الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوابه: منع أنه لا فائدة فيه، وهذا لأن فائدته إبعاد احتمال تطرق النسخ إليه بالنسبة إلى ما كان أولاً لا أنه يصير ممتنعًا، ثم أنه منقوض بالعام المؤكد "بكل""وأجمع".
وثالثها: لو جاز النسخ بعده لوجب أن لا يبقى لنا طريق إلى العلم بدوام الحكم وفيه امتناع التكليف على التأبيد، وهو باطل وفاقًا.
وجوابه: منع أن لا يبقى طريق إلى العلم به، وهذا لأنه يجوز أن يعلم ذلك بالقرائن وبخلق العلم الضروري/ (363/ أ).
المسألة العاشرة
أنه يجوز نسخ التلاوة والحكم معًا
.
وقد نقل فيه خلاف بعض الشاذين.
إذ قالوا: لا يجوز نسخ التلاوة أصلاً.
والدليل على جوازه وقوع ذلك: إذ روى عن عائشة رضي الله عنهما.
أنها قالت: "كان فيما أنزل الله تعالى عشر رضعات محرمات فنسخن بخمس محرمات".
ولقائل أن يقول: ثبوت نسخ تلاوة ما هو من القرآن وحكمه معًا يتوقف على كونه من القرآن، وكونه من القرآن لا يثبت بخبر الواحد، فلا يثبت به نسخ تلاوة ما هو من القرآن وحكمه معًا.
ويمكن أن يجاب عنه بأن القرآن المثبت بين الدفتين لا يثبت بخبر الواحد بل بالتواتر، وأما المنسوخ الذي لا يثبت ولا يقرأ، فلا نسلم أن ذلك لا يثبت بخبر الواحد.
سلمنا: ذلك لكن الشيء قد يثبت ضمنًا بما لا يثبت به استقلالاً، كالنسب بشهادة القابلة على الولادة.
ولهذا قال بعض الأصوليين: إذا قال الصحابي في أحد الخبرين المتواترين: أنه كان قبل الآخر قبل ولزم منه نسخ المتأخر، وإن لم يقبل قوله في نسخ المعلوم.
وهل يجوز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة؟.
ففيه خلاف: فذهب الأكثرون إلى جوازه.
وذهب الأقلون من المعتزلة إلى امتناعه.
لنا: أن التلاوة عبادة مستقلة، ولها أحكام: نحو كتبها في القرآن، وجواز الصلاة بقرائتها، وحكم المتلو أيضًا عبادة مستقلة، وله أيضًا: أحكام.
ولذلك يثاب المكلف بفعل أحدهما دون "فعل" الآخر، وإذا كان كذلك جاز أن ينسخ أحدهما بدون الآخر لاحتمال أن يصير مفسدة دون الآخر، كما في الحكمين الثابتين معًا بخطاب واحد.
وكيف ينكر جوازه، وقد وقع ذلك، وهو دليل الجواز وزيادة.
أما الأول: فنحو ما يروى أن من جملة ما أنزل قوله: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله" ونحو ما يروى أنه نزل في
قتلى بئر معونة: "بلغوا إخواننا أنا لقينا ربنا فرضى، عنا وأرضانا".
ويروى عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه قال: كنا نقرأ من القرآن: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم".
وأما الثاني: فنحو قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} .
ونحو آية الاعتداد بالحول في حق المتوفى عنها زوجها.
ونحو قوله: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اله لهن سبيلا} وغيرها من الآيات.
احتجوا بوجوه:
أحدها: أن نسخ التلاوة يوهم نسخ الحكم من حيث إنه دليل عليه/ (363/ب)، فلو نسخت التلاوة دون الحكم لأوهم ذلك الباطل فموهمة أيضًا باطل.
وجوابه: أن موهم الباطل إنما يكون باطلاً إذا لم يكن عليه دليل، أما إذا كان فلا، كما في إنزال المتشابهات، ولما دل الدليل على دوام الحكم من حيث أن الأصل في كل ثابت دوامه ما لم يدل على زواله دليل، لا يكون ذلك الإيهام باطلاً.
وثانيها: أن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم يفضي "في" إخفاء الدليل الذي مدلوله ثابت وأنه قبيح لإفضائه إلى إخفاء المدلول. وجوابه: منع إفضائه إلى إخفائه في حالة الدوام، لأن إذ ذاك يصير عليه دليل آخر وهو الأصل كما سبق، فلا يفضي [إخفاؤها إلى إخفائه، لأن إخفاء دليل معين لا يفضي إلى] إخفاء المدلول.
وثالثها: أن المقصود من الآية الحكم، وزوال المقصود يغلب على الظن زوال التابع من حيث إنه لا فائدة في إبقائه بدون المقصود من حيث إن بقاؤه يوهم بقاء المقصود، وهو إيهام للجهل وهو قبيح.
وجوابه: منع أن الحكم هو المقصود فقط، بل هو والتلاوة، لما بينا أن التلاوة عبادة مستقلة غير تابعة، فيكون مقصوده أيضًا فلا تبقى عرية من الفائدة، والإيهام زائل بالدليل الناسخ المتواتر قرآنًا كان أو خبرًا متواترًا، إذ لا يجوز نسخ القرآن إلا به فلا يقبح.