المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع عشر

- ‌تتمة الفن الخامس في التاريخ

- ‌تتمة القسم الثالث

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الخامس فيما كان بعد موسى بن عمران عليهما السلام

- ‌ذكر خبر حزقيل عليه السلام

- ‌ذكر خبر إلياس عليه السلام

- ‌ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس

- ‌ذكر رفع البلاء عن قوم إلياس بدعوته واستمرارهم على الكفر ورفع إلياس وهلاك آجاب الملك وامرأته، ونبوّة اليسع

- ‌ذكر نبوّة اليسع عليه السلام

- ‌ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوّته

- ‌ذكر خبر الملك طالوت وإتيان التابوت وخبر جالوت

- ‌ذكر قصة التابوت وصفته وما قيل فيه

- ‌ذكر إتيان التابوت إلى بنى إسرائيل وسبب عوده

- ‌ذكر مسير طالوت بالجنود وخبر النهر الذى ابتلوا به

- ‌ذكر خبر داود حين قتل جالوت الملك

- ‌ذكر خلافة داود عليه السلام ونبوّته ومبعثه إلى بنى اسرائيل وما خصه الله عز وجل به

- ‌ذكر خبر داود عليه السلام حين ابتلى بالخطيئة

- ‌ذكر ميلاد سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر أبشالوم بن داود

- ‌ذكر خبر الزرع الذى رعته الغنم وما حكم فيه سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر الذين اعتدوا فى السبت

- ‌ذكر استخلاف داود ابنه سليمان عليهما السلام وخبر الصحيفة وابتداء أمر الخاتم

- ‌ذكر وفاة داود عليه السلام

- ‌ذكر حشر الطير لسليمان بن داود عليهما السلام وكلامها له

- ‌ذكر خبر العنقاء فى القضاء والقدر

- ‌ذكر خبر خاتم سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر حشر الجن لسليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر مطابخه عليه السلام

- ‌ذكر خبر الرزق الذى سأل سليمان الله تعالى أن يجريه على يديه

- ‌ذكر خبر بناء بيت المقدس وابتداء أمره

- ‌ذكر خبر وادى النمل وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر البعوض وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر الخيل وما قيل فيها

- ‌ذكر خبر بساط سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر صخر الجنى

- ‌ذكر صفة كرسىّ سليمان عليه السلام وما انتهى إليه أمره

- ‌ذكر خبر بلقيس وابتداء أمرها

- ‌ذكر خبر ميلاد بلقيس وكيف كان وسبب ملكها

- ‌ذكر خبر سليمان وبلقيس وسبب زواجه بها

- ‌ذكر صفة القصر الذى بنته بلقيس وصفة عرشها

- ‌ذكر خبر وادى القردة

- ‌ذكر خبر الرجل الذى قبض بأرض الهند

- ‌ذكر خبر الفتنة وذهاب خاتم سليمان عليه السلام ورجوعه اليه

- ‌ذكر عزم سليمان عليه السلام أن يطوف على نسائه

- ‌ذكر وفاة بلقيس زوجة سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار شعيا وإرميا عليهما السلام وخبر بختنصّر وخراب بيت المقدس وعمارته وما يتصل بذلك من خبر عزير وفتنة اليهود

- ‌ذكر قصة شعيا عليه السلام

- ‌ذكر قصة إرميا عليه السلام

- ‌ذكر خبر بختنصر وابتداء أمره وكيف ملك

- ‌ذكر خبر بختنصّر مع دانيال

- ‌ذكر خبر عمارة بيت المقدس بعد أن خرّبه بختنصّر وخبر الذى مرّ على قرية

- ‌الباب الرابع من القسم الثالث من الفن الخامس فى قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام وخبر بلوقيا

- ‌ذكر قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام

- ‌ذكر خبر بلوقيا وما شاهد من العجائب

- ‌الباب الخامس من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار زكريّا وابنه يحيى وعمران ومريم وعيسى بن مريم عليهم السلام

- ‌ذكر نسب زكريّا وعمران عليهما السلام وما يتصل بذلك

- ‌ذكر ميلاد مريم بنة عمران عليه السلام

- ‌ذكر دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد ومولد يحيى بن زكريا

- ‌ذكر صفة يحيى بن زكريا وحليته

- ‌ذكر نبوّة يحيى عليه السلام وسيرته وزهده

- ‌ذكر مقتل يحيى بن زكريّا وأبيه زكريّا عليهما السلام

- ‌ذكر هلاك بنى إسرائيل وخراب بيت المقدس ثانيا

- ‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام

- ‌ذكر رجوع مريم بعيسى عليه السلام بعد مولده الى قومها

- ‌ذكر خروج مريم وعيسى عليهما السلام إلى مصر وما ظهر له من المعجزات فى مسيره ومدّة مقامه إلى أن عاد

- ‌وكان من المعجزات التى ظهرت على يدى عيسى عليه السلام فى مسيره ومقامه بمصر

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌ذكر خبر زكريا عليه السلام مع هيرودس الملك وما كان من أمره

- ‌ذكر رجوع عيسى ومريم عليهما السلام من مصر

- ‌ذكر الخصائص والآيات والمعجزات التى أظهرها الله تعالى على يد عيسى عليه السلام بعد مبعثه

- ‌ذكر خبر سام بن نوح وغيره الذين أحياهم عيسى بإذن الله عز وجل

- ‌ومن معجزاته عليه السلام إخباره عن الغيوب

- ‌ذكر خبر يجمع عدّة معجزات من معجزات عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر المائدة التى أنزلها الله عز وجل من السماء

- ‌ذكر ما قالته الشياطين الثلاثة فى عيسى بن مريم واتبعهم الناس بعدهم

- ‌ذكر خبر إبليس حين عارض عيسى عليه السلام وما خاطبه به وجوابه

- ‌ذكر خبر عيسى مع اليهود حين ظفروا به وأرادوا صلبه وقتله

- ‌ذكر خبر رفع عيسى عليه السلام أوّل مرة وهبوطه إلى الأرض ووصيّته إلى الحواريّين ورفعه ثانيا

- ‌ذكر وفاة مريم بنة عمران عليها السلام

- ‌الباب السادس من القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار الحواريّين الذين أرسلهم عيسى عليه السلام وما كان من أمرهم مع من أرسلوا اليه وخبر جرجيس

- ‌ذكر خبر أخبار الحواريّين

- ‌ذكر خبر يوحنّا وبولس اللذين توجّها إلى إنطاكية

- ‌ذكر خبر توما الحوارىّ مع ملك الهند وإيمانه به

- ‌ذكر خبر لوقا الحوارىّ مع ملك فارس

- ‌ذكر خبر جرجيس رحمة الله عليه

- ‌التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس

- ‌الباب الأوّل من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر الحوادث التى تظهر قبل نزول عيسى بن مريم

- ‌ذكر خبر المتغلّبين على البلاد وذلك مما يظهر من الفتن قبل نزول عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر خروج المهدىّ

- ‌ذكر خبر خروج الدجّال وصفته

- ‌الباب الثانى من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى خبر نزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله الدجّال و

- ‌ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌ذكر خبر يأجوج ومأجوج

- ‌الحديث الجامع لأخبار عيسى بن مريم عليه السلام والدجّال

- ‌الباب الثالث من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر ما يكون بعد وفاة عيسى بن مريم عليه السلام الى أن ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الأولى

- ‌ذكر خروج الدابّة وطلوع الشمس من مغربها

- ‌ذكر خبر قيام الساعة والنفخة الأولى

- ‌الباب الرابع من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار يوم القيامة والحشر والمعاد والنفخة الثانية فى الصور

- ‌ذكر يوم القيامة وأسمائه

- ‌ذكر الحشر والمعاد والنفخة الثانية

- ‌حديث لقيط بن عامر

- ‌القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، وخبر سيل العرم ووقائع العرب فى الجاهلية

- ‌الباب الأوّل فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

- ‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالىّ لطلب عين الحياة

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وهم ملوك الهند والصين والترك وجبل الفتح وملوك مصر

- ‌ذكر أخبار ملوك الهند

- ‌ذكر تنصيب ابن البرهمن وهو الباهبود

- ‌ذكر أخبار ملوك الصين

- ‌ذكر أخبار ملوك الترك

- ‌ذكر جبل الفتح وما عليه من الملوك والأمم

الفصل: ‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

قال موسى بن نصير: بعثت فى أيّام الوليد إلى مدينة تدمر ومعى العباس بن الوليد بن عبد الملك، فجاء مطر عظيم فانهار بعض حائط المدينة، فانكشفت عن تابوت طوله ستون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا متّخذ من حجر كالزّعفران مكتوب عليه:«هذا تابوت بلقيس الصالحة أسلمت لثلاث عشرة سنة خلت من ملك سليمان، وتزوّج بها يوم عاشوراء سنة أربع عشرة خلت من ملكه، وتوفّيت يوم الاثنين من ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين مضت من ملكه، وقد دفنت ليلا فى حائط مدينة تدمر، ولم يطّلع على دفنها إنس ولا جنّ ولا شيطان» . قال:

فرفعنا غطاء التابوت واذا هى غضّة كانها دفنت ليلتها. فكتبتا بذلك إلى الوليد فأمر بتركه فى مكانه، وأن يبنى عليه بالصخر والمرمر، ففعلنا ذلك.

‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

قال الكسائىّ: ملك سليمان شرق الأرض وغربها وطاف أقطارها حتى انتهى إلى السّدّ «1» الذى هو بالقرب من جبل قاف «2» ، فوقف هناك ثم قال للريح: هل

ص: 135

جريت هاهنا قطّ؟ قالت: لا يا نبىّ الله، وإنه آخر الدنيا وليس وراءه إلا علم الله تعالى. ثم أمر الريح فاحتملته حتى نظر إلى التّنّين المحدق بالعالم، فسار أياما على طرف من أطرافه فإذا هو بملك، فقال: يابن داود إن هذا التّنين محيط بالعالم الذى هو مسيرة خمسائة عام. ثم ارتفع إلى مستقرّ الغام ونظر إلى مجمع القطر، ونزل من هناك إلى مسكن الليل والنهار فاذا هو بملك يقول: اللهم أعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا. ثم أمر الريح أن تحطّ بساطه إلى الأرض المقدّسة، وكانت مدّة غيبته مائة وثلاثين يوما. وكان فى طول سفرته هذه يرى شخصا بين يديه يسبق كل شىء، فسأله من هو؟ فأخبره أنه ملك الموت، فوقعت عليه الرّعدة وتغيّر لونه وجعل ابنه رحبعم خليفته، وأوصى الناس بالسمع والطاعة له. وأخذ فى الصوم والصلاة طول ليله، فإذا أصبح خرج من محرابه إلى روضة هناك فيها نبات حسن يتسلّى به. فخرج فى بعض الأيام فرأى نبتا غريبا لم يكن قد رآه قبل ذلك اليوم. فقال: أيها النبت ما أنت؟ قال: أنا الخرنوب الذى لا أنبت فى موضع إلا خرّبته. فقال سليمان: فما تصنع هاهنا فلست من نبات الرياض بل من نبات البرارى؟ قال: قد أمرت أن أنبت هاهنا. فعاد سليمان من الغد وهو على حاله وقد زاد نباته. فقال له سليمان: ألم آمرك أن تلحق بموضعك من البرراى!. قال الخرنوب: يا نبىّ الله. إنّ هذا الموضع سيخرب عن قريب، فسكت سليمان. فلما ضعف عن العبادة توكأ على عصاه. فبينا هو فى محرابه متوكئا قائما يتلو الزّبور والتوراة إذ أتاه ملك الموت، فرفع رأسه إليه فناوله شمّة فشمّها فمات.

وبقى سليمان على حالته لم يسقط إلى الأرض ولم يتحرّك ولا مال. فهابوه وما جسروا أن يتقدّموا إليه. وقالوا: إنه لم يمت، ولم تزل الإنس والجنّ والشياطين والوحش

ص: 136

والطير فى الطاعة والأعمال حتى مضت سنة، ثم وقعت الأرضة فى أسفل العصا؛ فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ

. فخرّ سليمان عند ذلك كالخشبة اليابسة، وكانت الجنّ قبل ذلك تدّعى علم الغيب؛ قال الله تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ «1»

أى فى تلك السنة فى نقل الصخور والبنيان وغير ذلك.

وحكى أبو إسحاق الثعلبىّ رحمه الله تعالى فى خبر وفاة سليمان عليه السلام:

قال أهل التاريخ: لبث سليمان فى ملكه بعد أن ردّه الله عليه تعمل له الجنّ ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابى وقدور راسيات وغير ذلك، ويعذّب من الشياطين من يشاء، ويأمرهم بحمل الحجارة الثقيلة ونقلها إلى حيث أحبّ. فأتاهم إبليس وهم فى العمل فقال: كيف أنتم؟ فقالوا: ما بنا طاقة لما نحن فيه. فقال لهم: تذهبون تحملون الحجارة وترجعون فرّاغا لا تحملون شيئا؟

قالوا نعم. قال: فأنتم فى راحة. فأبلغت الريح ذلك سليمان، فأمرهم أن يحملوا ذاهبين وراجعين. فقال لهم إبليس: تعملون بالليل؟ قالوا لا. قال: فأنتم فى راحة. فأبلغت الريح ذلك سليمان، فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار. فأتاهم إبليس فسألهم فشكوا إليه أنهم يعملون بالليل والنهار. فقال لهم إبليس: وفعلها؟ قالوا:

نعم. قال: فتوقّعوا الفرج، فقد بلغ الأمر منتهاه. فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان.

ص: 137

قال ابن عبّاس وغيره: كان سليمان يتحنّث «1» فى بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقلّ من ذلك وأكثر، يدخله ومعه طعامه وشرابه، فدخله فى المرّة التى مات فيها. قال: وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوما يصبح فيه إلا نبت فى بيت المقدس شجرة فيسألها سليمان ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمى كذا وكذا.

فيقول: لأى شىء تصلحين؟ فتقول: لكذا وكذا؛ [فيأمر «2» بها فتقطع] ، فإن كانت تنبت لغرس غرسها، وإن كانت لدواء كتب عليها لكذا وكذا. فبينا هو يصلّى ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ فقالت: الخرنوبة.

قال: ولأىّ شىء نبتّى؟ قالت: لخراب هذا المسجد. فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حىّ، أنت الذى على وجهك هلاكى وخراب بيت المقدس. فنزعها وغرسها فى حائط له، ثم قال: اللهمّ عمّ عن الجنّ موتى حتى يعلم الإنس أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب. وكانت الجنّ يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب وأنهم يعلمون ما فى غد.

قال: ثم دخل سليمان المحراب فقام يصلّى متكئا على عصاه، فمات على تلك الحالة، ولم يعلم بذلك أحد من الشياطين، وهم فى ذلك يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم.

قال وقال عبد الرحمن [بن زيد «3» ] قال سليمان لملك الموت: إذا أمرت بى فأعلمنى. قال: فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك وقد بقيت لك سويعة.

فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب، فقام يصلّى واتكأ على عصاه، فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكئ على عصاه.

ص: 138

قال وفى رواية أخرى: أنّ سليمان قال ذات يوم لأصحابه: قد آتانى الله من الملك ما ترون، وما مرّ علىّ يوم فى ملكى بحيث صفا لى من الكدر، وقد أحببت أن يكون لى يوم واحد يصفولى إلى الليل ولا أغتمّ فيه، وليكن ذلك غدا. فلما كان من الغد دخل قصرا له، وأمر بإغلاق أبوابه ومنع الناس من الدخول عليه ورفع الأخبار إليه لئلا يسمع شيئا يسوءه، ثم أخذ عصاه بيده وصعد فوق قصره واتكأ عليها ينظر فى ممالكه، إذ نظر إلى شابّ حسن الوجه، عليه ثياب بيض قد خرج عليه من جانب قصره فقال: السلام عليك يا سليمان. فقال سليمان: وعليكم السلام، كيف دخلت هذا القصر وقد منعت من دخوله؟ أما منعك البوّاب والحجّاب!.

أما هبتنى حين دخلت قصرى بغير إذنى!! فقال: أنا الذى لا يحجبنى حاجب، ولا يمنعنى بوّاب، ولا أهاب الملوك، ولا أقبل الرّشا، وما كنت لأدخل هذا القصر بغير إذن. فقال سليمان: فمن أذن لك فى دخوله؟ قال: ربّه. فارتعد سليمان وعلم أنه ملك الموت. فقال له: أنت ملك الموت؟ قال نعم. قال: فيم جئت؟

قال: جئت لأقبض روحك. قال: يا ملك الموت، هذا يوم أردت أن يصفو لى وما أسمع فيه ما يغمّنى. قال له: يا سليمان، إنك أردت يوما يصفو لك فيه عيشك حتى لا تغتمّ فيه، وذلك اليوم لم يخلق فى الدنيا، فارض بقضاء ربك فإنه لا مردّ له. قال: فاقبض كما أمرت، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه.

قال الثعلبىّ قالوا: وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه ومصلّاه أينما كان.

وكان للمحراب كوى بين يديه ومن خلفه، فكان الشيطان الذى يريد أن يدخل يقول: ألست جليدا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر. فدخل شيطان من أولئك فمرّ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان

ص: 139

فى المحراب إلا احترق، فمرّ ولم يسمع صوت سليمان، ثم رجع ولم يسمع، ثم رجع فوقع فى البيت فلم يحترق، ونظر إلى سليمان عليه السلام قد سقط ميّتا، فخرج فأخبر الناس أنّ سليمان قد مات، ففتحوا عنه وأخرجوه ووجدوا منسأته- وهى العصا بلسان الحبشة «1» - قد أكلتها «2» الأرضة، فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملا، فأيقن الناس أنّ الجنّ كانوا يكذبونهم، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، فلم يلبثوا فى العذاب سنة يعملون.

قال: ثم إنّ الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام لأتيناك بأطيب طعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكننا سننقل إليك الماء والطين. قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت. قال:

ألم تر إلى الطين الذى يكون فى جوف الخشب فهو مما تأتيها به الشياطين شكرا لها؛ فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ

وهى الأرضة، ويقال لها القادح أيضا، وهى دويبّة تأكل العيدان تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ

أى عصاه فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ

الآية.

قال أهل التاريخ: كان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة، ومدّة ملكه أربعين سنة، وملّك يوم ملّك وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

وقال الكسائىّ قال وهب: عاش سليمان ستين سنة، منها فى الملك والنبوّة أربعون سنة. قال: وتفرّقت الإنس والجنّ وغيرهم، فتفرّق بنو إسرائيل بعده

ص: 140

ثلاث فرق: فرقة كفروا واتبعوا السحرة، وفرقة اعتزلوا وقالوا: لا نطيع بعده أحدا، وفرقة اتبعوا ابنه رحبعم «1» .

قال الثعلبىّ: ملك بعد سليمان عليه السلام ابنه رحبعم، وكان قد استخلفه فنبّأه الله تعالى ولم يكن رسولا ثم قبض، وكان ملكه سبع عشرة سنة.

ثم ملك بعده ابنه أيشا «2» بن رحبعم، وكان ملكه ثلاثا وستين سنة. ثم ابنه أينا.

وقال الكسائىّ: ملك بعد رحبعم ابنه لايى، وملك بعد لايى ابنه أيشا بن لايى، ثم بعث الله تعالى بعد أن قبض أيشا، شعيا «3» وهو من ولد هارون بن عمران.

وقال الثعلبىّ فى سياقه: لمّا ملك أينا بن أيشا، وكان رجلا صالحا، وكان أعرج، وكان به عرق النّسا، فطمعت الملوك فيه لضعفه، وافترقت ملوك بنى إسرائيل، فغزاهم ملك من ملوك الهند يقال له «زرج «4» الهندىّ» فى جمع كثير، فبعث الله تعالى عليهم ملائكة فهزموهم، فقصدوا البحر حتى ركبوه جميعا، فبعث الله تعالى عليهم الرياح والأمواج حتى ضربت سفنهم بعضا ببعض، فتكسّرت وغرق زرج ومن كان معه، وألقت الأمواج أثقالهم وأموالهم وسلبهم إلى محلّة بنى إسرائيل، ونودوا أن خذوا ما غنمكم الله وكونوا فيه من الشاكرين. ثم لم يزل يغزوهم الملك بعد الملك من ملوك العراق وغيرهم، فيهلكهم الله تعالى الى أن ظهر فيهم الظلم والفساد، وفشت فيهم المعاصى، وعبد بعض ملوكهم الأصنام، فكان من أمرهم ما نذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 141