الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
ذهب الأكثرون إلى أنه لا يشترط في المجمعين أن يكونوا بالغين حد التواتر
؛ لأن أدلة الإجماع تدل على عصمة المؤمنين والأمة مطلقًا، من غير فصل بين أن يكونوا بالغين حد التواتر، أو ولم يكونوا بالغين إلى حده فوجب أن يثبت ذلك مطلقًا عملاً بإطلاق الأدلة.
وذهب الأقلون إلى أنه يشترط ذلك:
لكن منهم من زعم أن ذلك؛ لأنه لا يتصور أن ينقص عدد المسلمين عن عدد التواتر مادام التكليف بالشريعة باقيًا.
ومنهم من زعم أن ذلك وإن كان متصورًا لكن لا يقطع أن ما ذهب إليه دون عدد التواتر سبيل المؤمنين، لأن إخبارهم عن عن إيمانهم لا يفيد القطع بإيمانهم ولا بإيمان واحد منهم فلا تحرم مخالفته.
ومنهم من زعم أنه وإن أمكن أن يعلم إيمانهم بالقرائن، ولا يشترط فيه ذلك بل يكفي فيه الظهور، لكن الإجماع إنما يكون حجة، لكونه كاشفًا عن دليل قاطع على ما تقدم تقريره في المسلك العقلي، والقاطع النقلي يجب أن يكون نقله متواترًا، وإلا لم يكن قاطعًا، فما يقوم مقام نقله متواترًا وهو الحكم بمقتضاه يجب أن يكون صادرًا عن عدد التواتر وإلا لم يقطع بوجوده
كما إذا نقله صريحًا دون عدد التواتر، وهؤلاء لا يخصصون حجية الإجماع بشرعنا، ولا يشترطون أن يكون المجمعون مجتهدين، بل يزعمون أن اتفاق الخلق الكثير الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب حجة من أي ملة كانوا وكيف كانوا، لكنك قد عرفت ضعف دليلهم على الأصل الذي بنوا عليه اشتراط عدد التواتر في المجمعين.
فإن قلت: فعلى رأي الأكثرين هل يشترط أن يكون المجمعون جمعًا أو لا يشترط ذلك حتى لو كان الباقي واحدًا من الأمة والمؤمنين أو من المجتهدين كان قوله حجة؟
قلت: اختلفوا فيه:
فذهب الأكثرون منهم إلى أنه حجة وهو مختار الأستاذ أبي إسحاق رحمه الله لأنه إذ ذاك سبيله/ (45/ أ) سبيل المؤمنين وسبيل الأمة فخالفه مخالف لسبيل المؤمنين فيدخل تحت الوعيد ولا نعني بكونه حجة سوى هذا، ولأن المقصود إنما هو عصمة الزمة والمؤمنين لا عصمة عدد مخصوص فإذا لم يبق منهم إلا واحد كان معصومًا عن الخطأ غير ذاهل عن الحق فكان قوله حجة.
ومنهم من ذهب إلى أنه لا يكون حجة؛ لأن لفظ المؤمنين والأمة وإن لم يشعر باعتبار عدد التواتر لكنهما يشعران إشعارًا ظاهرًا باعتبار عدد الجمع، فإذا لم يبق عدد الجمع لم تكن الأدلة الواردة فيهما دالة على حجيته إلا على وجه التجوز، وأنه خلاف الأصل، لا سيما في هذا المقام؛ لأنه أريد منهما الحقيقة، فلو أريد منهما التجوز أيضًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وأنه غير
جائز، وحيث أطلق الزمة على الواحد كما في قوله تعالى:{إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله} فإنما هو على وجه التجوز بدليل عدم الاطراد.
فإن قلت: كيف يعقل إمكان وقوع ما ذهب إليه الجماهير من أنه نقص عدد المجمعين عن عدد التواتر بل عن عدد الجمع يكون إجماعهم حجة مع بقاء التكليف بالشريعة، فإن صحة التكليف بالشريعة تنبني على صحة النبوة، وصحة النبوة تتوقف على النقل المتواتر عن وجوده عليه السلام وادعائه النبوة، وظهور المعجزة على يده وهو القرآن العظيم، فإذا لم يبق من المسلمين عدد التواتر والعياذ بالله - انقطع النقل المتواتر عما ذكر من الأمور، فيمتنع بقاء التكليف بالشريعة؟
قلت: إن قلنا: أنه لا يعتبر في الإجماع إلى أقوال المجتهدين فيعقل إمكان وقوع المسألة مع بقاء النقل المتواتر بالأمور المذكورة بالعوام ظاهر.
وإن قلنا: أنه يعتبر فيه قول الجميع من العوام والمجتهدين فيعقل أيضًا إمكان وقوع المسألة مع العلم بتلك الأمور المذكورة إما بنقل من بقى من المسلمين وإن كانوا أقل من عدد التواتر بقرائن تحتف بخبرهم أو بنقل الكفار ذلك بأن ينقلوا بالتواتر وجوده ودعواه النبوة، وظهور القرآن على يده وإن كانوا ينقلون معه أنه كان كاذبًا في دعواه، وأن ما ظهر على يده ليس بمعجز بل كان أساطير الأولين.