الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة
في أنه يجوز نسخ الحكم المؤكد بالتأييد كقوله: أمرتكم بهذا أبدا
.
وقال قوم من الأصوليين: لا يجوز.
لنا وجهان:
أحدهما: أنه يجوز تخصيص العام بعد التأكيد "بالكل""وأجمع"، قال الله تعالى:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} .
والخصم يسلم ذلك أيضًا، على ما أشعر به نقل بعضهم.
فكذا يجوز نسخ العام الدال على ثبوت الحكم في كل الأزمان بعد التأكيد بالتأبيد الذي لا دلالة فيه سوى تأكيد التعميم.
ولا يفرق بينهما: بأن التخصيص يبين أن المخصوص ما كان مرادًا من
اللفظ، والنسخ ليس كذلك، بل هو رفع فلا يلزم من جوازه جوازه لما فيه من المفسدة الزائدة، وكذلك لا يجوز النسخ بكل ما يجوز التخصيص، لأنا نمنع ذلك على رأي الأستاذ والفقهاء.
ولو سلم ذلك لكنه فرق بين/ (362/ ب) أصل النسخ والتخصيص، لا بين النسخ المخصوص والتخصيص المخصوص، والكلام في النسخ المخصوص بعد جواز أصل النسخ فلا يسمع في هذا المقام ما يرفع أصله.
فإن قلت: إطلاق العام، وإرادة الخاص من قبيل التجوز وهو متوقف على السمع، والعام المؤكد "بكل""وأجمع" قد وجد استعماله في الخصوص في كلام الفصيح، بخلاف العام الدال على كل الأزمان المؤكد بالتأبيد، فلا يلزم من جواز استعمال الأول فيه جواز استعمال الثاني فيه.
قلت: لا نسلم أن ما نحن فيه من قبيل التجوز، وإنما يكون إن لو لم يكن النسخ عبارة عن الرفع، وهو ممنوع.
سلمنا: أنه عبارة عن بيان أمد الحكم، لكن لا نسلم أن المجاز يتوقف على السمع.
سلمنا: ذلك لكن يقال في العرف: عمر الله هذا المنزل أبدا، وأدام الله دولة الأمير أبدا، والأصل عدم التغيير، كيف وقد ورد في القرآن العظيم التأبيد في وعيد الفساق، مع أنه صح القول بانقطاعه.
وثانيهما: أن من شرط النسخ أن يرد في الزمان الذي دل الخطاب على ثبوت الحكم فيه، إما ظاهرًا، أو نصًا، لأنا بينا جواز نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به، فنصوصية الخطاب الدال على ثبوت الحكم لا يكون منافيًا للنسخ، بل شرط على البدلية، ودلالة التأبيد على دوام الحكم لا يخلو عن أن يكون بطريق الظهور، أو بطريق النصوصية، وعلى التقديرين يكون شرط النسخ وشرط الشيء لا ينافيه.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: أن التأبيد جاري مجرى التنصيص على كل واحد واحد من الأزمنة بخصوصيته، ولو شرع الحكم كذلك لم يجز نسخه فكذا هذا.
وجوابه: منع أنه جاري مجرى التنصيص وقد عرفت سنده.
سلمناه: لكنه منقوض بالعام المؤكد "بكل""وأجمع".
سلمنا: سلامته عن النقص، لكن لا نسلم أنه لو شرع الحكم في جميع الأزمنة بلفظ هو نص في هذا المعنى لا يجوز نسخه وقد عرفت سند أيضًا.
وثانيها: أن الحكم قبل اقترانه بلفظ التأبيد، كان قابلاً للنسخ وفاقا، فلو كان قابلا له بعده أيضًا، لم يكن لاقترانه به فائدة.