الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذوا توراتهم، ومكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف من حالهم يتمادون أحيانا فى غيّهم وضلالتهم، فسلّط الله عليهم من ينتقم منهم ليراجعوا التوبة، حتى بعث الله تعالى فيهم طالوت ملكا. وكانت مدّة ما بين وفاة يوشع بن نون إلى نبوّة أشمويل أربعمائة سنة وستّين سنة، وكان آخر ملوكهم فى هذه المدّة رجل يقال له «إيلاف» وكان يدبّر أمرهم فى ملكه شيخ يقال له «عيلى» الكاهن، وكان حبرهم وصاحب قربانهم، وكانوا ينتهون إلى رأيه.
ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوّته
قال الثعلبىّ قال وهب: كان لأبى أشمويل امرأتان، إحداهما عجوز عاقر لم تلد، وهى أمّ أشمويل، والأخرى ولدت عشرة أولاد. وكان لبنى إسرائيل عيد من أعيادهم قد قاموا بشرائطه وقرّبوا فيه القرابين، فحضر أبو أشمويل وامرأتاه وأولاده العشرة ذلك العيد، فلمّا قرّبوا قربانهم أخذ كلّ واحد منهم نصيبه، فكان لأمّ الأولاد عشرة أنصباء، وللعجوز نصيب واحد، فعمل الشيطان بينهما ما يعمل بين الضرائر من الحسد والبغى، فقالت أمّ الأولاد [للعجوز «1» ] : الحمد لله الذى كثّرنى بولدى وقلّلك، فوجمت العجوز وجوما شديدا. فلمّا كان عند السّحر عمدت العجوز إلى متعبّدها فقالت: اللهمّ بعلمك وسمعك كانت مقالة صاحبتى واستطالتها علىّ بنعمتك التى أنعمت عليها، وأنت ابتدأتها بالنعمة والإحسان، فارحم ضعفى وارحمنى وارزقنى ولدا تقيّا رضيّا أجعله لك ذخرا فى مسجد من مساجدك، يعبدك ولا يكفرك، ويطيعك ولا يجحدك. وإذا رحمت ضعفى ومسكنتى وأجبت دعوتى، فاجعل لها علامة أعرفها بها. فلمّا أصبحت حاضت وكانت من قبل قد يئست من الحيض، فألمّ بها زوجها، فحملت وكتمت أمرها، ولقى بنو إسرائيل
فى ذلك الوقت من عدوّهم بلاء وشدّة، ولم يكن فى بنى إسرائيل من يدبّر أمرهم، فكاوا يسألون الله تعالى أن يبعث لهم نبيّا يشير عليهم ويجاهدون عدوّهم معه، وكان سبط النبوّة قد هلك، فلم يبق منهم إلّا هذه المرأة الحبلى؛ فلمّا علموا بحبلها تعجّبوا وقالوا: إنما حبلت بنبىّ، لأن الآيسات لا يحبلن إلّا بالأنبياء، فأخذوها وحبسوها فى بيت رهبة أن تلد جارية فتبدل بها غلاما، لما ترى من رغبة بنى إسرائيل فى ولدها، فجعلت المرأة تدعو الله تعالى أن يرزقها غلاما، فولدت غلاما فسمّته «أشمويل» وقيل فيه «شمعون» . وتقول: سمع الله دعائى.
واختلف فى نسبه، فالذى يقول اسمه شمعون يقول: هو شمعون بن صفيّة بن علقمة بن أبى ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب.
وقال سائر المفسّرين: هو أشمويل، وهو بالعربية إسماعيل بن بالى «1» ابن علقمة بن حام بن النهر بن بهر بن صوف بن علقمة بن ماحت بن عموصا ابن عزريا.
قال مقاتل: هو من نسل هارون- عليه السلام. وقال مجاهد: أشمويل ابن هلقاثا. والله أعلم.
قالوا: فلمّا كبر الغلام أسلمته أمّه يتعلّم التوراة فى بيت المقدس وكفله عيلى، فلمّا بلغ أشمويل الوقت الذى يبعثه الله- عز وجل نبيّا أتاه جبريل
وهو نائم إلى جنب عيلى الكاهن، وعيلى لا يأمن عليه أحدا، فدعاه بلحن الشيخ:
يا أشمويل، فقام فزعا إلى الشيخ فقال: يا أبتاه، دعوتنى؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام؛ فقال: يا بنىّ ارجع. فرجع فنام، ثم دعاه ثانيا، فأتاه فقال: أدعوتنى؟ فقال الشيخ: ما شأنك؟ فقال: أما دعوتنى؟ قال:
لا. قال أشمويل: فإنى سمعت صوتا فى البيت، وليس فيه غيرنا. فقال:
ارجع فتوضّأ وصلّ، فإذا دعيت باسمك فأجب وقل: لبّيك، أنا طوعك، فمرنى أفعل ما تأمرنى. ففعل الغلام ذلك، فنودى الثالثة، فقال: لبّيك أنا طوعك، فمرنى أفعل ما تأمرنى. فظهر له جبريل وقال: اذهب إلى قومك فبلّغهم رسالة ربّك، فإنّ الله تعالى قد بعثك إليهم نبيّا، وإن الله تعالى ذرأك يوم ذرأك [للنبوة «1» ] ورحم وحدة أمّك فى ذلك اليوم الذى تاهت عليها ضرّتها، ولا أحد اليوم أشدّ عضدا «2» ولا أطيب ولادة منك، فانطلق إلى عيلى [فقل له «3» ] إنك كنت خليفة الله على عباده، فبقيت زمانا تأمر بأمره، وحاكما بكتابه، وحافظا لحدوده؛ فلمّا امتدّ سنّك، ودقّ عظمك، وذهبت قوتّك، وفنى عمرك، وقرب أجلك؛ وصرت أفقر ما تكون إلى الله تعالى، ولم تزل فقيرا إليه، عطّلت الحدود، وعملت بالرّشا، وأضعت حكومات الخلق، حتى عزّ الباطل وأهله، وذلّ الحقّ وحزبه، وظهر المكر، وخفى المعروف، وفشا الكذب، وقلّ الصدق، وما الله عاهدك على هذا. ولا عليه استخلفك، فبئس ما ختمت به عملك، والله لا يحبّ الخائنين. فبلّغه هذه الرسالة، وقم بعده بالخلافة؛ فلمّا بلّغ أشمويل عيلى هذه الرسالة فزع وجزع.
قالوا: وكان السبب فيما عاتب الله تعالى عبده عيلى ووبّخه عليه أنه كان له ابنان شابّان، فأحدثا شيئا فى القربان لم يكن فيه، وذلك أنه كان فى مسواط «1» القربان الذى يسوطونه «2» به كلّابان، فما أخرجا كان للكاهن الذى كان يسوطه، فجعل ابناه لهما كلاليب، فأوحى الله تعالى إلى أشمويل: انطلق إلى عيلى فقل له: منعك حبّ الولد أن تزجر ابنيك أن يحدثا فى قربانى وأن يعصيانى، فلأ نزعنّ الكهانة منك ومن ولديك ولأهلكنّك وإياهما. فأخبر أشمويل عيلى بذلك، ففزع فزعا شديدا وسار إليهم عدوّهم، فأمر عيلى ابنيه أن يخرجا بالناس ويقاتلا ذلك العدوّ، فخرجا وأخرجا معهما التابوت، فجعل عيلى يتوقّع الخبر؛ فجاءه رحل وهو قاعد على كرسيّه فأخبره أنّ الناس قد انهزموا، وأن ابنيه قتلا. قال: فما فعل بالتابوت؟ قال:
ذهب به العدوّ. فشهق عيلى ووقع ميّتا. فلمّا بلغ ملكهم إيلاف أن التابوت استلب، وأن عيلى قد مات كمدا مالت عنقه فمات كمدا.
قالوا: فلمّا ماتا وأخذ التابوت مرج «3» أمر بنى إسرائيل واجترأ عليهم عدّوهم فقالوا لأشمويل ما أخبر الله تعالى به عنهم فى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
«4» الآيات. وذلك بعد ما دبّر أشمويل أمرهم عشر سنين.