الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر حزقيل عليه السلام
قال أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله تعالى- قالت العلماء: لمّا قبض الله تعالى كالب وابنه، بعث الله- عز وجل حزقيل «1» إلى بنى إسرائيل، وهو حزقيل بن بوذى، ويلقّب بابن العجوز.
قال: وإنما لقّب بذلك لأن أمّه سألت الله تعالى الولد وقد كبرت وعقمت، فوهبه الله تعالى لها، وهو الذى أحيا الله تعالى القوم بعد وفاتهم بدعائه، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ «2» .
قال قال أكثر المفسرين: كانت قرية يقال لها داوردان «3» قبل واسط وقع بها الطاعون، فخرج منها طائفة هاربين من الطاعون وبقيت طائفة، فهلك أكثر من بقى فى القرية، وسلم الذين خرجوا، فلمّا ارتفع الطاعون رجعوا سالمين. فقال الذين بقوا:
أصحابنا كانوا أحزم منّا، لو صنعنا كما صنعوا لبقينا، ولئن وقع الطاعون بها ثانية لنخرجنّ إلى الأرض التى لا وباء فيها. فوقع الطاعون من قابل. فهرب عامّة أهلها، فخرجوا حتى نزلوا واديّا أفيح «4» ، فلمّا نزلوا المكان الذى يبغون فيه الحياة والنجاة، إذا هم بملك من أسفل الوادى وآخر من أعلاه يناديهم كل واحد منهما أن موتوا «5» فماتوا.
وقال الضحّاك ومقاتل والكلبىّ: إنّما فرّ هؤلاء من الجهاد؛ وذلك أنّ ملكا من ملوك بنى إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوّهم، فخرجوا فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت وأعتلّوا وقالوا لملكهم: إنّ الأرض التى نأتيها بها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها الوباء؛ فأرسل الله تعالى عليهم الموت، فلمّا رأوا أنّ الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا منه. فلمّا رأى الملك ذلك قال: اللهمّ ربّ يعقوب وإله موسى، قد ترى معصية عبادك فأرهم آية فى أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار من حكمك وقضائك. فلما خرجوا قال الله لهم: موتوا، فماتوا جميعا وماتت دوابّهم كموت رجل واحد، فما أتت عليهم ثلاثة أيام حتى انتفخوا وأروحت «1» أجسادهم، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم، فحظروا عليهم حظيرة «2» دون السّباع وتركوهم فيها.
قال: واختلفوا فى مبلغ عددهم، فقال عطاء الخراسانىّ: كانوا ثلاثة آلاف «3» .
وقال ابن عباس ووهب: أربعة آلاف. وقال مقاتل والكلبىّ: ثمانية آلاف.
وقال أبو روق: عشرة آلاف. وقال أبو مالك: ثلاثين ألفا. وقال السّدّى:
بضعة وثلاثين ألفا. وقال ابن جريج: أربعين ألفا. وقال عطاء بن أبى رباح:
سبعين ألفا.
قالوا: فأتت عليهم مدّة وقد بليت أجسادهم، وعريت عظامهم، وتقطّعت أوصالهم، فمرّ بهم حزقيل النبىّ- عليه السلام فوقف عليهم متفكّرا متعجّبا، فأوحى الله تعالى إليه: يا حزقيل، تريد أن أريك كيف أحيى الموتى؟ قال نعم، فأحياهم الله جميعا.
قال: هذا قول السّدّىّ وجماعة من المفسّرين. وقال هلال بن يساف وجماعة من العلماء: دعا حزقيل ربّه أن يحييهم فقال: يا ربّ لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك. فقال الله- عز وجل أو تحبّ أن أفعل؟ قال نعم، فأحياهم.
وقال عطاء ومقاتل والكلبىّ: بل كانوا قوم حزقيل، فأحياهم الله- عز وجل بعد ثمانية أيام؛ وذلك أنهم لمّا أصابهم ذلك خرج حزقيل فى طلبهم فوجدهم موتى، فبكى وقال: يا ربّ كنت فى قوم يحمدونك ويقدّسونك ويكبّرونك ويهلّلونك فبقيت وحيدا لا قوم لى. فأوحى الله تعالى إليه: إنى قد جعلت حياتهم إليك. فقال حزقيل: احيوا بإذن الله تعالى، فعاشوا.
وقال وهب: أصابهم بلاء وشدّة من الزمان، فشكوا ما أصابهم فقالوا: يا ليتنا متنا فاسترحنا ممّا نحن فيه. فأوحى الله- عز وجل إلى حزقيل: إنّ قومك قد ضجروا من البلاء، وزعموا أنهم ودّوا لو ماتوا فاستراحوا، وأىّ راحة لهم فى الموت! أيظنّون أنّى لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت! فانطلق إلى جبّانة كذا، فإنّ فيها قوما أمواتا. فأتاهم، فقال الله- عز وجل: قم فنادهم- وكانت أجسامهم وعظامهم قد تفرّقت، فرّقتها الطير والريح- فنادى حزقيل: أيتها العظام، إنّ الله يأمرك أن تكتسى اللحم. فاكتست جميعا اللحم، وبعد اللحم جلدا ودما وعصبا