الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب الصحيفة بصحيفته فكفّ عنه وعن أهل بيته، وخرّب بيت المقدس وأمر أن تطرح الجيف فيه، وقال: من طرح فيه جيفة فله جزيته تلك السنة.
قال: وأعانه الروم على خرابه من أجل أنّ بنى إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا.
قال: فلمّا خرّبه بختنصّر ذهب معه بوجوه بنى إسرائيل وسراتهم وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت الملك، فلمّا قدم وجد صيحون ملك بابل قد مات فملّك مكانه.
ذكر خبر بختنصّر مع دانيال
قال: ولمّا سار بختنصّر إلى بابل وملّك بعد موت الملك كان معه دانيال، وكان أكرم الناس عليه هو وأصحابه، فحسدهم المجوس على ذلك، فوشوا بهم إليه وقالوا: إنّ دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك. فدعاهم فسألهم؛ فقالوا: أجل، إنّ لنا ربّا نعبده، ولسنا نأكل من ذبيحتكم. فأمر أن يخدّ»
لهم أخدود فخدّ لهم وألقوا فيه وهم ستّة، وألقى معهم سبع ضار ليأكلهم، ثم قال: اذهبوا بنا لنأكل ونشرب، فذهبوا فأكلوا وشربوا، ثم عادوا فوجدوهم سبعة والسبع مفترش ذراعيه بينهم ولم يخدش منهم أحدا. فقالوا: ما بال هذا السابع إنما كانوا ستّة! فخرج السابع إلى بختنصّر، وكان ملكا من الملائكة، فلطمه لطمة فصار من الوحش [ومسخه «2» الله] سبع سنين، [ثم ردّه الله الى صورته وردّ عليه ملكه «3» ] . هذا ما حكاه السّدىّ.
وروى الثعلبىّ بسنده إلى وهب قال: لمّا سار بختنصّر الى بابل وملّك بعد موت ملكها واستتبّ أمره لبث على ذلك مدّة، ثم رأى رؤيا عجيبة فأفزعته وسأل عنها الكهنة والسحرة فعجزوا عن تعبيرها. فبلغ ذلك دانيال وكان فى السجن
مع أصحابه وقد أحبّه صاحب السجن وأعجب به لمّا رأى من حسن سمته. فقال له دانيال: إنك قد أحسنت إلىّ، وإنّ صاحبكم قد رأى رؤيا، فدلّه علىّ لأعبرّها له.
فجاء السجّان فأخبر بختنصّر بقصّة دانيال، فاستدعاه فجاء إليه. وكان من عادة من حضر بين يدى الملك أن يسجد له، فلما أتوا بدانيال قام بين يديه ولم يسجد له.
فقال: ما الذى منعك من السجود؟ فقال: إن لى ربّا آتانى العلم والحكمة وأمرنى ألّا أسجد لغيره، فخشيت إن سجدت لغيره أن ينزع منّى الحكمة والعلم ويهلكنى.
فأعجب به وقال: نعم ما فعلت حيث وفّيت بعهده، وأجللت علمه؛ ثم قال:
هل عندك علم هذه الرؤيا؟ قال: نعم وأبشر، فأخبره برؤيا قبل أن يخبره الملك بها، وعبّرها له. قال الثعلبىّ: وكانت الرؤيا على ما أخبرنا به عبد الله بن حامد فى إسناده عن وهب بن منبّه قال: إنّ بختنصّر رأى فى آخر زمانه صنما رأسه من ذهب، وصدره من فضّة، وبطنه من نحاس، وفخذاه من حديد، وساقاه من فخّار، ثم رأى حجرا من السماء وقع عليه فدقّه، ثم ربا الحجر حتى ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأى شجرة أصلها فى الأرض وفرعها فى السماء، ثم رأى عليها رجلا بيده فأس وسمع مناديا ينادى: اضرب جذعها ليتفرّق الطير من فروعها، وتتفرّق الدوابّ والسباع من تحتها، واترك أصلها قائما. فعبّرها دانيال عليه السلام له فقال: أمّا الصنم الذى رأيت، فأنت الرأس وأنت أفضل الملوك. وأما الصدر الذى من فضة فابنك يملك من بعدك. وأما البطن الذى رأيت من نحاس فملك يكون بعد ابنك. وأما ما رأيت من الفخذين من حديد فيتفرّق الناس فرقتين فى فارس يكون أشدّ الملوك. وأما الفخّار فآخر ملكهم يكون دون الحديد. وأما الحجر الذى رأيته قد ربا حتى ملأ ما بين المشرق والمغرب فنبىّ يبعثه الله تعالى فى آخر الزمان فيفرّق ملكهم كلّه، ويربو ملكه حتى يملأ ما بين المشرق والمغرب.
وأما الشجرة التى رأيت والطير التى عليها والسّباع والدوابّ التى تحتها وما أمر بقطعها، فيذهب ملكك ويردّك الله طائرا تكون نسرا ملك الطير، ثم يردّك الله ثورا ملك الدوّاب، ثم يردّك الله أسدا ملك السباع والوحش سبع سنين، وفى كل ذلك قلبك قلب إنسان، حتى تعلم أنّ الله له ملك السموات والأرض، يقدر على الأرض ومن عليها، وكما رأيت أصلها قائما فإن ملكك قائم.
قال: فمسخ بختنصّر نسرا فى الطيور، وثورا فى الدوّاب، وأسدا فى السباع، فكان مسخه كله سبع سنين، ثم ردّ الله تعالى إليه ملكه، فآمن ودعا الناس إلى الله تعالى.
قال: وسئل وهب بن منبّه: أكان بختنصّر مؤمنا؟ فقال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فمنهم من قال: مات مؤمنا، ومنهم من قال: مات كافرا؛ لأنه حرّق بيت المقدس وكتب الله وقتل الأنبياء، فغضب الله تعالى عليه ولم يقبل توبته.
قالوا: فلمّا عبّر دانيال لبختنصّر رؤياه أكرمه وصحبه واستشاره فى أموره وقرّبه منه حتى كان أكرم الناس عليه وأحبّهم إليه، فحسده المجوس على ذلك ووشوا به وبأصحابه الى بختنصّر فقالوا: إنّ دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك، ولا يأكلون ذبيحتك. فدعاهم وسألهم فقالوا: إنّ لنا ربّا نعبده ولسنا نأكل من ذبائحكم.
فأمر بختنصّر بأخدود، فخدّ لهم وألقوا فيه، وهم ستّة، وألقى معهم سبع ضار ليأكلهم، ثم قالوا: انطلقوا لنأكل ونشرب، فأكلوا وشربوا، ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه بينهم ولم يخدش منهم أحدا ولم ينكأهم «1» بشىء، ووجدوا معهم رجلا فعدوّهم فوجدوهم سبعة، فقالوا: ما بال هذا السابع وإنما
كانوا ستّة! فخرج إليهم السابع، وكان ملكا من الملائكة، فلطم بختنصّر لطمة فصار فى الوحوش، ومسخه الله تعالى سبع سنين ثم ردّه الله تعالى إلى صورته وردّ عليه ملكه.
قال السّدىّ: ثم إن بختنصر لمّا رجع إلى صورته بعد المسخ وردّ الله تعالى عليه ملكه، كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه، فحسدته المجوس ووشوا به ثانية فقالوا لبخنتصّر: إنّ دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه أن يبول، وكان ذلك فيهم عار. فجعل بختنصّر لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا وقالوا للبوّابين:
أنظروا أوّل من يخرج إليكم ليبول فاضربوه بالطّبرزين «1» ، وإن قال لكم أنا بختنصّر فقولوا له: كذبت، بختنصّر أمرنا بهذا. فحبس الله تعالى عن دانيال البول، وكان أوّل من قام من القوم يريد البول بختنصّر. فقام مدلّا وذلك ليلا، فخرج يسحب ثيابه، فشدّ عليه البوّاب فقال: أنا بختنصّر. فقال: كذبت، بختنصّر أمرنى أن أقتل أوّل من يخرج، فضربه فقتله.
وحكى محمد بن إسحاق بن يسار فى سبب هلاك بختنصّر غير ما حكاه السّدّىّ، وذلك أنه قال بإسناده: لمّا أراد الله تعالى هلاك بختنصّر انبعث فقال لمن كان فى يده من بنى إسرائيل: أرأيتم هذا البيت الذى خرّبته، وهؤلاء الناس الذين قتلتهم من هم؟ وما هذا البيت؟ قالوا: هذا بيت الله ومسجد من مساجده، وهؤلاء أهله، كانوا من ذرارى الأنبياء فظلموا وتعدّوا وعصوا، فسلّطت عليهم بذنوبهم، وكان ربّهم ربّ السموات والأرض وربّ الخلق كلهم، يكرمهم ويمنعهم
ويعزّهم، فلمّا فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله تعالى وسلّط عليهم غيرهم. قال: فأخبرونى ما الذى يطلع بى الى السماء العليا لعلّى أطّلع إليها وأقتل من فيها وأتّخذها ملكا فإنى قد فرغت من الأرض ومن فيها؟ قالوا: ما يقدر على هذا أحد من الخلائق. قال:
لتفعلنّ أو لأقتلّنكم عن آخركم. فبكوا وتضرّعوا إلى الله تعالى، فبعث الله عز وجل عليه بقدرته ليريه ضعفه وهوانه بعوضة فدخلت فى منخره ثم ساخت فيه حتى عضّت بأمّ دماغه فما يقرّ ولا يسكن حتى يوجأ «1» له رأسه على أمّ دماغه. فلمّا عرف أنه الموت قال لخاصّته من أهله: اذا متّ فشقّوا رأسى فانظروا ما هذا الذى قتلنى. فلمّا مات شقّوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضّة بأمّ دماغه ليرى الله تعالى عباده قدرته وسلطانه، ونجّى الله تعالى من بقى فى يديه من بنى إسرائيل وردّهم إلى إيليا والشام، فبنوا فيه وربوا وكثروا حتى كانوا كأحسن ما كانوا عليه. قال:
فيزعمون أنّ الله تعالى أحيا أولئك الموتى الذين قتلوا ولحقوابهم. قال: ثم إنهم لمّا رجعوا الى الشام وقد أحرق التوراة وليس معهم عهد من الله تعالى جدّد الله عز وجل توراتهم وردّها عليهم على لسان عزير، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
قال: وكان عمر بختنصّر بأيام مسخه نيّفا وخمسين سنة وخمسين يوما. فلمّا مات بختنصّر استخلف [ابنه «2» ] بلسطاس «3» . وكانت آنية بيت المقدّس التى حملها بختنصّر إلى بابل باقية، فنجّسها بلحوم الخنازير وأكل وشرب فيها، وأقصى دانيال ولم يقبل منه، واعتز له دانيال. فبينما بلسطاس ذات يوم إذ بدت له كف بغير ساعد وكتبت ثلاثة أحرف بمشهده ثم غابت، فعجب من ذلك ولم يدر ما هى، فاستدعى دانيال واعتذر اليه وسأله أن يقرأ تلك الكتابة ويخبره بتأويلها. فقرأها دانيال، فإذا
هى: «بسم الله الرحمن الرحيم. وزن فخفّ «1» ، ووعد فنجز، وجمع فتفرّق» . فقال دانيال: أمّا قوله وزن فخفّ، أى وزن عملك فى الميزان فخفّ. ووعد ملك فنجز اليوم، وجمع فتفرّق، أى جمع لك ولوالدك من قبلك ملك عظيم فتفرّق اليوم فلا يرجع إلى يوم القيامة. فلم يلبث إلا قليلا حتى أهلكهم الله تعالى وضعف ملكهم، وبقى دانيال بأرض بابل إلى أن مات بالسّوس «2» .
فهذه الأقاويل التى وردت فى بختنصّر هى على ما جاء فى التفسير «3» والمبتدا «4» . وأمّا قول من قال إنه كان مرزبانا للهراسف الملك الفارسىّ فسنذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار ملوك الفرس، على ما تقف عليه إن شاء الله تعالى فى موضعه وهو فى الباب الثالث من القسم الرابع من هذا الفنّ فى السفر الثالث عشر من هذه النسخة من كتابنا هذا.
وهذه الاخبار التى قدّمنا ذكرها أوردها أبو إسحاق الثعلبىّ فى تفسيره وفى كتابه المترجم ب «يواقيت البيان فى قصص القرآن» . وقال فى تفسيره: إلّا أنّ رواية من روى أن بختنصّر غزا بنى إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريّا عليهما السلام غلط عند أهل السّير والأخبار والعلم بأمور الماضين من أهل الكتاب والمسلمين. وذلك أنهم مجمعون على أن بختنصّر غزا بنى إسرائيل عند قتلهم نبيّهم شعيا وفى عهد إرميا بن حلقيّا عليهم السلام، وهى الوقعة الأولى التى قال الله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا
يعنى بختنصّر وجنوده.
قال الثعلبىّ قالوا: ومن عهد إرميا وتخريب بختنصّر البيت المقدّس الى مولد يحيى بن زكريّا أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة. والله أعلم.