الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر الرجل الذى قبض بأرض الهند
قال الكسائىّ: كان سليمان عليه السلام قد سأل الله تعالى أن يريه ملك الموت فأراه إيّاه، وكان يعوده ويأتيه فى كل خميس. فأتاه فى بعض الأيام على صورة البشر، وجعل يطيل النظر إلى رجل فى مجلس سليمان حتى ارعب ذلك الرجل. فلمّا فارقه ملك الموت قال: يا نبىّ الله، لقد فزّعنى هذا الرجل الذى كان فى مجلسك من نظره إلىّ، فمن هو؟ قال: هو ملك الموت. قال: يا نبىّ الله أسألك أن تأمر الريح أن تحملنى إلى أرض الهند، فأمرها سليمان فحملته من مجلسه ووضعته بأرض الهند.
ثم جاء ملك الموت إلى سليمان، فقال له: قد كنت اليوم عندى وأنت تنظر إلى ذلك الرجل نظرا شافيا حتى خاف منك. قال: يا نبىّ الله، إنى كنت قد أمرت بقبض روحه فى موضع من أرض الهند فى هذا اليوم، فلمّا رأيته عندك عجبت متى يصل إلى الهند، فإذا الريح قد جاءت به، فألقته فى البقعة التى أمرت بقبض روحه فيها، فقبضت روحه هناك. فعجب سليمان عليه السلام من ذلك.
ذكر خبر الفتنة وذهاب خاتم سليمان عليه السلام ورجوعه اليه
قال الكسائىّ: كان سليمان عليه السلام كلّما نزل بمنزل من البرارى بنت الجنّ والشياطين له قصرا بديعا، فإذا تحوّل عنه خرّبوه. وكان له قصر على ساحل البحر من بناء الجنّ، فأمرهم أن يتركوه على حالته. فجاء سليمان إلى ذلك القصر فنزله، وكان صخر الجنىّ معه وهو شديد الحرص على أن يسلبه الخاتم؛ لأنه كان قد علم أن ملكه فى خاتمه. وكان لسليمان جارية اسمها «الأمينة» فكان إذا أراد الدخول الى الخلوة بنسائه يسلّم الخاتم إليها، فإذا اغتسل أخذ خاتمه منها، وكذلك إذا أراد الوضوء. فجاء سليمان فى بعض الأيام فنزل ذلك القصر وأراد
الوضوء، فدفع الخاتم الى الجارية. فجاء صخر وقد ألقى على نفسه صورة سليمان، فقال للجارية: هات الخاتم، فناولته إيّاه وهى لا تعلم. فلمّا صار الخاتم فى يد صخر لم يستقرّ فى يده لأنه شيطان، فرماه فى البحر، فجاء حوت بإذن الله فآبتلعه. ومضى صخر وهو على صورة سليمان فجلس على كرسيّه ومعه الناس وهم يظنّون أنه سليمان؛ فذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ «1»
قيل: الجسد هو صخر الجنى.
قال: وخرج سليمان من الخلاء وقد غيّر الله صورته إلى صورة صخر، فطلب الخاتم، فقالت الجارية: أعوذ بالله منك، قد دفعت الخاتم إلى سليمان. فعلم أنّ الله قد أوقع به البليّة، فخرج يريد القصر ويقول للناس: أنا سليمان، والناس يهزءون بقوله ويقولون: لست سليمان أنت صخر الجنّىّ. فجعل سليمان يدور على جميع الناس وهم على كلمة واحدة فى إنكاره، وجعل يدور فى القرى ويقول: أنا سليمان والناس يشتمونه حتى لزق بطنه بظهره من الجوع، فقال: إلهى إنّك ابتليت كثيرا من الأنبياء ولم تحرمهم رزقك. إلهى إنّى تائب إليك من خطيئتى. فلم يزل سليمان كذلك أربعين يوما لم يطعم شيئا، ثم وجد قرصة يابسة ملقاة، فأخذها ولم يقدر على أكلها ليبسها، فأقبل الىّ ساحل البحر وقعد يبلّ القرصة فاستلبتها الأمواج من يده.
فقال: إلهى رزقتنى بعد أربعين يوما قرصة يابسة نزلت حتى أبلّها فاستلبتها الأمواج من يدى وأنت المتكفّل بأرزاق العباد، وأنا عبدك المذنب، فارزقنى فأنت الرزّاق الكريم. ثم جعل يمشى على الساحل وهو يبكى، فإذا هو بقوم يصطادون السمك، فسألهم شيئا من الطعام فمنعوه وطردوه وقالوا له: انصرف عنّا، فما رأينا أوحش من وجهك. قال: ما عليكم من وجهى إذا أطعمتمونى؟!. قالوا: وحقّ سليمان
إن قمنا إليك لنوجعنّك ضربا إن لم ترح «1» عنّا. قال: يا قوم، فأنا والله سليمان.
فضربه رجل منهم على رأسه وقال: أتكذب على نبىّ الله! فبكى حتى بكت الملائكة لبكائه ورحمه أولئك القوم وناولوه سمكة وأعطوه سكّينا، فشقّ بطنها ليصلحها ويشويها ويأكلها، فخرج الخاتم من بطنها فغسله وجعله فى إصبعه، وعاد إليه حسنه وجماله، فوضع السمكة وسار يريد قصره، فجعل يمرّ بتلك القرى، فكلّ من كان قد أنكره عرفه وسجد له. فبلغ ذلك صخرا الجنّىّ فهرب. وعاد سليمان الىّ قصره واجتمع له الإنس والجنّ والشياطين والسباع والهوامّ كما كانوا أوّل مرّة. فبعث العفاريت فى طلب صخر فأتوه به، فأمر أن ينقروا له صخرتين وصفّده بالحديد وجعله بينهما وأطبقهما عليه وختم عليه بخاتمه وطرحه فى بحيرة طبريّة. فيقال: إنه فيها إلى يوم القيامة. ثم أمر الله الرياح أن تحشر له سائر الشياطين فحشرت له، فصفّد مردتهم بالحديد وحبسهم. هذا ما أورده الكسائىّ فى قصّة الفتنة، وهو أولى ما أورده وأشبه ما نقل.
وحكى الثعلبىّ رحمه الله فى خبر الفتنة قال قال محمد بن إسحاق قال بعض العلماء عن وهب بن منبّه قال: سمع سليمان عليه السلام أنّ فى جزيرة من جزائر البحر رجلا يقال له «صيدون» ملك عظيم الشأن لم يكن لأحد من الناس عليه سبيل لمكانه فى البحر. وقال غيره: إن هذه الجزيرة مسيرة شهر فى مثله، وفيها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار، وفى وسطها مجلس على عمد من مرمر ملوّن، والمجلس من ذهب مفصل بأنواع الجواهر يشرف على جميع الجزيرة. وقيل:
إنه كان ساحرا، فكانت الجنّ تطيف به وتعمل له العجائب، فدلّ سليمان عليها فغزاه.
نرجع إلى سياق الثعلبىّ قال: فخرج سليمان إلى الجزيرة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والإنس، فقتل ملكها وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنت الملك واسمها «جرادة» لم ير الناس مثلها حسنا وجمالا، فاصطفاها سليمان لنفسه، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلّة ثقة، وأحبّها سليمان حبّا لم يحبّه شيئا من نسائه، وكانت منزلتها عنده منزلة عظيمة، وكان لا يذهب حزنها ولا ترقأ «1» دمعتها على أبيها. فشقّ ذلك على سليمان وقال لها: ويحك! ما هذا الحزن الذى لا يذهب، والدمع الذى لا يرقأ!. قالت: إنى أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزننى ذلك. قال سليمان: فقد بدّلك الله ملكا أعظم من ملكه، وسلطانا أعظم من سلطانه، وهداك إلى الإسلام وهو خير من ذلك كلّه. قالت: إنّ ذلك كذلك، ولكن إذا ذكرته أصابنى ما ترى من الحزن. ولو أنك أمرت الشياطين فصوّروا لى صورته فى دارى أراها بكرة وعشيّة لرجوت أن يذهب ذلك، وأن يسكن عنّى بعض ما أجد فى نفسى. فأمر سليمان الشياطين أن يمثّلوا صورة أبيها فى دارها حتى لا تنكر منه شيئا، فمثّلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه.
فعمدت إليه حين صنعوه فأزّرته وقمّصته وعمّمته بمثل ثيابه التى كان يلبس.
ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو على ذلك التمثال هى وولائدها فيسجدن له كما كانت تصنع ذلك فى ملكه، وتفعل ذلك بكرة وعشيّة وسليمان لا يعلم بشىء من ذلك أربعين يوما. وبلغ ذلك آصف بن برخيا، وكان صدّيقا، وكان لا يردّ من باب سليمان متى أراد دخوله من ليل أو نهار، فأتاه فقال: يا نبىّ الله، كبرت سنّى، ودقّ عظمى، ونفد عمرى، وقد حان منّى الذهاب، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثنى عليهم بعلمى، وأعلّم الناس
ما يجهلون من كثير من أمورهم، فقال: افعل. فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا، فذكر من مضى من أنبياء الله وأثنى على كلّ منهم بما فيه، وذكر ما فضّلهم الله به حتى انتهى إلى سليمان، فقال: ما كان أحلمك فى صغرك، وأورعك وأفضلك فى صغرك، وأحكم أمرك فى صغرك، وأبعدك من كل ما تكره فى صغرك، ثم انصرف.
فوجد سليمان فى نفسه من ذلك. فلمّا دخل سليمان داره أرسل إلى آصف بن برخيا فقال: ذكرت من مضى من أنبياء الله، وأثنيت عليهم خيرا فى كل زمانهم، وفى كل حال من أمورهم؛ فلما ذكرتنى جعلت نثنى علىّ بخير فى صغرى وسكتّ عما سوى ذلك من أمرى فى كبرى، فماذا أحدثت فى آخر أمرى؟ قال: لأنّ غير الله يعبد فى دارك أربعين يوما فى هوى امرأة. قال سليمان: فى دارى! قال: نعم فى دارك.
فاسترجع سليمان ثم دخل داره فكسر ذلك الصنم، وخافت تلك المرأة. ثم أمر سليمان بثياب الطّهر فأتى بها، وهى ثياب لا يغزلها إلا الأبكار ولا تمسّها امرأة ذات دم، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، فأمر برماد ففرش له، ثم أقبل تائبا إلى الله حتى جلس على ذلك الرّماد تذلّلا لله تعالى وتضرّعا إليه، يبكى ويدعو ويستغفر مما كان فى داره، فلم يزل ذلك دأبه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره. وكان له وليدة يقال لها «الأمينة» ، فكان إذا دخل لحاجته أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهّر، فوضعه يوما من الأيام عندها ثم دخل لقضاء حاجته، فأتاها صخر الجنّىّ على صورة سليمان لا ينكر منه شىء، فقال لها: يا أمينة، خاتمى؛ فناولته إيّاه، فجعله فى يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الجنّ والإنس والطير. وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد تغيّر عن حليته وهيئته عند كل من يراه. فقال: يا أمينة. قالت: ومن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود. قالت:
كذبت لست سليمان، وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره فى ملكه،
فعرف سليمان أنّ خطيئته قد أدركته، فجعل يقف على الدار من دور بنى إسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود، فيحثون عليه التراب ويسبّونه ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان. فلمّا رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر منه الى السوق فيعطونه كلّ يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ويشوى الأخرى فيأكلها. فمكث كذلك أربعين صباحا عدّة ما كان ذلك الوثن فى داره.
قال: وأنكر آصف وعظماء بنى إسرائيل حكم عدوّ الله الشيطان فى تلك المدّة.
فقال آصف: يا معشر بنى إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم سليمان بن داود ما رأيت؟ قالوا نعم. قال: أمهلونى حتى أدخل على نسائه وأسألهنّ هل أنكرن منه فى خاصّة أمره ما أنكرناه فى عامّة أمر الناس. فدخل على نسائه فقال: ويحكنّ! هل أنكرتنّ من أمر نبىّ الله سليمان ما أنكرناه؟ فقلن: أشدّ وأعظم، ما يدع امرأة منّا فى دمها، ولا يغتسل من جنابة. فقال آصف: إنّا لله وإنا إليه راجعون، إن هذا لهو البلاء المبين. ثم خرج إلى بنى إسرائيل فقال: ما فى الخاصّة أعظم ممّا فى العامّة. فلمّا مضت أربعون صباحا طار الشيطان عن مجسمه ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فيه، فابتلعته سمكة وأخذها بعض الصيادين، وقد عمل له سليمان صدر يومه حتى إذا كان آخر النهار أعطاه سمكتيه، فأعطى السمكة التى ابتلعت الخاتم، وحمل سليمان سمكتيه فباع التى ليس فيها الخاتم بالأرغفة، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها، فاستقبله الخاتم من جوفها فأخذه، فجعله فى يده ووقع ساجدا لله تعالى، وعكفت عليه الطير والوحش والجنّ. وأقبل إليه الناس ورجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه، وأمر الشياطين بإحضار صخر فأدخله فى صخرة عظيمة، ثم شدّ عليه أخرى، ثم أوثقهما بالحديد والرّصاص، ثم أمر به فقذف فى البحر.
هذا حديث وهب. وقال السّدّىّ فى سبب الفتنة: كان لسليمان مائة امرأة وكانت منهن امرأة يقال لها «جرادة» وهى آثر نسائه وآمنهنّ عنده، وكان إذا أجنب أو أتى حاجته نزع خاتمه ولم يأتمن عليه غيرها. فجاءها يوما من الأيام فقالت له: إنّ أخى بينه وبين فلان خصومة، وإنى أحبّ أن تقضى له إذا جاءك.
قال نعم، ولم يفعل؛ فابتلى بقوله وأعطاها خاتمه ودخل المذهب «1» ، فخرج الشيطان فى صورته فقال لها: هاتى الخاتم، فأعطته إيّاه، فجاء حتى جلس على مجلس سليمان، وخرج سليمان بعده فسألها أن تعطيه الخاتم فقالت: ألم تأخذه؟ قال: لا! وخرج من مكانه. ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما، فأنكر الناس حكمه، فاجتمع قرّاء بنى إسرائيل وعلماؤهم، فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا: إنّا قد أنكرنا هذا، فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا حكمه «2» ، فأبكى النساء عند ذلك.
فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوها، فطار الشيطان من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم فى البحر فابتلعه الحوت. فأقبل سليمان فى حالته التى كان فيها حتى انتهى إلى صيّادين وهو جائع فاستطعمهم من صيدهم وقال: إنّى سليمان بن داود. فقام إليه بعضهم فضربه بعصاه فشجّه. فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر، فلام الصيّادون صاحبه الذى ضربه وقالوا: بئسما صنعت حيث ضربته. فقال: إنه زعم أنه سليمان بن داود!
فأعطاه سمكتين. فقام إلى ساحل البحر فشقّ بطونهما وجعل يغسلهما، فوجد خاتمه فى بطن إحداهما، فأخذه ولبسه وردّ الله تعالى عليه ملكه وبهاءه، وجاءت الطير فعكفت عليه، فعرفه القوم فقاموا يعتذرون إليه مما صنعوا. فقال: ما أؤاخذكم على عدوانكم ولا ألومكم على ما كان منكم، هذا ما كان لا بدّ منه. وجاء حتى أتى ملكه، فأخذ الشيطان فجعله فى صندوق من حديد ثم أطبقه وأقفل عليه بقفل وختمه بخاتمه، ثم أمر به فألقى فى البحر، وهو فيه كذلك «1» إلى يوم القيامة.
قال: وفى بعض الروايات أنّ سليمان لمّا افتتن سقط الخاتم من يده، فأخذه سليمان فأعاده الى يده، فسقط من يده. فلما رآه لا يثبت فى يده أيقن بالفتنة.
وقال آصف لسليمان: إنّك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك أربعة عشر يوما؛ ففرّ إلى الله تعالى تائبا من ذنبك وأنا أقوم مقامك وأسير فى عملك وأهل بيوتك بسيرتك حتى يتوب الله عليك ويردّك إلى ملكك. ففرّ سليمان هاربا إلى ربه، وأخذ آصف الخاتم ووضعه فى يده فثبت. وإنّ الجسد الذى قال الله تعالى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً
هو آصف كاتب سليمان، وكان عنده علم من الكتاب. فأقام آصف فى ملك سليمان يسير سيرته ويعمل بعمله أربعة عشر يوما، إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى، وردّ الله تعالى عليه ملكه، وقام آصف من مجلسه وجلس سليمان على كرسيّه وأعاد الخاتم فى يده فثبت فيها.
قال أبو إسحاق: وقيل فى سبب ذلك ما روى عن سعيد بن المسيّب أنّ سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيّام، فأوحى الله تعالى إليه أن يا سليمان احتجبت عن عبادى ثلاثة أيّام فلم تنظر فى أمورهم ولم تنصف مظلوما من ظالم. وذكر
حديث الخاتم وأخذ الشيطان إيّاه كما تقدّم، وقال فى آخره: قال علىّ: فذكرت ذلك للحسن فقال: ما كان الله ليسلّطه على نسائه «1» .
قال وقال بعض المفسّرين: كان سبب فتنة سليمان أنه أمر ألّا يتزوّج امرأة إلّا من بنى إسرائيل، فتزوّج من غيرهم فعوقب على ذلك.
وقيل: إن سليمان لمّا أصاب ابنة الملك صيدون أعجب بها، فعرض عليها الإسلام فأبت وامتنعت، فخوّفها فقالت: إن أكرهتنى على الإسلام قتلت نفسى.
فخاف سليمان أن تقتل نفسها، فتزوّج بها وهى مشركة أربعين يوما، وكانت تعبد صنما لها فى خفية من سليمان إلى أن أسلمت، فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوما.
قال وقال الشعبىّ فى سبب ذلك: إنّ سليمان ولد له ولد، فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لم ننفكّ مما نحن فيه من البلاء والسّخرة، وما لنا إلا أن نقتل ولده أو نخبله. فعلم سليمان بذلك، فأمر السحاب أن يأخذ ابنه، وأمر الريح فحملته، وغدا ابنه فى السحاب خوفا من مضرّة الشيطان. فعاقبه الله تعالى بخوفه من الشيطان، ومات الولد فألقى ميّتا على كرسيّه، فهو الجسد الذى ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز؛ قال الله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ.