الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعين الرفيعة وأجلّوه، وأعطى سليمان فى حياة أبيه من العلم ما فسّر لبنى إسرائيل خطبة آدم ووصيّة شيث ورفع إدريس وغير ذلك.
ذكر خبر الذين اعتدوا فى السبت
قال الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ
«1» . وقال تعالى: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ «2»
الآية.
قال الكسائىّ: وكان فى زمن داود- عليه السلام قوم من بنى إسرائيل من أبناء الذين كانوا مع موسى؛ وكانوا ينزلون على ساحل البحر بقرية يقال لها:
«ايلة «3» » وكان الله قد حرّم على بنى إسرائيل أن يشتغلوا يوم السبت، وأوجب عليهم فيه العبادة؛ لأنّ موسى- عليه السلام أمرهم بالعبادة يوم الجمعة فأبوا وقالوا:
لا ينبغى لنا أن نشتغل بعبادة الرب إلا فى اليوم الذى فرغ فيه من الخلق، وهو يوم السبت. فلمّا اختاروه شدّد الله عليهم فيه؛ قال الله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ «4»
. وكان موسى يأمر قومه بتعظيمه؛ فكانوا كذلك مدّة، وكان على ساحل البحر إلى جانب أيلة حجران أبيضان، وكانت الحيتان تخرج إلى أصلهما ليلة السبت ويوم السبت، لأنها كانت لا تصاد، فإذا أقبلت ليلة الأحد
خرجت منهما إلى البحر، فيتعذّر عليهم صيدها فيه إلّا بمشقّة؛ فذلك قوله تعالى:
إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ «1»
. فجعل فسّاق أهل «أيلة» يقول بعضهم لبعض: إنما حرّم الله تعالى الاصطياد على آبائنا وأجدادنا لا علينا، ونحن لا ذنب لنا، وهذه الحيتان تكثر يوم السبت وليلته، فمن المحال تركها؛ فاصطادوها وطبخوها وشووا منها، فشمّ المؤمنون راحتها فى يوم السبت، فخرجوا إلى الفسّاق ووعظوهم وحذّروهم، فلم يكترثوا لذلك ولم ينتهوا عنه، فاجتمع المؤمنون على أبواب القرية بالسلاح ومنعوهم من دخولها، فاشتدّ ذلك على الفسّاق وشقّ عليهم أن يمتنعوا من الاصطياد فى يوم السبت لكثرة الحيتان فيه دون غيره من الأيام، فقالوا: إن هذه [القرية «2» ] مشتركة بيننا [وبينكم «3» ] ولا يحلّ لكم أن تمنعونا منها، فإمّا أن تصبروا على أفعالنا أو تقاسمونا القرية فننفرد عنكم. فتراضوا على ذلك وقاسموهم القرية، وبنوا بينهم حيطانا عالية وبابا يدخلون منه غير بابهم، وانفردت كلّ طائفة، واشتغل الفسّاق باللهو واللعب والاصطياد، وحفروا أنهارا صغارا من البحر إلى أبواب دورهم، فكانت الحيتان تأتيها فى يوم السبت، فإذا غربت الشمس همّت الحيتان بالرجوع إلى البحر، فيسدّون أفواه تلك الأنهار مما يلى البحر، ويصيدون تلك الحيتان. هذا والمؤمنون يخوّفونهم عذاب الله فلا يرجعون. فلمّا طال ذلك وتكرّر منهم قال بعض المؤمنين لبعض: إلى كم ننصح هؤلاء ولا يزيدون إلا تماديا وعتوّا! قال الله تعالى:
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً «4»
الآية.
قال: واستغنى الفسّاق وكثرت أموالهم، واشتروا الضّياع وانهمكوا على الفسق.
فبلغ ذلك داود- عليه السلام فلعنهم ودعا عليهم. فبينما هم فى منازلهم فى شرّ ما هم فيه إذ زلزلت قريتهم زلزلة عظيمة، ففزع المؤمنون وخرجوا من بيوتهم؛ قال الله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «1»
وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ
«2» فالذين لعنوا على لسان داود هم هؤلاء الذين اعتدوا فى السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين سألوه نزول المائدة، فلمّا نزلت عليهم كفروا.
قال: فمسخ الله هؤلاء الذين اعتدوا فى السبت قردة، ومسخ أصحاب المائدة خنازير- وسنذكر إن شاء الله خبر أصحاب المائدة فى موضعه من أخبار عيسى عليه السلام قال: فكان أحدهم يأتى حميمه من المؤمنين وعيناه تدرفان دمعا فيقول له: أنت فلان؟ فيشير برأسه، أى نعم. فيقول لهم المؤمنون: قد أنذرناكم عذاب ربكم وعقوبته فلم تتّعظوا، فنزل بكم ما نزل.
قال الثعلبىّ قال قتادة: صارت الشّبّان قردة، والشيوخ خنازير، فما نجا إلّا الذين نهوا وهلك سائرهم. قال: ثم برز الممسوخون من المدينة وهاموا على وجوههم متحيّرين، فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا، وكذلك لم يلبث مسخ فوق ثلاثة أيام، ولم يتوالدوا ولم يتناسلوا؛ بم بعث الله تعالى عليهم ريحا ومطرا فقذفهم فى البحر، فإذا كان يوم القيامة أعادهم الله إلى صورهم الأولى البشرية، فيدخلهم النار.
والله أعلم.