الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الرابع عشر
تتمة الفن الخامس في التاريخ
تتمة القسم الثالث
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الخامس فيما كان بعد موسى بن عمران عليهما السلام
«1» وهو أخبار يوشع بن نون وحزقيل وإلياس واليسع وعيلى «2» وأشمويل وداود وطالوت وجالوت وسليمان بن داود عليهم السلام
ذكر خبر يوشع «3» بن نون- عليه السلام وفتح أريحا وغيرها
قال أبو إسحاق الثّعلبىّ- رحمه الله تعالى-: اختلف العلماء فيمن تولّى حرب الجبّارين وفيمن كان على يده الفتح، فقال قوم: إنما فتح أريحا «4» موسى
- عليه السلام وكان يوشع على مقدّمته فسار إليها بمن بقى من بنى إسرائيل ولم يمت فى التّيه، فدخلها يوشع بهم وقتل الجبّارين «1» الذين كانوا فيها، ودخلها موسى ببنى إسرائيل، فأقام فيها ما شاء الله تعالى أن يقيم، ثم قبضه الله تعالى، ولم يعلم أحد من الناس أين قبره. قال: وهذا أولى الأقاويل بالصدق. وقال الآخرون:
إنما قتل الجبّارين يوشع ولم يسر إليهم إلّا بعد موت موسى. وقالوا: إنما مات موسى وهارون- عليهما السلام فى التّيه.
قالوا: فلما انقضت مدّة التّيه ومات موسى- عليه السلام بعث الله تعالى يوشع بن نون نبيّا، فأخبرهم أنه نبىّ الله تعالى، وأنّ الله- عز وجل قد أمره بقتال الجبّارين، فصدّقوه وبايعوه. فتوجّه ببنى إسرائيل الى أريحا ومعه تابوت «2» الميثاق، فأحاط بمدينة أريحا ستّة أشهر، فلمّا كان فى الشهر السابع نفخوا فى القرون «3» وضجّ الشعب ضجّة واحدة «4» ، فسقط سور المدينة، فدخلوها وقاتلوا الجبّارين، فهزموهم وهجموا عليهم يقتّلونهم، فكانت العصابة من بنى إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها، وكان القتال يوم الجمعة، فبقيت منهم بقيّة وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت، فخشى يوشع أن يعجزوه، فقال: اللهم اردد الشمس علىّ، وقال للشمس: إنك فى طاعة الله، وأنا فى طاعة الله. فسأل الشمس
أن تقف والقمر أن يقيم حتى ينتقم من أعداء الله قبل غروب الشمس، فردّت عليه الشمس وزيد له فى النهار ساعة واحدة حتى قتلهم أجمعين.
قالوا: ثم أرسل ملوك الأرمانيّين «1» بعضهم الى بعض- وكانوا خمسة «2» - فجمعوا كلمتهم على حرب يوشع وقومه، فهزمت بنو إسرائيل الملوك حتى أهبطوهم إلى ثنيّة حوران، «3» فرماهم الله تعالى بأحجار البرد، فكان من قتله البرد أكثر ممّن قتله بنو إسرائيل بالسيف، وهربت الملوك الخمسة، فاختفوا فى غار، فأمر بهم يوشع فأخرجوا، فقتلهم وصلبهم، ثم أنزلهم وطرحهم فى ذلك الغار، وتتّبع سائر ملوك الشأم فاستباح منهم أحدا وثلاثين ملكا حتى غلب على جميع أرض الشأم، وصار الشأم كلّه لبنى إسرائيل، وفرّق عمّاله فى نواحى الشأم.
وحكى الكسائىّ فى (كتاب المبتدا) أنّ يوشع أخذ فى الجهاد بعد وفاة موسى عليه السلام حتى فتح الله على يديه نيّفا وثلاثين مدينة من مدن الكفّار بأرض الشأم. قال: ثم سار ببنى إسرائيل الى أريحا لقتال الجبّارين، وكانوا قد عادوا إليها بعد أن فتحها موسى، فقاتلهم يوم الجمعة، وساق نحو ما تقدّم من حبس الشمس.
قال: وفسد على أهل علم النجوم علوم كثيرة من ذلك اليوم.
قال الكسائىّ: ولما فرغ يوشع بن نون من قتال الجبّارين بأريحا سار ببنى إسرائيل الى أرض بنى كنعان، فقاتلهم حتى قتل أكثر من ثلاثين ملكا، وفتح ثلاثين حصنا.
قال الثعلبىّ فى تفسيره: ولمّا قتل يوشع الملوك واستباح الأموال جمع الغنائم فلم تنزل النار، فأوحى الله تعالى إلى يوشع أنّ فيها غلولا «1» ، فمرهم فليبا يعوك فبايعوه، فالتصقت يد رجل منهم بيده، فقال: هلمّ ما عندك!. فأتاه برأس ثور من ذهب مكلّل بالياقوت والجوهر كان قد غلّه، فجعله فى القربان وجعل الرجل معه، فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان.
قالوا: ثم مات يوشع فدفن فى جبل أفرائيم «2» ، وكان عمره مائة وستّا «3» وعشرين سنة، وتدبيره أمر بنى إسرائيل بعد وفاة موسى- عليه السلام تسعا وعشرين سنة. وقال الكسائىّ: أربعين سنة. والله تعالى أعلم.
ولما مات استخلف على بنى إسرائيل كالب «4» بن يوقنّا، وهو من أولاد يهوذا بن يعقوب، وكان من الزّهاد، فسار فيهم أجمل سيرة حتى قبضه الله تعالى.
فاستخلف عليهم ابنه برشاناس «5» وكان نظير يوسف الصدّيق- عليه السلام فى حسنه وجماله، فافتتن الناس به، فسأل الله تعالى أن يغيّر خلقته، فأصابه
الجدرىّ، فتغيّرت خلقته، فأنكره الناس وأكثروا من سؤاله عن خبره، فشقّ ذلك عليه وشغله عن عبادته، فسأل الله تعالى أن يزيده تشويها، فاسترخى وجهه، وظهرت له أسنان طوال، وقبح حتى كره الناس أن ينظروا إليه، وعرفوا منه الاجتهاد فى عبادة الله تعالى وطاعته، فآختاروه وسمعوا له وأطاعوا، ولم يزل بين أظهرهم أربعين سنة ثم قبضه الله تعالى.
فقام بأمرهم العيزار «1» بن هارون بن عمران، وكان قد أسنّ ولا ولد له، فجعلوا يقولون: ما حرم الولد إلّا لذنب عظيم. فسأل الله الولد، فرزقه ولدا بعد كبر سنّه وإياس زوجته صفّوريّة «2» بنت عمّه موسى بن عمران وجدّد له قوّة، ولها جمالا وحسنا، وسمّى ولده «سباسبا» «3» وجاء عالما بالتوراة، فاستخلفه والده على بنى إسرائيل، فقام بأمرهم، وتزوّج بامرأة يقال لها صفّوريّة، فأولدها إلياس. هكذا نقل الكسائىّ.
وقال الثعلبىّ فى قصصه فى خبر ابن كالب وسمّاه «بوساقوس» : وأنه لمّا افتتن الناس به سأل الله تعالى أن يغيّر صورته مع سلامة حواسه وجوارحه فأصابه الجدرىّ. وقال: إنه لبث فيهم مائة سنة، ثم قبضه الله- عز وجل. ولم يذكر العيزار وابنه، بل ذكر خبر حزقيل. والله تعالى أعلم.