الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
في نسخ حكم القياس ونسخ حكم غيره "به
".
أما الأول: فإما أن يكون ذلك في زمان الرسول عليه السلام، أو بعده.
فإن كان: في زمانه فيمكن نسخه مع نسخ أصله.
وينسخ أصله، وإن لم يتعرض لنسخه، لأنه إذا نسخ أصله بطلت علته المبنى عليها الحكم.
ونقل فيه خلاف الحنيفة إذ جوزوا صوم رمضان بنية من النهار، قياسًا
على ما ثبت من صحة صوم عاشوراء، بنية من النهار حين/ (373/ أ) كان واجبًا مع زوال حكمه بالنسخ، وبقاء الفرع على حاله، لكن لا يكون هذا النسخ إلا بالنص لأن حكم النص لا ينسخ بالقياس.
وأما نسخ القياس بالإجماع فغير متصور لأنه لا يحصل في زمانه عليه السلام.
وهل يمكن نسخه بدون نسخ أصله، فهذا ينبغي أن يكون محل الخلاف فجوزه الجماهير. وأباه بعضهم: كالقاضي عبد الجبار.
وأما المجوزون فقالوا: يجوز نسخه بالنص. بأن ينص في ذلك الفرع بأن الحكم فيه كذا على خلاف مقتضى القياس، وبالقياس بأن ينص على حكم آخر ضد حكم أصل ذلك القياس، والأمارة الدالة "على" علته المشترك بين هذا الأصل وبين الفرع، راجحه على الأمارة الدالة على علته المشتركة بين [المستنبط من حكم] الأصل الأول وبين الفرع.
وأما المانعون منه فقالوا: العلة المستنبطة من حكم الأصل كالفحوى بالنسبة إلى الأصل، فكما لا يجوز نسخ الفحوى بدون الأصل فكذا لا يجوز نسخ العلة بدونه.
وجوابه: منع أن تكون لعلة الفحوى، وهذا لأن نسخ الفحوى مع بقاء حكم الأصل مناقض للغرض، وليس نسخ العلة مع بقاء حكم الأصل كذلك.
سلمناه: لكن لا نسلم أن ذلك لا يجوز.
هذا كله في نسخ حكم القياس في حال حياة الرسول عليه السلام.
فأما بعده فلا يتصور نسخه، لأنه لو نسخ، فأما أن ينسخ بالنص، وهو باطل، لأنه لو نسخ به، فأما أن يكون بنص حادث بعد وفاة الرسول، وهو باطل لاستحالة ورود النص بعد وفاة الرسول، أو بنص كان موجودًا من قبل، لكن لمجتهد المستنبط لعلة القياس ما كان يعلمه، مع إستقصاء البحث والتفتيش عنه حين أثبت الحكم بالقياس. ثم وجده، وهو أيضًا: باطل. لأنه تبين إذ ذاك أن حكم القياس مرتفع من أصله، وكان باطلاً وليس هو من النسخ في شيء لا في اللفظ، ولا في المعنى، سواء قيل: أن كل مجتهد مصيب، أو لم يقل بذلك.
وكلام أبي الحسين البصري مشعر بالفرق، لأن معنى النسخ، إما رفع
لحكم، أو بيان انتهائه، وعلى التقديرين، إنما يبطل الحكم فيه من حينه لا من أصله، فما تبين أنه كان باطلاً من أصله لا يكون نسخًا في المعنى أيضًا: ولو سمى إنسان زوال التعبد عن الحكم كيف ما كان نسخًا، فهذا حينئذ يكون نسخًا خلاف المصطلح عليه لفظًا ومعنى، أو ينسخ بالإجماع، وهو أيضًا باطل لما تقدم "إن الإجماع لا يكون ناسخًا، أو بقياس وهو أيضًا باطل". لأن الكلام فيه على "النسق" الذي مضى على النص/ (373/ ب).
وأما الثاني: وهو نسخ حكم "غير" القياس به فقد اختلفوا فيه.
فمنهم: من جوزه مطلقًا.
ومنهم: من منع مطلقًا.
ومنهم: من فرق بين الجلي وغيره، فجوز بالجلي، دون غيره. وهو قول أبي القاسم الأنماطي.
وهذا الخلاف أيضًا: ينبغي أن يكون في حال الرسول عليه السلام لما سبق، من أنه لا يمكن نسخ حكم القياس بالقياس، بعد وفاته عليه السلام وبالنسبة إلى حكم ثابت بالقياس، إذ الثابت بالنص لا ينسخ بالقياس الظني.
فأما بالقياس القطعي سواء نص على عليته، أو لم ينص كقياس الأمة على العبد في تقويم نصيب الشريك على الشريك المعتق، فإنه يجوز لأنه في معنى النص على الحكم.
وأما الثابت بالإجماع، فلا يمكن نسخه به لما تقدم من أن الإجماع لا ينسخ كما لا ينسخ.
واحتجوا بوجهين:
أحدهما: أن آية التخفيف وهي قوله: {الآن خفف الله عنكم} الآية نسخت آية التشديد، وهي قوله تعالى:{إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وليس نسخها إياها بصراحة اللفظ بل بالتنبيه، وهو نسخ بالقياس.
وجوابه: أنه إن أراد بالتنبيه التنبيه على علة القياس، أو القياس إذ يجوز أن يكون القياس منبهًا عليه بدون علته، ثم تستخرج علته بالنظر فممنوع.
وإن أراد ما هو أعم منه بحيث يتناول المفهوم وغيره فمسلم، لكنه ليس نسخًا بالقياس، بل بمفهوم اللفظ.
وثانيهما: القياس على التخصيص والجامع كون كل منهما بيانًا.
وجوابه: الفرق بينهما وقد تقدم ذكره.
سلمنا صحته لكنه منقوض بالإجماع وخبر الواحد، ودليل العقل.