الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعترض عليه: أنا وإن قلنا: بأن النسخ لا يحصل في حق المكلف دون علمه بنزول النسخ، فلا يمتنع تحقق النسخ بجميع التكاليف في حقه عند علمه بالنسخ، وإن لم يكن ملكفًا، بمعرفة النسخ.
وهو ضعيف، لأن زوال التكليف بمعرفة النسخ عند معرفة النسخ عند معرفة النسخ ليس بطريق النسخ، بل بطريق الامتثال، فإن ما يجب مطلقًا إذا امتثل مرة زال التكليف به، ولن نسلم عدم وجوب معرفته قبل الشعور بنزوله حتى يقال: إنها ليست واجبة قبل الشعور بنزوله ولا بعد الشعور، لجواز أن يكون العلم به معه فيستحيل إيجابه لاستحالة تحصيل الحاصل، فلا تكون معرفة النسخ واجبة بحال، ولو سلم أنه لا يجب إذ ذاك، لكن لم لا يجوز أن يقال: إنه يجب عند العلم به متقدمًا عليه بالرتبة، كما في سائر العلل التي مع المعلول في الزمان.
المسألة الثالثة عشرة
في نسخ الخبر
اعلم أن الخبر إن كان خبرًا عما لا يجوز تغييره، ككون الصانع عالمًا قادرًا والعالم حادثًا فهذا لا يجوز نسخه وفاقًا.
وإن كان خبرًا بمعنى [الأمر] والنهي كقوله تعالى: {والوالدات/ (364/ب) يرضعن أولادهن} [وكقوله]{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وكقوله: {لا يمسه إلا المطهرون} .
فهذا يجوز نسخه ولا يعرف فيه خلافًا.
ولا يتجه الخلاف فيه؛ لأنه بمعنى الأمر والنهي.
وما نقل الإمام وغيره من الخلاف في الخبر عن حكم شرعي، فليس هو هذا لأن "ذلك" محمول على ما كان خبرًا في اللفظ، "والمعنى" وإنما مدلوله حكم شرعي، وما نحن فيه ليس فيه إلا صيغة الخبر استعملت في الأمر على وجه التجوز، فهو في معنى الأمر، إذ نحن نعلم قطعًا أن الصيغة لا مدخل لها في تجويز النسخ وعدمه فهو في معنى الأمر.
وإن كان خبرًا عما يجوز تغييره: وهو إما أن يكون ماضيًا، كالإخبار عن عمر
شخص كان، أو مستقبلاً وهو إما وعد أو وعيد، أو خبر عن حكم شرعي نحو أن يقول: الحج واجب عليكم في كل سنة.
فهذا هل يجوز نسخه أم لا؟.
فقد اختلفوا فيه: فذهب أبو علي، وأبو هاشم وأكثر المتقدمين من الفقهاء، والمتكلمين: إلى أنه لا يجوز نسخه.
وذهب أبو عبد الله وأبو الحسين البصريين، والقاضي عبد الجبار: إلى أنه يجوز، وهو مختار الإمام.
وفصل بعضهم بين الماضي والمستقبل: فجوزه في الثاني دون الأول.
واعلم أنه إن فسر النسخ بالرفع، فهذا الخلاف لا يتجه ألبتة؛ لأن نسخ الخبر حينئذ يستلزم الكذب قطعًا، لأن الخبر إن كان صادقًا كان الناسخ الذي يرفع بعض مدلوله كاذبًا، ضرورة أنه صدق وإلا فهو كاذب، نعم: إنما يتجه لو فسر بأنه عبارة: عن بيان المراد فحينئذ يصح أن يقال: إن الخطاب وإن دل على ثبوت المخبر عنه في جميع الأزمنة ظاهرًا، لكنه غير مراد من اللفظ، بل
المراد منه الأزمنة التي مضت قبل ورود الناسخ.
واستدل القائلون بالجواز: بأنه إذا قال الشارع: لأعذبن الزاني أبدا، ثم تبين بعد ذلك أنه لم يعذبه بعد ألف سنة لا يلزم الكذب، لاحتمال أن يقال: إنه أراد من الأبد تلك المدة وليس فيه إلا أنه أطلق العام وأراد به الخاص، وليس هو من الكذب في شيء وإلا لزم أن يكون العام المخصوص من أسماء الأعيان كذبًا.
وكذلك لو قال: عمر نوح ألف سنة، ثم تبين بعد ذلك أنه عمر ألف سنة إلا خمسين عامًا، وهذا إنما يصح أن لو صح إطلاق أسماء الأعداد وإرادة البعض منها.
وفيه نظر: لأنها نصوص في مدلولاتها فلا يتطرق إليها التخصيص، نعم: يصح الاستثناء منها، لكن تقديره في النسخ ممتنع؛ لأن بتقدير اتصاله/ (365/ أ) بالمستثنى منه لم يكن ناسخًا وبتقدير انفصاله لم يصح إلا الاستثناء به اللهم إلا على المذهب المروي عن ابن عباس، لكنه ضعيف غير معمول به وفاقًا.
واحتجوا بوجهين:-
أحدهما: أن تطرق النسخ إلى الخبر يوهم كونه كذبًا، وهو على
الشارع غير جائز.
وجوابه: أن مجرد الإيهام مع قيام الدليل الدال على امتناع ذلك غير مانع، وإلا لكان يلزم أن لا يتطرق النسخ إلى الأمر والنهي ضرورة أنه يوهم البداء فإن قالوا: لا يوهم ذلك لأن الناسخ دل على المنسوخ ما تناول الزمان الذي ورد الناسخ فيه وما بعده.
قلنا: وكذا نقول في نسخ الخبر: إنه لا يوهم الكذب؛ لأن الناسخ دل على أن الخبر المنسوخ ما تناول تلك الأزمنة.
وثانيهما: أنه لو جاز نسخ الخبر لجاز نسخ هذا الخبر وهو أن يقول الله تعالى: أهلكت عادًا، ثم يقول: ما أهلكت عادًا، ومعلوم أنه لو قال: ذلك لكان كذبًا، أو تخصيصًا؛ لأنه إن أراد نفي إهلاك كلهم لزم الكذب، وإن أراد نفي إهلاك بعضهم لزم التخصيص، وعلى التقديرين لا يكون نسخًا.
وجوابه: أن إهلاكهم غير متكرر بحسب الزمان، وإن كان متكررًا بحسب الأشخاص، فلم يقبل التخصيص بحسب الزمان، الذي هو عبارة: عن النسخ، وإن كان قابلاً للتخصيص بحسب الأعيان، الذي هو مسمى بمطلق التخصيص.
الفصل الثاني
في الناسخ والمنسوخ
وفيه مسائل: