الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة
إجماع العترة - وحدها - ليس بحجة، خلافًا للزيدية، والإمامية
.
لنا وجوه: أحدها: نحو ما مضى من المسلك في الاحتجاج على مالك رضي الله عنه.
وثانيها: أن ذلك عند الخصم مبني على عصمتهم، والقول بوجوب عصمتهم باطل، لأن ذلك إما أن يكون لدليل، أو لا لدليل.
والثاني باطل، لأن القول في الدين لا لدليل باطل.
والأول إما أن يكون لدليل شرعي، أو عقلي، والأول باطل، إذ الأصل عدمه إلا إذا بين الخصم ذلك فحينئذ يكون الكلام معه في تصحيح متنه ووجه دلالته.
وأما الثاني فقد تقدم بطلانه وإذا/ (34/ أ) بطل الأصل ما يتفرع عليه.
وثالثها: أن عليًا خالفه الصحابة في مسائل كثيرة في الحالة التي يعلم أنه لم يكن غيره من العترة فيها بصفة الاجتهاد، وهي ما بين صوت فاطمة، وبلوغ الحسنين رضي الله عنهم فيتعين أن يكون قوله وحده حجة، كما إذا لم يبق من المجتهدين إلا واحد على قول من يقول: إن قول مجموع
الأمة حجة، مع أنه رضي الله عنه ما كان يقول لأحد منهم أن: قولي وحدي حجة فلم تخالفوني؟ ولو فرضت المخالفة في حالة اتصاف الباقين بصفة الاجتهاد، فنحن نعلم موافقتهم إياه في بعض تلك المسائل كمسألة الإمامة مع أنهم رضي الله عنهم ما كانوا يقولون لأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم لم تخالفونا في أن الإمامة لنا، أولى فإن العترة متفقة على ذلك.
احتج الخصم بالآية، والخبر والمعقول:
أما الآية فقوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} .
ووجه الاستدلال به: أن المراد من أهل البيت هم العترة، بدليل ما روي عنه عليه السلام أنه لما نزلت الآية لف كساء على علي وفاطمة والحسن والحسين وقال:"هؤلاء أهل بيتي" والخطأ رجس فوجب أن يكون منفيًا عنهم. وحينئذ يلزم أن يكون إجماعهم حجة [ولا نعني بكون إجماعهم
حجة] سوى هذا.
وجوابه: أن المراد من أهل البيت زوجاته عليه السلام، فإن ما قبل الآية وما بعدها وسياقها يدل عليه.
أما الأول: فإن قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} إلى قوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} مختص بهن، وكذلك ما بعدها، وهو قوله:{واذكرن ما يتلى في بيوتكن} الآية، وأما سياقها فلأن الآية ذكرت في معرض دفع التهمة عنهن، وامتداد الأعين بالنظر إليهن، وهي واردة في ضمن الآيات التي وردت في حقهن.
وما ذكروه من الحديث فهو بيان لكونهم مرادين من الآية أيضًا، لا أن الآية مختصة بهم، ويدل عليه: ما روي عن أم سلمة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست من أهل البيت؟ فقال بلى إن شاء الله تعالى.
وإنما احتيج إلى هذا البيان لئلا يظن أن الآية مختصة بالزوجات فإن سياق الآية يدل على أنها مختصة بهن، وكون أهل البيت ظاهرًا فيهن أيضًا يدل على قصر الإرادة فيهن.
وبهذا أيضًا خرج الجواب عما يقال عليه من الإشكال وهو: لو كانت الزوجات مرادة لقال: ليذهب عنكن ويطهركن، لأن الإرادة لما لم تكن مقصورة عليهن، بل أريد منها الذكور أيضًا اجتمع التذكير والتأنيث، فكان يجب التعبير بعبارة التذكير، لما عرف أن التذكير يغلب التأنيث.
ونحو قوله تعالى في قصة إبراهيم: {قالوا أتعجبين من أمر الله} مخاطبين لها، فلما أرادوا خطابها وخطاب غيرها من أهل البيت من الذكور والإناث الذين حواهم بيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام قالوا:
{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} تغليبًا للتذكير على التأنيث.
فإن قلت: لو كان أهل البيت ظاهرًا فيهن لملازمتهن البيت لكان دخول غيرهم في حكمهن أعنى في زوال الرجس خلاف الظاهر، لأن كلمة "إنما" للحصر فاقتضى حصر إرادة زوال الرجس عنهم، فدخول غيرهم فيه خلاف الأصل، فما يستلزمه أيضًا خلاف الأصل.
وأيضًا: فإنه حينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو باطل.
قلت: لا نسلم أن كلمة "إنما" للحصر، وأن الجمع بين الحقيقة والمجاز غير جائز.
سلمناه لكن إنما يلزم ذلك أن لو كان حقيقة فيهن فقط، أما إذا كان حقيقة فيهن، وفي غيرهن ممن حواه البيت ولزمه أو تربى فيه، وإن فرض بعد ذلك خروجه عنه، لكنه يغشاه كل ساعة ولحظة ذكرًا كان أو أنثى بحسب معنى مشترك بينهم، وإنما يكون ظاهرًا في البعض دون البعض الآخر، لأن إطلاقه على تلك الأفراد وإن كان بالتواطؤ لكنه بالتشكيك فلا يلزم ذلك.
سلمنا لزومه لكن كون كلمة "إنما" ليس للحصر في هذا المقام فذلك لازم على كل مذهب، فإن بتقدير أن يكون المراد منه عليًا وفاطمة والحسن والحسين يلزم ذلك أيضًا، وذلك، لأن إرادة الله ليست منحصرة في إذهاب الرجس عنهم، بل قد يريد لهم غير ذلك، وقد يريد لغيرهم هذا.
سلمنا أن الخطأ منفى عنهم لكن كل أنواع الخطأ أو بعضه؟
والأول ممنوع، وهذا لأن المفرد المعرف لا يفيد العموم.
والثاني مسلم لكنه لا يفيد المطلوب.
سلمنا إفادته العموم وأن قولهم صواب، لكن لم قلتم أنه يكون حجة على غيرهم من المجتهدين فإنا قد نحكم بإصابة المجتهد ولا نوجب اتباعه على غيره من المجتهدين.
وأما الخبر، فما روي عنه عليه السلام أنه قال:"إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي" وروي بعبارة أخرى: "إني تارك فيكم الثقلين فإن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لم يفترقا حتى يردا على الخوض".
ووجه الاحتجاج بالأول ظاهر، وهو آت في الثاني ويخصه وجه آخر وهو: أنه قال "لم يفترقا" وهو يدل على أن كل ما يقولونه فإنه موافق لكتاب الله تعالى، ولا شك أن الكتاب حجة، فموافقه أيضًا حجة.
وجوابه: أن الخبر من باب الآحاد، وعند الخصم أنه ليس بحجة في العلميات، فكيف/ (35/ أ) يحتج به في العلميات مع أنه ليس بحجة فيه
وفاقًا؟ وكون الأمة تلقته بالقبول، لأن بعضهم قبله للاستدلال به على المسألة، وبعضهم قبله لفضيلتهم، لا يدل على القطع بصحته لاحتمال أن قبلوه آحادًا.
سلمناه لكنه يقتضي وجوب التمسك بهما، وأن مجموعهما حجة، فلم قلتم، إن قول العترة وحدهم حجة؟ وكون الكتاب وحده حجة غير مستفاد من هذا الدليل حتى يلزم مثله في قول العترة بل من دليل آخر ومقتضى هذا ليس إلا أن التمسك بمجموعهما ينفي الضلالة، فأما كون التمسك بالكتاب وحده أيضًا ينفي الضلالة فذاك من دليل آخر.
فإن قلت: فعلى هذا يكون التعرض للتمسك بقول العترة حينئذ ضائع عبث وكلام الشارع يصان عنه.
قلت: لا نسلم ذلك، وهذا لأن فائدته تظهر عند التعارض، فإن الكتاب إذا عارضه كتاب آخر، أو سنة متواترة، فإن الذي يعضده قول العترة يترجح على الذي لم يكن كذلك، فالتمسك بهما إذ ذاك ينفي الضلالة، لا التمسك بالكتاب وحده.
سلمنا أنه يفيد وجزب التمسك بكل واحد منهما، لكن لا يلزم منه أن يكون إجماعًا؟ وهذا لأنه يجوز أن يكون حجة لعموم كونه قول الصحابي لا لخصوصية كونه إجماعًا كقوله:"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وكقوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"
وأمثاله، فإنه ليس ذلك بطريق الإجماع وفاقًا بيننا وبين خصومنا، بل لو كان فإنه إما بطريق أن قول الصحابي حجة، أو بطريق الفتيا فكذا ها هنا.
سلمنا وجوب التمسك بقول العترة وحدهم، لكن فيما يقولونه بطريق الرواية، لا فيما يقولونه بطريق الاجتهاد، وهذا إن لم يكن خلاف الظاهر من قوله فظاهر صحة حمله عليه، وإن كان خلافه فيجب المصير إليه جمعًا بين الدليلين وإنما خصهم بذلك لأنهم أخبر بحاله، وأكثر اطلاعًا على أقواله.
ويؤكد هذا ما قيل في تفسير الحديث الثاني: أن المراد من الثقلين الكتاب والسنة، ويخص الوجه الثاني منع أن موافق الكتاب مطلقًا حجة، وهذا لأن النقيضين قد يوافقان الكتاب كل واحد منهما من وجه مع أنا نقطع بخطأ واحد منهما من غير تعيين على قولنا: المصيب واحد لا بعينه.
وأما المعقول، فهو: أن أهل البيت مهبط الوحي، ومعدن النبوة والنبي فيهم، ومنهم، فكان علمهم بما هو المراد من النصوص من الظاهر وغيره وبكيفية قوله عليه السلام من كونه على وجه الإباحة، والوجوب، أو غيرهما من الأحكام أتم الخطأ عليهم أبعد.
وجوابه: أنا لو سلمنا ذلك لا يلزم منه إلا أن يكون قولهم أبعد عن الخطأ، لا أنه إجماع وحجة، ثم أنه منقوض بزوجاته عليه السلام فإن جميع ما ذكرتم موجود فيهن مع أن قولهن ليس بحجة.