الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّى قد فجعت بموت ابنى بعدك، فعظمت فيه مصيبتى، واشتدّ لفقده بلائى، وليس لى ولد غيره، فارحمنى وادع ربّك- جل جلاله فيحيى لى ابنى، ويجبر مصيبتى، وإنى قد تركته مسجّى لم أدفنه، وإنى قد أخفيت مكانه. فقال لها إلياس: ليس هذا ممّا أمرت به، وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرنى به ربّى، ولم يأمرنى بهذا. فجزعت المرأة وتضرّعت، فعطّف الله سبحانه وتعالى قلب إلياس عليها، فقال لها: ومتى مات ابنك؟ قالت: منذ سبعة أيام. فانطلق إلياس معها وسار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها فوجد ابنها يونس ميتّا منذ أربعة عشر يوما، فتوضّأ وصلّى ودعا الله فأحيا الله تعالى يونس بن متّى بدعوة إلياس. فلمّا عاش وجلس وثب إلياس وانصرف وعاد إلى موضعه. والله أعلم.
ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس
قال: ولمّا طال عصيان قومه ضاق إلياس بذلك ذرعا وأجهده البلاء.
فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود: يا إلياس، ما هذا الحزن والجزع الذى أنت فيه! ألست أمينى على وحيى، وحجّتى فى أرضى، وصفوتى من خلقى! فسلنى أعطك فإنّى ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم. قال: تميتنى فتلحقنى بآبائى، فإنّى قد مللت بنى إسرائيل وملّونى، وأبغضتهم فيك وأبغضونى. فأوحى الله تعالى إليه: يا إلياس، ما هذا باليوم الذى أعرى منك الأرض وأهلها، وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك إن كنتم صبرتم قليلا، ولكن تسألنى فأعطيك.
قال إلياس: فإن لم تمتنى يا إلهى فأعطنى ثأرى من بنى إسرائيل. قال الله تعالى:
وأىّ شىء تريد أن أعطيك يا إلياس؟ قال: تمكننى من خزائن السماء سبع سنين، فلا تنشئ «1» عليهم سحابة إلّا بدعوتى، ولا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلّا بشفاعتى، فإنهم لا يذلّهم إلّا ذلك. قال الله تعالى: يا إلياس، أنا أرحم بخلقى من ذلك وإن كانوا ظالمين. قال: ستّ سنين. قال: أنا أرحم بخلقى من ذلك وإن كانوا ظالمين. قال: فخمس سنين. قال: أنا أرحم بخلقى من ذلك وإن كانوا ظالمين، ولكنى أعطيك ثلاث سنين أجعل خزائن المطر بيدك، فلا تنشأ «2» عليهم سحابة إلّا بدعوتك، ولا تنزل عليهم قطرة إلّا بشفاعتك. قال إلياس: فبأىّ شىء أعيش؟ قال: أسخّر جيشا من الطير تنقل إليك طعامك وشرابك من الريف والأرض التى لم تقحط. قال إلياس: قد رضيت. قال: فأمسك الله- عز وجل عنهم المطر حتى هلكت الماشية والدوابّ والهوامّ والشجر وجهد الناس جهدا شديدا وإلياس على حالته مستخف من قومه يوضع له الرزق حيثما كان، وقد عرفه بذلك قومه، فكانوا إذا وجدوا ريح الخبز فى بيت قالوا: لقد دخل إلياس هذا البيت وطلبوه، ولقى أهل ذلك المنزل منهم شرّا.
قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: أصاب بنى إسرائيل ثلاث سنين القحط، فمرّ إلياس- عليه السلام بعجوز فقال لها: هل عندك طعام؟
قالت: نعم، شىء من دقيق وزيت قليل. فجاءته بشىء من الدقيق والزيت، فدعا فيهما بالبركة «3» ومسّهما، فبارك الله فى ذلك حتى ملأت جربها دقيقا وملأت