الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهم الترك الخزلج «1» والتّغزغز وهم أصحاب مدينة كوشان «2» ، وهى مملكة بين بلاد خراسان والصين. قال: ومن الترك الكيماكية «3» والبرسخانية «4» والغزيّة «5» والجفرية «6» .
قال: وأشدّهم بأسا الغزّيّة، وأحسنهم صورا الخزلجيّة، وكانوا على بلاد فرغانة والشاش وما يلى ذلك الصّقع. قال: وفيهم كان الملك، ومنهم خاقان الخوّاقين، وكان ملكه يجمع سائر ممالك الترك وينقاد إليه ملوكها.
قال: ولحق فريق من ولد عامور بتخوم الهند، فأثّرت فيهم تلك البقاع فصارت ألوانهم خلاف ألوان الترك ولحقوا بألوان الهند. ولهم حضر وبواد، وسكن فريق منهم بلاد التّبّت وملّكوا عليهم ملكا وكان ينقاد إلى ذلك الخاقان. فلمّا زال ملك خاقان سمّى أهل التّبّت ملكهم بخاقان تشبيها بملوك الترك.
ذكر جبل الفتح وما عليه من الملوك والأمم
قال المسعودىّ: وأمّا جبل الفتح فهو جبل عظيم اشتمل على كثير من الممالك والأمم، وفيه اثنتان وسبعون أمّة، لكل أمّة ملك ولغة تخالف لغة الأخرى. وهو ذو شعاب وأودية، ومدينة الباب والأبواب على شعب من شعابه، وهى التى بناها كسرى. وعلى أحد شعاب هذا الجبل بحر الخزر مما يلى الباب والأبواب، ومملكة
شروان، ويلى هذه المملكة مملكة الأرّان «1» ، وملكها يدعى الأرّان شاه. ومنها مملكة الموقانية «2» ، ومملكة الّلكز، وهى أمّة لا تحصى كثرة تسكن أعالى هذا الجبل، وهؤلاء ينقادون إلى ملك شروان، ومنهم كفّار لا ينقادون اليه يقال لهم الدّودانيّة «3» جاهلية لا يرجعون إلى قبلة. ويلى ملك شروان ملك طبرستان. ومن ممالك الجبل مملكة حيزان «4» ، وهى داخلة فى جملة الخزر. ومملكة الخزر تلى مملكة حيزان، وبين مملكة الخزر ومدينة الباب ثمانية أيام. ومدينة الخزر اسمها سمندر «5» . ومن مدن الخزر أيضا مدينة إتل «6» بينها وبين سمندر سبعة أيام، وهى ثلاث قطع يقسمها نهر عظيم يرد من أعالى بلاد الترك، ويتشعب منه شعبة نحو بلاد البلغار ويصب فى بحر ما نيطش.
وفى هذه المدينة [خلق «7» ] من المسلمين والنصارى واليهود والجاهلية. فالملك وحاشيته وجيشه من اليهود، والجاهلية بها من الصقالبة والروس، وهم يحرقون موتاهم ودوابّ من يموت وآلاته. واذا مات الرجل منهم أحرقت معه امرأته، وإن ماتت المرأة لا يحرق معها الزوج. وأما المسلمون فهم جند الملك، ويعرفون باللارسية، وهم ناقلة من بلاد خوارزم كانوا قد وفدوا الى هذه المملكة لقحط أصاب بلادهم فى صدر
الإسلام. فاستعان بهم الملك فأقاموا عنده على شروط، منها: أن يقيموا شعار الإسلام، وأن تكون الوزارة فيهم، وإنه اذا كانت الحرب بينه وبين المسلمين لا يحضرونها ويحاربون معه سائر الكفار. وبالمدينة قضاة سبعة: اثنان من المسلمين، واثنان للخزر يحكمان «1» بحكم التوراة، واثنان من النصارى يحكمان بالإنجيل، وواحد من الصقالبة والروس والجاهلية يحكم بالقضايا العقلية. واذا ورد ما لا علم لهم به من النوازل الكبار اجتمعوا الى قضاة المسلمين فتحاكموا اليهم وانقادوا لما توجبه الشريعة الإسلامية. وليس فى الملوك من عنده جند مرتزقة غير ملك الخزر.
قال: وفى دار مملكة الخزر رجل يكون اسمه خاقان لا يركب ولا يظهر للخاصّة ولا للعامّة، ولا يستقيم ملك الخزر لملكهم إلّا أن يكون عنده خاقان معه فى قصره. فإذا أجدبت أرض الخزر أو نابت بلادهم نائبة أو حرب، جاءت الخاصّة والعامّة الى ملك الخزر وقالوا له: قد تطيّرنا بخاقان وبأيامه وتشاء منا به، فاقتله أو سلّمه إلينا نقتله، من غير أن يكون قد عمل ما يوجب ذلك؛ فتارة يقتله، وتارة يسلّمه اليهم فيقتلونه، وتارة يمانع عنه ويرقّ له. واذا قتل خاقان أقاموا غيره.
قال: وللخزر زوارق يركبون فيها من نهر فوق المدينة يصبّ الى نهر يقال له برطاس، عليه أمم من الترك حاضرة داخلة فى جملة ملوك الخزر، وعمائرهم متّصلة بين مملكة الخزر والبلغر، يرد هذا النهر من نحو بلاد البلغر. ومن بلاد برطاس تحمل جلود الثعالب السّود التى يعرف وبرها بالبرطاسىّ. قال المسعودىّ:
ويبلغ ثمن الجلد منها مائة دينار. وتلبسها الملوك وهو عندهم أغلى من السمّور «2» والفنك «3» ، والحمر دونها فى الثمن.
قال: وفى أعالى نهر الخزر مصبّ يتّصل بخليج من نهر نيطش، وهو بحر للّروس لا يسلكه غيرهم، وهم على ساحل من سواحله. وهى أمّة عظيمة لا تنقاد الى ملك ولا الى شريعة. وفى أرض الرّوس معدن من الفضّة. قال: والرّوس أمم كثيرة «1» ، فمنهم جنس يقال لهم البوداغية «2» ، وهم الأكثر، يختلفون بالتجارات الى بلاد الأندلس والقسطنطينية ورومية. قال: وبين مملكة حيزان التى ذكرناها وبين الباب والأبواب أناس من المسلمين عرب لا يحسنون غير اللغة العربية فى آجام هنالك وغياض وأودية وأنهار، ولهم قرى قد سكنوها، وهم على نحو من ثلاثة أميال من مدينة الباب والأبواب.
قال: ويلى مملكة حيزان مما يلى الفتح والسّغد ملك يقال له برزينان «3» مسلم، ويعرف بلد هذا الملك بالكرج. وكل ملك يلى هذه المملكة يدعى برزينان. ثم يلى مملكة برزينان ملك يقال له عينق «4» ، وهم يدينون بدين النصرانيّة، لا ينقادون لملك، ولهم رؤساء، وهم مهادنون لأهل مملكة اللّان. ثم يليهم مما يلى السور والجبل مملكة يقال لها زره كران. وتفسير ذلك بالعربية عمّال الزرد؛ لأن أكثرهم يعملون الزّرد والسيوف واللّجم والرّكب وغير ذلك من آلات الحديد.
وهم ذوو أديان مختلفة من المسلمين والنصارى واليهود. وبلدهم بلد ممتنع خشن قد امتنعوا فيه ممن جاورهم من الأمم لخشونته. ثم يلى هؤلاء ملك السرير «5»
ويدعى قبلان شاه يدين بالنصرانية. ودار مملكته تعرف بخندج «1» ، وله اثنتا عشرة ألف قرية يستعبد منهم من شاء. وبلده بلد منيع. وهو شعب من جبل الفتح. وهذا الملك يغير على الخزر ويستظهر عليهم. ثم يلى هذه المملكة اللّان. وملكها يقال له كركنداج «2» ، وهذا الاسم غالب على سائر ملوكهم. وكانوا جاهليّة ثم دانوا بالنصرانيّة، ثم رجعوا فيها بعد العشرين والثلاثمائة. وصاحب اللّان يركب فى ثلاثين ألف فارس. ثم يلى ملك اللان أمّة يقال لها كمشك. وتفسير هذا الاسم بالفارسية التّيه والصّلف. وهم بين جبل الفتح وبحر الروم. وهى تنقاد الى دين المجوسيّة. قال: وليس فى الأمم التى ذكرناها أنقى أجسادا، ولا أصفى لونا، ولا أحسن رجالا، ولا أصبح نساء، ولا أقوم قدودا، ولا أرقّ أخصارا وأظهر أردافا، ولا أحسن شكلا من هذه الأمّة. ونساؤهم موصوفات بلذّة الخلوة.
ولباسهنّ البياض والدّيباج الرومىّ والسّقلاطون «3» وغير ذلك من أنواع الديباج المذهب.
واللّان تستظهر على هذه الأمّة إلّا أنها تمتنع منهم بقلاع لها على ساحل البحر. وتلى هذه الأمّة على ساحل البحر أمّة يقال لبلدهم السبع بلدان، وهى أمّة كثيرة ممتنعة بعيدة الدار. ويلى هذه الأمّة أمّة عظيمة يقال لها إرم [ذات العماد «4» ] ذو وخلق عجيب جاهليّة الآراء. ويلى هذه الأمّة صحراء نحو من مائة ميل، بين جبال أربعة، كل جبل منها ذاهب فى الهواء، فى وسط هذه الصحراء دارة مقوّرة كأنها خطّت ببركار «5» ،
منحوتة فى حجر صلد، استدارتها نحو من خمسين ميلا قطع قائم كأنه حائط مبنىّ، يكوّن قعرها نحوا من ميلين، لا سبيل الى الوصول الى مستوى تلك الدارة، ويرى بها بالليل نيران كثيرة فى مواضع مختلفة، ويرى فيها بالنهار قرى وأنهار تجرى، وفيها ناس وبهائم إلّا أنهم يرون لطاف الأجسام لبعد قعر الموضع لا يدرى من أىّ الأمم هم.
ولا سبيل الى صعودهم ولا الى النزول اليهم من جهة من الجهات. ووراء تلك الجبال خسفة أخرى قريبة القعر فيها آجام وغياض، فيها نوع من القرود منتصبة القامات مستديرة الوجوه، الأغلب عليها صور الناس وأشكالهم إلا أنهم ذوو شعور.
قال: وربّما وقع فى النادر منها القرد اذا احتيل عليه فى اصطياده، فيكون فى نهاية الفهم والدراية. وربّما حمل الواحد منها الى الملوك فيعلّم القيام على رأسه بالمذبّة.
ولهم خاصيّة بمعرفة المسموم من المآكل والمشارب. فإذا دنا الطعام منها شمّته ويلقى لها الشىء منه فإن أكلته أكله الملك، وإن امتنعت علم الملك أنّ ذلك مسموم.
قال: وفيما بين بلاد الخزر وبين بلاد المغرب أمم أربع من الترك ترجع فى أنسابها الى أب واحد، وهم حضر وبدو، ذوو منعة وبأس شديد. ولكل أمّة منها ملك. ومسافة كل مملكة منها أيام، متّصلة ممالكهم بعضها ببحر نيطش.
وتتّصل غاراتهم ببلاد رومية وما يلى بلاد الأندلس. وهى تستظهر على سائر من هنالك من الأمم. وبينهم وبين الخزر واللّان مهادنة، وبلادهم تتّصل بممالك الخزر. فالجيل الأوّل منهم يقال له نجا. ويليه بجعود «1» . ويليه بجناك؛ وهى أشدّ هذه الأمم الأربع بأسا، ويليه أنو جرذد «2» . وكانت لهم حرب مع الروم بعد العشرين والثلاثمائة. ويلى بلاد الّلان أيضا أمة يقال لها الأنجاز تدين بالنصرانية، وملك اللّان مستظهر عليهم وهم متّصلون بجبل الفتح. ثم يلى بلاد الأبخاز ملك الخزرية، وهم أمّة عظيمة منقادة
الى دين النصرانية تدعى خزران ولها ملك. قالوا: وكانوا يؤدّون الخراج الى صاحب ثغر تفليس. وتليهم أمّة يقال لها الصمصحيّة نصارى، ومنهم جاهليّة لا ملك لهم.
ويليهم بين ثغر تفليس وقلعة باب الّلان مملكة يقال لها الصنباريّة «1» ، وملكهم يقال له كريشكوش «2» ، ينقادون الى النصرانيّة، ويزعمون أنهم من العرب من نزار بن معدّ.
ثم يلى مملكة الصنباريّة مملكة شكى «3» وهم نصارى. ويليهم مملكة أخرى وهى مأوى الصعاليك والذّعّار، ثم تتصل بمملكة الموقانيّة وهى التى على ساحل بحر الخزر.
والله أعلم بالصواب.
تم الجزء الرابع عشر، ويليه الجزء الخامس عشر وأوّله: ذكر أخبار مصر كمل طبع «الجزء الرابع عشر من نهاية الأرب فى فنون الأدب» بمطبعة دار الكتب المصرية فى يوم الثلاثاء 27 محرّم سنة 1362 (2 فبراير سنة 1943) محمد نديم ملاحظ المطبعة بدار الكتب المصرية (مطبعة الدار 82/1938/2500) .