الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين غيرهم من أنواع الهند. وقد تنوزع فى البرهمن، فمنهم من زعم أنه آدم وأنه رسول من الله الى الهند، ومنهم من زعم أنه كان ملكا، على حسب ما قدّمناه وهو الأشهر.
ولمّا هلك البرهمن جزعت عليه الهند جزعا شديدا، وملّكت عليها ولده الأكبر.
ذكر تنصيب ابن البرهمن وهو الباهبود
«1»
وكان ولىّ عهد أبيه من بعده. فسار فيهم سيرة أبيه وأحسن النظر إليهم، وزاد فى بناء الهياكل، وقدّم الحكماء ورفع من مقدارهم وزاد فى مراتبهم، وحثّهم على تعليم الناس الحكمة وبعثهم على طلبها. وكان ملكه الى أن هلك مائة سنة.
وفى أيامه عمل النّرد ولعب به، وجعل ذلك مثالا للمكاسب، وأنها لا تنال بالكيس ولا بالحيل فى هذه الدنيا، وأن الرزق لا يتأتّى فيها بالحذق. وذكر أن أردشير بن بابك أوّل من وضع النّرد ولعب بها، وأرى تقلّب الدنيا بأهلها واختلاف أمرها.
وجعل بيوتها أثنى عشر بعدد الشهور، وجعل مهاركها «2» ثلاثين بعدد أيام الشهر، والفصوص أمثلة للقدر وتقلبه بأهل الدنيا وأن الانسان يلعب بها فيبلغ بإسعاد القدر له فى مراده بها ما يريد، وأن الحازم الفطن لا يتأتّى له ما يتأتّى لغيره اذا لم يسعده القدر، وأن الأرزاق لا تنال فى هذه الدنيا إلا بمقادير.
ثم ملك بعده رامان «3» ، فكان ملكه نحوا من خمسين ومائة سنة. قال: وله سير وأخبار وحروب مع ملوك فارس وملوك الصين.
ثم ملك بعده فور، وهو الذى قتله الإسكندر بن فيلبس اليونانىّ مبارزة.
وكان ملكه الى أن قتل أربعين ومائة سنة.
ثم ملك بعده تسام «1» ، وهو الذى وضع كتاب كليلة ودمنة الذى نقله ابن المقفّع.
وكان ملكه مائة وعشر سنين «2» ، وقيل غير ذلك.
ثم ملك بعده بلهيت. وفى أيامه صنعت الشّطرنج فقضى بلعبها على النّرد، وبيّن الظفر الذى يناله الحازم والنكبة التى تلحق الجاهل وحسب حسابهما، ورتّب لذلك كتابا للهند يتداولونه بينهم، ولعب بها مع حكمائه. وكانت مدّة ملكه الى أن هلك نحوا من ثمانين سنة، وفى بعض النسخ أنه ملك ثلاثين ومائة سنة.
ثم ملك بعده كوش «3» ، فأحدث للهند آراء فى الديانات على حسب ما رأى من صلاح الوقت، وما يحتمله أهل العصر من التكليف، وخرج عن مذاهب من سلف. وكان فى مملكته وعصره سندباد، وله كتاب الوزراء السبعة والمعلم والغلام وامرأة الملك، وهو الكتاب المترجم بكتاب السندباد. وعمل لهذا الملك الكتاب الأعظم فى معرفة العلل والأدواء والعلاجات وأشكال الحشائش وصفتها. وكان ملك هذا الملك الى أن هلك عشرين ومائة سنة. ولمّا هلك اختلفت الهند فى آرائها فتحزّبت الأحزاب وتجيّلت الأجيال، وانفرد كل رئيس بناحيته، فملّك على أرض السند ملك، وعلى أرض القّنوج ملك، وعلى أرض قشمير ملك. فكانت مدّة اجتماع الكلمة ببلاد الهند على ملك واحد على هذا الحكم نحوا من ألف سنة وستّ وستين سنة، وعلى القول الآخر ألف سنة ومائة سنة وست عشرة سنة. وعدّة ملوكهم سبعة ملوك. والله تعالى أعلم.
وملك بعد كوش بمدينة المانكير وهى الحوزة الكبرى ملك يسمّى البلهرا. قال المسعودىّ: وأرض الهند أرض متّسعة فى البرّ والبحر والجبال، وملكهم يتّصل بملك الزّنج وهى دار مملكة المهراج. وهذه المملكة فرز بين مملكة الهند والصين.
قال: ومن عادة الهند أنها لا تملّك الملك حتى يبلغ عمره أربعين سنة، ولا تكاد ملوكهم تظهر لعوامّهم إلّا فى كل برهة معلومة من الزمان. ويكون ظهور الملك للنظر فى أمور الرعيّة. وقال أيضا: رأيت فى بلاد سرنديب»
، وهى جزيرة من جزائر البحر اذا مات ملكهم صيّروه على عجلة صغيرة البكر، وشعره ينجّر على الأرض، وامرأة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه وتنادى: أيها الناس، هذا ملككم بالأمس قد ملككم وجاز فيكم أمره قد صار الى ما ترون من ترك الدنيا، وقبض روحه ملك الملوك الحىّ القديم الذى لا يموت، فلا تغترّوا بالحياة بعده، وكلام هذا معناه من الترهيب والتزهيد فى هذا العالم. ويطاف به فى جميع شوارع المدينة وهو كذلك؛ ثم يفصل بأربع قطع وقد هيّئ له الصندل والكافور وسائر أنواع الطّيب ويحرق بالنار ويذرّى رماده فى الرياح. قال: وكذلك فعل أكثر أهل الهند بملوكهم وخواصّهم لغرض يذكرونه. قال: والملك مقصور فى أهل بيت لا ينتقل منهم الى غيرهم. وكذلك بيوت الوزراء والقضاة وسائر أرباب المراتب، تتوارث مناصبهم ولا تغيّر ولا تبدّل. وعندهم أنّ ملكهم متى شرب الشراب فقد استحق الخلع.
والله الهادى.