الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في النسخ وتعريف الناسخ والمنسوخ
وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في حقيقته لغة
ذهب الأكثرون: إلى أنه حقيقة في الإزالة والإعدام.
وذهب القفال: إلى أنه حقيقة في النقل والتحويل.
وذهب القاضي أبو بكر والغزالي وغيرهما: إلى أنه مشترك
بينهما بالاشتراك اللفظي.
احتج الأولون بوجهين:
أحدهما: أنه "استعمل في الإزالة" والإعدام، يقال: نسخت الريح آثار القوم، إذا أعدمت وأزالت، ونسخت الشمس الظل، إذا أعدمت، ونسخ الشيب الشباب، إذا أزاله وجاء مكانه، ومنه يقال: تناسخ القرون والأزمنة، بمعنى انعدام البعض ومجيء البعض الآخر مكانه، والأصل في الاستعمال الحقيقة.
وكون التجوز واقعا في إسناد الاستعمالات المذكورة، من حيث إن المزيل للآثار، والظل، والشباب، ليس هو الريح، والشمس، والشيب [لو سلم ذلك فإن في كون تلك الإسنادات]"مجازات، منعا لا يخفي سنده"[بل الله تعالى].
لا ينفي كون اللفظ حقيقة في الإزالة أو التجوز العقلي، بجامع
الحقيقة اللغوية على ما سبق ذلك في اللغات.
وإذا كان حقيقة فيه وجب أن لا يكون حقيقة في النقل والتحويل دفعًا للاشتراك.
وعورض: هذا الوجه بمثله فقيل: النسخ استعمل في النقل والتحويل على ما سيأتي، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وإذا كان حقيقة فيه، وجب أن لا يكون "حقيقة" في غيره دفعًا للاشتراك، وحينئذ ليس جعله حقيقة في أحدهما أولى من جعله حقيقة في الآخر.
وأجاب الإمام عنه بأن الترجيح معنا، لأن الإزالة والإعدام أعم من النقل/ (347/ أ) والتحويل، لأن الإعدام والإزالة تارة في الذات، وتارة في الصفات، والنقل والتحويل ليس فيه إلا إزالة الصفة وإعدامها، لأن الذات فيه باقية، وإنما ينعدم صفة كونه في هذا المقام ويتحدد له صفة كونه في هذا المقام، [وهو] مطلق الإعدام المنقسم إلى إعدام الذات والصفة أعم من كل واحد منهما، وجعل اللفظ حقيقة في المعنى العام، أولى من جعله في الخاص.
أما أولا: فلأنه يكون متواطئًا في تلك الموارد من غير استلزام تجوز واشتراك.
وأما ثانيا: فلأنه أكثر فائدة، وبالتقرير الذي قررناه أن الإزالة والإعدام أعم من النقل والتحويل يسقط ما قيل في سند منع كونه أعم منه، وهو أن الإعدام حيث يكون [إنما] يكون بزوال صفة "وهي" صفة الوجود، وتحدد أخرى، وهي صفة العدم فلا يكون أعم منه.
ولا يخفى عليك معارضة الوجهين بما سبق في اللغات.
وثانيهما: وهو أن إطلاق اسم النسخ على النقل في قولهم: نسخت الكتاب، أو نسخت ما في الكتاب، مجاز ضرورة أن ما في الكتاب لم ينقل حقيقة، وإذا كان اسم النسخ مجازا في النقل، لزم أن يكون حقيقة في الإزالة والإعدام، لئلا يلزم قول ثالث خارق للإجماع، أو لأنه غير مستعمل فيما سواهما.
وهو ضعيف جدا، لأنه لا يلزم من أن يكون ذلك الاستعمال بطريق الحقيقة أن لا يكون النسخ حقيقة في النقل، لجواز أن يكون حقيقة فيه مجازا في قولهم: نسخت الكتاب بطريق التشبيه، نعم لو كان استعمال النسخ بمعنى النقل منحصرًا فيه، أو لو قيل: إن كل من قال إنه حقيقة في
النقل قال إنه حقيقة في قولهم: نسخت الكتاب، لكنه ليس بحقيقة فيه لما سبق، فلا يكون حقيقة في النقل أتم، لكن من المعلوم أنه ليس الاستعمال منحصرًا فيه ولا يمكن ادعاء الثاني.
احتج القفال على أن النسخ بمعنى النقل والتحويل: إذ يقال: تناسخ المواريث بمعنى انتقالها من ورثة إلى ورثة ومن المعلوم أنه ليس هو بمعنى الإزالة والإعدام، وكذلك: تناسخ الأرواح، بمعنى انتقالها من بدن إلى بدن.
وقولهم: نسخت الكتاب، أو ما في الكتاب، كأنك تنقله لنقل مثله مجاز منه بطريقة المشابهة، لا من النسخ الذي هو بمعنى الإزالة والإعدام، لأنه لا مشابهة بينهما، أو وإن كان بينهما مشابهة لكن المشابهة بينه وبين النسخ بمعنى النقل والتحويل أكثر، وقد عرفت أن جهة الرجحان فيكون مجازًا منه، فيكون حقيقة فيه.
وأما القائلون: بأنه مشترك بينهما، قالوا: إنه استعمل في المعنيين كما سبق ولم يترجح أحدهما على الآخر بكونه حقيقة أو مجازا فيكون حقيقة/ (347/ ب) فيهما.