الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر هلاك بنى إسرائيل وخراب بيت المقدس ثانيا
قال الثعلبىّ رحمه الله تعالى فى بعض طرقه عن محمد بن إسحاق: إنّ خراب بيت المقدس ثانيا وقتل بنى إسرائيل كان بعد رفع عيسى بن مريم وقتل يحيى بن زكريّا. فلمّا فعلوا ذلك سلّط الله تعالى عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوس «1» ، فسار اليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام؛ فلمّا ظهر عليهم أمر رأسا من رءوس أجناده يدعى نبوزرادان «2» صاحب الفيل «3» فقال له: إنى قد كنت حلفت بالهى إن أنا ظهرت على أهل بيت المقدس لأقتلنّهم حتى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى إلى ألّا أجد أحدا أقتله، فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم، وأن نبوزرادان دخل بيت المقدس فقتلهم فى البقعة التى كانوا يقرّبون فيها قربانهم، فوجدوا فيها دما يغلى فسألهم عنه فقالوا: هذا دم قربان قرّبناه فلم يتقبّل منّا فلذلك هو يغلى كما تراه، ولقد قرّبنا منذ ثمانمائة سنة القربان فتقبّل منّا إلّا هذا القربان. فقال:
ما صدقتمونى الخبر. قالوا له: لو كان كأوّل دمائنا لقبل ولكنّه قد انقطع منّا الملك والنبوّة والوحى فلذلك لم يقبل. فذبح منهم نبوزرادان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحا من رءوسهم فلم يهدأ، فأمر بسبعة آلاف من سبيهم فذبحهم على الدم فلم يبرد. فلمّا رأى نبوزرادان أن الدم لا يهدأ قال لهم: ويلكم يا بنى إسرائيل! اصدقونى واصبروا على أمر ربكم، فقد طالما ملكتم الأرض تفعلون فيها ما شئتم، قبل
ألّا أترك نافخ نار ذكر أو أنثى إلا قتلته. فلمّا رأوا الجهد وشدّة القتل صدقوه الخبر فقالوا: إن هذا دم نبىّ منّا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله، فلو أطعناه لكان أرشد لنا، وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدّقه فقتلناه فهذا دمه. فقال لهم: ما كان اسمه؟
قالوا: كان اسمه يحيى بن زكريّا. قال: الآن صدقتمونى، لمثل هذا ينتقم منكم ربكم.
ولمّا رأى أنهم قد صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله: أغلقوا باب المدينة وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوس. وخلا فى بنى إسرائيل ثم قال: يا يحيى بن زكريا، قد علم ربّى وربّك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم، فاهدأ بإذن الله تعالى قبل ألّا أبقى من قومك أحدا، فهدأ دم يحيى بن زكريّا بإذن الله تعالى، ورفع نبوزرادان عنهم القتل وقال: آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وصدّقت به وأيقنت أنه لا ربّ غيره. فأوحى الله تعالى الى رأس من رءوس بقيّة الأنبياء عليهم السلام أن نبوزرادان حبور صدوق- والحبور بالعبرانية حديث الإيمان- فقال نبوزرادان:
يا بنى إسرائيل، إنّ عدوّ الله خردوس أمرنى أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره، وإنى لست أستطيع أن أعصيه. قالوا له: افعل ما أمرت به، فأمرهم أن يحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمر والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم فى العسكر، وأمر بالقتلى الذين كانوا قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم حتى كانوا فوقها. فلمّا بلغ الدم عسكر خردوس أرسل الى نبوزرادان أن ارفع عنهم القتل فقد بلغتنى دماؤهم. ثم انصرف عنهم الى بابل وقد أفنى بنى إسرائيل أو كاد. وهذه هى الوقعة الآخرة التى أنزل الله تعالى فيها وفى الأولى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ «1»
فكان بختنصّر
وجنوده. ثم ردّ الله لهم الكرّة عليهم. وكانت الوقعة الآخرة خردوس وجنوده فلم تقم لهم بعد ذلك راية. وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونان، إلّا أنّ بقايا بنى إسرائيل كثروا وانتشروا بعد ذلك. وكانت لهم الديانة والرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك. وكانوا فى نعمة ومنعة الى أن بدّلوا وأحدثوا الأحداث واستحلّوا المحارم وضيّعوا الحدود، فسلّط الله تعالى عليهم ططوس «1» بن اسفيانوس «2» الرومى فأخرب بلادهم وطردهم عنها، ونزع الله تعالى منهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلّ، فليسوا فى أمّة من الأمم إلّا وعليهم الصّغار «3» والجزية والملك فى غيرهم. وبقى بيت المقدس خرابا الى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فعمّره المسلمون بأمره.
قال: وروى أبو عوانة عن أبى بشر قال: سألت سعيد بن جبير عن قول الله عز وجل: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ
الآيات فقال: أمّا الذين جاسوا «4» خلال الديار فكان صرخان «5» الخزرى شعّث من الديار وتبرّ «6» . ثم قال:
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
الى قوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ
الى قوله:
تَتْبِيراً
قال: هذا بختنصّر الذى خرّب بيت المقدّس. ثم قال لهم: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا
قال: فعادوا فعيد عليهم، فبعث الله تعالى عليهم ملك الروم. ثم عادوا أيضا فعيد عليهم، فبعث عليهم درم أوزن «7» ملك الرىّ. ثم عادوا أيضا فعيد عليهم، فبعث عليهم سابور ذا الأكتاف.