الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة
أهل العصر الأول إذا استدلوا بدليل على حكم أو استنبطوا منه وجه دلالة، أو ذكروا له تأويلاً، ثم أهل العصر الثاني استدلوا عليه بدليل آخر واستنبطوا منه وجه دلالة أخرى، أو ذكروا له تأويلاً آخر، فأما أن لا يكون الثاني منافيًا للأول بوجه ما
، أو يكون منافيًا له، إما من كل الوجوه أو من بعضها، وعلى التقديرين فقد اتفقوا على أنه لا يجوز إبطال الأول؛ لأن إبطاله يقتضي إبطال ما أجمعوا عليه على وجه البت وهو باطل؛ ولأنه لو كان باطلاً، وكانوا ذاهلين عن التأويل الجديد - الذي هو الحق - لزم ذهول مجموع أهل العصر الأول عن الحق، وأدلة الإجماع تنفيه.
ومن هذا يعرف أنه لا يقبل الثاني وفاقًا إذا كان منافيًا للأول ولو بوجه ما، وإنما الكلام في قبول الثاني إذا لم يكن منافيًا له بوجه ما.
فذهب الجمهور إلى قبوله محتجين: بأن الناس في كل عصر يستخرجون وجوهًا من الدلالات، والتأويلات التي لم يعرفها أهل العصر الأول، والكل مطبقون على قبولها، فلو كان ذلك باطلاً لزم أن يكون إجماعهم خطأ، وهو باطل.
وذهب الأقلون إلى عدم قبوله محتجين في ذلك بوجوه.
أحدهما: أن التأويل الجديد، والدليل الجديد ليس سبيلاً للمؤمنين فوجب أن لا يجوز اتباعهم وقبوله، لقوله تعالى {ويتبع غير سبيل
المؤمنين}.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: المعارضة بمثله. وهو أن القول ببطلانه ليس سبيلاً للمؤمنين، فوجب أن لا يجوز القول به، وأن لا يجوز اتباعه للآية.
وثانيهما: أن المفهوم من سبيل المؤمنين ما كان من الأفعال والمتروك مقصودًا لهم ومختارًا لهم، فيختص بمن اتبع نفي ما أثبته المؤمنون، أو إثبات ما نفوه، ولا يكون متناولاً لإثبات أو نفي ما لا يتعرض له المؤمنون لا بنفي ولا بإثبات.
وثانيها: أن قوله تعالى: {تأمرون بالمعروف} يقتضي كونهم - أعنى أهل العصر الأول - آمرين بكل المعروف، فكل ما لم يأمروا به ولم/ (32/ أ) يذكروه وجب أن لا يكون معروفًا، وما لا يكون معروفًا يكون منكرًا، وما كان منكرًا وجب أن لا يكون مقبولاً.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: المعارضة بقوله: {وتنهون عن المنكر} فإن هذا يقتضي أن يكونوا ناهين عن كل المنكر، فما لم ينهوا عنه لا يكون منكرًا، وما لا يكون منكرًا يكون معروفًا، وما كان معروفًا يكون مقبولاً.
وثانيهما: أن ذلك مشروط بشرط العلم به، وخطرانه بالبال ولو على نوع من الإجمال، ضرورة أن الأمر بالشيء والنهي عنه مشروط بالشعور به
ولو من بعض الوجوه، فإن العلم الضروري حاصل بأنه يستحيل الأمر والنهي عما لا شعور به بوجه ما، وحينئذ نقول: أن ذلك التأويل جاز أن يكون غير مشعور لهم بوجه ما فلذلك لم يأمروا به.
وثالثها: أنه لو جاز ذهولهم عن ذلك التأويل وهو صواب - لكان عدم العلم به سبيلاً لهم، وحينئذ يلزم حرمة طلب العلم بشيء هو صواب ضرورة أنه اتباع لغير سبيلهم وهو باطل إجماعًا.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: النقض، فإنه يقتضي امتناع طلب العلم بشيء لم يعلمه أهل العصر الأول وهو باطل قطعًا، فإنه في كل زمان تتجدد علوم، وتعليمه وتعلمه من فروض الكفايات، لا أنه حرام.
وثانيهما: ما تقدم من أن المفهوم من سبيل الشخص أو الطائفة ما كان مقصودًا لهم ومختارًا لهم، وعدم العلم بشيء مغفول عنه ليس كذلك، فلا يكون ذلك سبيلاً لهم.
ورابعها: أن ذلك التأويل أو الدليل لو كان صحيحًا - لما ذهل عنه الأولون مع تقدمهم في العلم وجدهم واجتهادهم في طلب العلم والحق.
وجوابه أيضًا من وجهين:
أحدهما: ما سبق.
وثانيهما: أنه ربما اكتفوا بالدليل الواحد والتأويل الواحد.