الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استخلاف داود ابنه سليمان عليهما السلام وخبر الصحيفة وابتداء أمر الخاتم
قال الكسائى- رحمه الله: ولمّا أتى على سليمان بضع وعشرون سنة نزل جبريل على داود بصحيفة، وأمره عن الله تعالى أن يجمع أولاده ويقرأ عليهم ما فى الصحيفة من المسائل، فمن أجاب عمّا فيها فهو الخليفة من بعده. فأحضر داود أولاده، وكان سليمان أصغرهم سنّا، وقرأ عليهم ما فى الصحيفة، فأقرّوا بالعجز عن معرفتها، وذلك بحضور مشيخة بنى إسرائيل، فقال داود- عليه السلام لسليمان- عليه السلام: أجب عن هذه المسائل. فقال: أرجو أن يهدينى الله تعالى إلى جوابها. فقال: يا سليمان، ما الشىء؟ قال: المؤمن. قال: فما بعض الشىء؟ قال: الفاجر. قال: فما لا شىء؟ قال: الكافر. قال: فما كلّ شى؟
قال: الماء. قال: فما أكبر شىء؟ قال: الشّرك. قال: فما أقلّ شىء؟ قال:
اليقين. قال: فما أمرّ شىء؟ قال: الفقر بعد الغنى. قال: فما أحلى شىء؟
قال: المال والولد. قال: فما أقبح شىء؟ قال: الكفر بعد الإيمان. قال:
فما أحسن شىء؟ قال: الرّوح فى الجسد. قال: فما أوحش شىء؟ قال: الجسد بلا روح. قال: فما أقرب شىء؟ قال: الآخرة [من الدنيا «1» ] . قال: فما أبعد شىء؟ قال: الدنيا من الآخرة. قال: فما أشرّ شىء؟ قال: المرأة السوء. قال:
فما خير شىء؟ قال: المرأة الصالحة.
قال: وكان داود يصدّقه عقب كل مسئلة، ثم التفت إلى بنى إسرائيل فقال:
ما أنكرتم من قول ابنى؟ قالوا: ما أخطأ فى شىء متّعك الله به، وبارك لنا ولك فيه.
قال: أترضون أن يكون خليفتى عليكم؟ قالوا نعم. هذا ما أورده الكسائىّ رحمه الله.
وقد ذكر الثعلبىّ فى هذه القصة زيادات نذكرها. قال أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله تعالى- قال أبو هريرة- رضى الله عنه-: نزل كتاب من السماء مختوم بخاتم من الذهب على داود فيه ثلاث عشرة «1» مسألة، فأوحى الله تعالى إليه أن اسأل عنها ابنك سليمان، فإن هو أخرجها فهو الخليفة من بعدك. قال: وإن داود- عليه السلام دعا سبعين قسّيسا وسبعين حبرا، ولم يذكر أولاده. قال:
وأجلس سليمان بين أيديهم وقال له: يا بنىّ، إن الله أنزل من السماء كتابا فيه مسائل، وأمرت أن أسألك عنها، فإن أخرجتها فأنت الخليفة من بعدى. قال سليمان: اسأل يا نبىّ الله عما بدالك، وما توفيقى إلا بالله.
قال داود: أخبرنى يا بنىّ، ما أقرب الأشياء؟ وما أبعد الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما أحسن الأشياء؟ وما أقبح الأشياء؟ وما أقلّ الأشياء؟ وما أكثر الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟
وما الأمر الذى إن ركبه الرجل حمد آخره؟ وما الأمر الذى إن ركبه الرجل ذمّ آخره؟.
قال سليمان: أمّا أقرب الأشياء فالآخرة. وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا.
وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح. وأما أوحش الأشياء فالجسد بلا روح. وأما أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر «2» . وأما أقبح الأشياء فالكفر بعد الإيمان.
وأما أقل الأشياء فاليقين. وأما أكثر الأشياء فالشكر. وأما القائمان: فالسماء
والأرض. وأما المختلفان: فالليل والنهار. وأما المتباغضان: فالموت والحياة.
وأما الأمر الذى اذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم. وأما الأمر الذى اذا ركبه الرجل ذمّ آخره فالحدّة عند الغضب.
قال: ففكّوا الخاتم، فإذا جواب المسائل سواء على ما نزل من السماء. فقال القسّيسون والأحبار: لا نرضى حتى نسأله عن مسألة، فإن هو أخرجها فهو الخليفة.
قال: سلوه. قال سليمان: سلونى وما توفيقى إلا بالله. قالوا: ما الشىء الذى إذا صلح صلح كلّ شىء من الإنسان، وإذا فسد فسد كلّ شىء منه؟ قال: هو القلب. فقام داود وصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الله أمرنى أن أستخلف عليكم سليمان. قال: فضجّت بنو إسرائيل وقالوا: غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم وأفضل منه! فبلغ ذلك داود، فدعا رءوس أسباط بنى إسرائيل وقال: إنه بلغتنى مقالتكم، فأرونى عصيّكم، فأىّ عصا أثمرت فإنّ صاحبها ولىّ هذا الأمر [بعدى] ؛ فقالوا: قد رضينا. فجاءوا بعصيّهم؛ فقال لهم داود: ليكتب كل رجل منكم اسمه على عصاه؛ فكتبوا. ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه؛ ثم أدخلت بيتا وأغلق عليها الباب وسكّر بالأقفال، وحرسه رءوس أسباط بنى إسرائيل. فلما أصبح صلّى بهم الغداة؛ ثم أقبل وفتح الباب وأخرج عصيّهم كما هى، وعصا سليمان قد أثمرت وأورقت. قال: فسلّموا ذلك لداود، فأخذ ابنه سليمان ثم سار به فى بنى إسرائيل فقال: هذا خليفتى فيكم من بعدى.
قال وهب بن منبّه: لما استخلف داود ابنه وعظه فقال: يا بنىّ، إياك والهزل؛ فإنّ نفعه قليل ويهيج العداوة بين الإخوان. وإيّاك والغضب؛ فإن الغضب يستخفّ صاحبه. وعليك بتقوى الله وطاعته؛ فإنهما يغلبان كل شىء. وإيّاك
وكثرة الغيرة على أهلك من غير شىء؛ فإن ذلك يورث سوء الظنّ بالناس وإن كانوا برآء. واقطع طمعك عن الناس؛ فإنه هو الغنى. وإياك والطمع فهو الفقر الحاضر.
وإياك وما يعتذر منه من القول والفعل. وعوّد نفسك ولسانك الصدق؛ والزم الإحسان؛ فإن استطعت أن يكون يومك خيرا من أمسك فافعل. وصلّ صلاة مودّع، ولا تجالس السفهاء، ولا تردّ على عالم ولا تماره فى الدّين. وإذا غضبت فألصق نفسك بالأرض وتحوّل من مكانك. وارج رحمة الله فإنها واسعة وسعت كل شىء.
قالوا: ثم إن سليمان بعد أن استخلف أخفى أمره وتزوّج امرأة واستتر عن الناس، وأقبل على العلم والعبادة. ثم إن امرأته قالت له ذات يوم: بأبى أنت وأمّى، ما أكمل خصالك وأطيب ريحك! ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلّا أنك فى مئونة أبى «1» ، فلو أنك دخلت السوق فتعرّضت لرزق الله لرجوت ألا يخيبّك الله. قال سليمان: إنى والله ما عملت عملا ولا أحسنه، ثم دخل السّوق صبيحة يومه ذلك فلم يقدر على شىء، فرجع فأخبرها. فقالت له: يكون غدا إن شاء الله.
فلما كان فى اليوم الثانى مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر وإذا هو بصيّاد، فقال له: هل لك أن أعينك وتعطينى شيئا؟ قال نعم، فأعانه. فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين، فأخذهما وحمد الله تعالى، ثم إنه شقّ بطن إحداهما فإذا هو بخاتم فى بطنها، فأخذه وصرّه فى ثوبه، وحمد الله تعالى، وجاء بالسمكتين إلى منزله، ففرحت امرأته بذلك، فأخرج الخاتم [ولبسه «2» فى إصبعه] ؛ فعكفت عليه