلة يابس قحل ليس فيه عراجين «3» ولا غيرها، فأنبته الله تعالى وأثمره حتى أظلّها وأكنّها وتدلّت عليها غصونه من كل جانب حتى سترها السّعف والعراجين. واشتدّ بها الطّلق وداومها سبع ليال، وأشرفت على الموت، فقالت ما أخبر الله تعالى به عنها، قال الله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا «4»
. قال: واشتدّ عليها البرد، فعمد يوسف الى حطب فجعله حولها كالحظيرة، ثم أشعل فيه النار فأدفأها، وكسر لها سبع جوزات فأكلتها. فمن أجل ذلك توقد النصارى النار ليلة الميلاد وتلعب بالجوز. قال وقال كعب: إنها خرجت منفردة، فلمّا فقدها زكريّا أهمّه ذلك، وبعث يوسف النجّار فى طلبها، فجاء حتى نظر إليها تحت النخلة. قال: ولمّا شكت من ألم الولادة ما شكت وقالت: «يا ليتنى متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا» أى لا تعرف ولا تذكر فَناداها مِنْ تَحْتِها
- قيل: إن الذى ناداها عيسى. وقيل: جبريل- أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا
وهو الجدول الصغير. قالوا: كان نهرا من ماء عذب، يكون باردا إذا شربت منه، وفاترا إذا استعملته وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا
أى نضيجا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً
أى كلى واشربى من الماء الذى أنبعه الله لك وقرّى عينا بهذا الولد فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً
أى صمتا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا
قال: فلما جاء يوسف النجّار كلّمها فلم تتكلم، فتكلّم عيسى فى حجرها وقال:
يا يوسف، أبشر وقرّ عينا وطب نفسا، فقد أخرجنى ربى من ظلمة الأرحام الى ضوء الدنيا، وسآتى بنى إسرائيل وأدعوهم الى طاعة الله.
واختلف العلماء فى مدّة حمل مريم عليها السلام بعيسى ووقت وضعها إياه، فقال بعضهم: كان تسعة أشهر كحمل سائر النساء، وقيل: ثمانية أشهر، وكان ذلك آية أخرى لأنه لم يعش مولود يوضع لثمانية أشهر غير عيسى، وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل ساعة واحدة. وقال ابن عباس: ما هو إلا أن حملت فوضعت، ولم يكن بين الحمل والانتباذ إلا ساعة واحدة؛ لأن الله تعالى لم يذكر بينهما فصلا. وقال مقاتل: حملته مريم فى ساعة وصوّر فى ساعة ووضعته فى ساعة حين زالت الشمس من يومها وهى بنت عشر سنين، وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى عليه السلام. قال: فانصرف يوسف الى زكريّا وأخبره بولادة مريم وكلام عيسى، فازداد زكريّا غمّا لما يقوله الناس.
قال الثعلبىّ قال وهب: فلما ولد عيسى عليه السلام أصبحت الأصنام كلها بكل أرض منكوسة على رءوسها، ففزعت الشياطين ولم يدروا لم ذلك، فساروا مسرعين حتى جاءوا إبليس وهو على عرش له فى لجّة خضراء يتمثل بالعرش يوم كان على الماء، فأتوه وقد خلت ستّ ساعات من النهار. فلمّا رأى إبليس جماعته فزع من ذلك ولم يرهم جميعا منذ فرّقهم قبل تلك الساعة إنما كان يراهم أشتاتا، فسألهم، فأخبروه أنه حدث فى الأرض حادث أصبحت الأصنام كلها منكوسة على رءوسها، ولم يكن شىء أعون على هلاك بنى آدم منها لما يدخل فى أجوافها فتكلّمهم وتدبّر أمرهم، فيظنّون أنها هى التى تكلّمهم، فلمّا أصابها هذا الحادث صغّرها فى أعين
بنى آدم وأذلّها، وقد خشينا ألّا يعبدوها بعد هذا. واعلم إنّا لم نأتك حتى أحصينا الأرض وقلبنا البحار وكل شىء، فلم نزدد بما أردنا إلا جهلا. فقال لهم إبليس: إنّ هذا الأمر عظيم، فكونوا على مكانكم. وطار إبليس عند ذلك ولبث عنهم ثلاث ساعات، فمرّ بالمكان الذى ولد فيه عيسى عليه السلام. فلمّا رأى الملائكة محدقين بذلك المكان علم أنّ ذلك الحادث فيه، فأراد إبليس أن يأتيه من فوقه فإذا فوقه رءوس الملائكة ومناكبهم الى السماء، ثم أراد أن يأتيه من تحت الأرض فإذا أقدام الملائكة راسية، فأراد أن يدخل من بينهم فنحّوه عن ذلك، فرجع إبليس إلى أصحابه فقال: ما جئتكم حتى أحصيت الأرض كلها شرقها وغربها وبرّها وبحرها والخافقين والجوّ الأعلى، وكل هذا بلغته فى ثلاث ساعات، وأخبرهم بمولد عيسى عليه السلام وقال: ما اشتملت قبله أمّ على ولد إلّا بعلمى، ولا وضعته قطّ إلّا وأنا حاضرها. وإنى لأرجو أن أضلّ به كثيرا ممن يهتدى، وما كان نبىّ قبله أشدّ علىّ وعليكم من هذا المولود.
قال: ثم خرج من تلك الليلة قوم يؤموّنه من أجل نجم طلع، وكانوا قبل ذلك يتحدّثون أنّ مطلع ذلك النجم من علامات مولود فى كتاب دانيال، فخرجوا يريدونه ومعهم الذهب والمرّ واللّبان، فمرّوا بملك «1» من ملوك الشام، فسألهم أين تريدون؟
فأخبروه بخبرهم. قال: فما بال الذهب والمرّ واللّبان أهديتموه له من بين الأشياء
كلها «1» ؟ قالوا: تلك أمثاله؛ لأنّ الذهب سيّد المتاع كله، وكذلك هذا النبىّ سيد أهل زمانه. ولأنّ المرّ يجبر به الكسر والجرح، وكذلك هذا النبىّ يشفى الله تعالى به كل سقيم ومريض. ولأن اللّبان يبلغ دخانه إلى السماء ولا يبلغها دخان غيره، وكذلك هذا النبىّ يرفعه الله تعالى إلى السماء ولا يرفع فى زمانه أحدا غيره. فلمّا قالوا ذلك للملك حدّث نفسه بقتله فقال: اذهبوا، فإذا علمتم مكانه فأعلمونى ذلك فإنى راغب فى مثل ما رغبتم فيه من أمره. فانطلقوا حتى دفعوا ما كان معهم من تلك الهديّة إلى مريم، وأرادوا أن يرجعوا إلى الملك ليعلموه بمكان عيسى، فلقيهم ملك فقال لهم: لا ترجعوا إليه ولا تعلموه بمكانه فإنه إنما أراد بذلك ليقتله، فانصرفوا فى طريق آخر. وقال مجاهد: قالت مريم عليها السلام: كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدّثنى وحدّثته، فإذا شغلنى عنه شىء سبّح فى بطنى وأنا أسمع.
قالوا: وكان مولد عيسى عليه السلام بعد مضىّ اثنتين وأربعين سنة من ملك أغوسطوس «2» ، وخمسين سنة مضت من ملك الأشغانين «3» ملوك الطوائف. وكانت المملكة لملوك الطوائف، والرياسة بالشام ونواحيها لقيصر ملك الروم، والملك عليها من قبل قيصر هيرودس «4» ، وقيل فى اسمه هرادوس.