الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
اتفقوا على أن إسقاط شيء من العبادة، أو شيء من شروطها، أو شيء من سننها ومستحباتها: "نسخ لما سقط
" وكلام الشيخ الغزالي مشعر بالخلاف فيه أيضًا.
وإنما اختلفوا في أن إسقاط ما يتوقف عليه صحة العبادة هل يكون نسخًا للعبادة أم لا؟
فذهب الكرخي، وأبو الحسين البصري، وجماعة من المحققين: إلى أن ذلك لا يكون نسخًا للعبادة سواء كان المنسوخ جزءًا أو شرطًا.
ومنهم من قال: إنه يكون نسخًا.
ومنهم من فصل بين الجزء، والشرط.
فقال: إسقاط الجزء نسخ للعبادة، وإسقاط الشرط ليس نسخًا: وهو مذهب القاضي عبد الجبار ووافقه الشيخ الغزالي في الجزء. وخالفه في الشرط من حيث إنه تردد فيه وهذا في الشرط المتصل كالتوجه إلى القبلة في الصلاة وترك الأفعال فيها.
فأما الشرط المنفصل من العبادة كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فإيراد بعضهم كالإمام وغيره مشعر بأنه لا خلاف فيه.
وإطلاق البعض مشعر "بخلاف في الكل".
احتج الأولون: بأن الصلاة إذا كانت أربع ركعات فالمقتضى لها مقتضى للركعتين فخروج الركعتين عن أن تكون عبادة لا يقتضى خروج الركعتين الأخرتين عن أن تكون عبادة ولو اقتضى/ (379/ أ) ذلك لوجوب أن لا يجب الإتيان بهما كما بالركعتين المنسوختين، لكن ذلك خلاف الإجماع، إذا أجمعت الأمة على أنه يجب الإتيان بالركعتين الباقيتين.
وبهذا ظهر أنه لا يلزم من القول بأن نسخ الوجوب نسخ للجواز
القول بأن نسخ الركعتين نسخ للعبادة، فإن عند نسخ الوجوب لا يثبت القائل بنسخ الجواز بل يرد الأمر إلى ما كان قبل الإيجاب، وهذا ليس كذلك، بل يجب الإتيان بالركعتين الباقيتين وهو ظاهر غني عن التنبيه، وإنما نبهنا عليه لأن سياق دليلهما واحد فلا يظن أنه يلزم من القول بلزوم نسخ الجواز، القول بلزوم نسخ العبادة فيما نحن فيه.
ولقائل: أن يقول: إنا نسلم أن نسخ الركعتين لا يوجب نسخ الركعتين الباقيتين، لكن لم قلتم: إنه لا يوجب نسخ أصل العبادة، فإن نسخ أصل العبادة عندنا قد يكون بحيث لا يكون شيء منها مشروعًا، وقد يكون بحيث يبقى شيء منها مشروعًا، وإذا كان كذلك لا يكون بقاء وجوب الركعتين دليلاً على عدم نسخ أصل العبادة.
واحتجوا بوجهين: أحدهما: أن الشارع إذا أوجب أربع ركعات ثم نسخ منها وجوب ركعتين فقد نسخ وجوب أصل العبادة، ضرورة أن وجوب أربع ركعات لم يبق إذ ذاك، والركعتان اللتان حكم بوجوبهما بعد النسخ عبادة أخرى غير الأربع المفروضة أولاً، وليس أيضًا بعضًا من الأربع المفروضة أولاً، بدليل أنهما لو كانتا بعضًا منهما لكان من صلى الصبح أربعًا فقد أتى بالواجب وزيادة، كمن أمر بصوم النهار فصام النهار والليل، وبالإجماع ليس كذلك، فعلم أنهما ليس بعضًا من الأربع المفروضة أولاً.
وجوابه: أن التصديق مسبوق بالتصور فما المعنى من قولك. إن نسخ بعض العبادة أو نسخ شرطها "لا تلك" العبادة.
فإن عنيتم به أن حكم تلك العبادة من الوجوب وغيره لا يبقى، بل يرتفع من حيث إنه كل فهذا صحيح لا ننازعكم فيه، ولا حاجة في إثبات هذا الاستدلال، بل ادعاء الضرورة كاف فيه، فإن الكل وحكمه من حيث إنه كل ينتفي بانتفاء الجزء ولو احتيج إليه لكن لا حاجة إلى ما ذكروه من أن الركعتين الباقيتين ليستا بعض الأربع، وإن عنيتم به أنه يرفع حكم تلك العبادة بالكلية، وأنه لا يبقى من حكمها شيء، فهذا باطل فإن وجوب الركعتين الباقيتين من حكم الأربع المفروضة أولاً، بدليل أنه لو/ (379/ ب) كان غيره بمعنى أنه ينفك عنه ويمكن وجوده بدونه لا بمعنى: أن المفهوم منه غير المفهوم من وجوب الأربع، فإن البعض بهذا المعنى مغاير للكل لاحتاج ثبوت وجوبه إلى دليل آخر غير الخطاب الأول، وبالإجماع ليس كذلك.
وأما قوله: لو كانتا بعضًا منها لكان من صلى الصبح أربعًا لكان قد أتى بالواجب وغيره.
قلنا: إنما لم يصح ذلك، لأنه لم يأت بالتسليم المفروض عقيب الركعتين لا لأن الركعتين ليستا بعضًا من الأربع، ولهذا فإن من لم يوجب التسليم وإنما يوجب القعود بمقدار التشهد يصحح ذلك لو قعد عند تمام الركعتين مقدار التشهد ولم يصححه أيضًا إذا ترك ذلك، ولأن بقاؤهما بعد النسخ على الوجه الذي أوجب أولاً من ركعتين القراءة والأذكار والهيئات دليل على أنهما
بعضًا منها.
وثانيهما: أن نسخ الركعتين من أربع ركعات يوجب رفع نفي إجزائها بدونهما، ويوجب رفع وجوب تأخير التشهد، وتوجب رفع وجوب ضم المنسوختين إلى الباقيتين، وتوجب رفع إجزائها معًا وكل هذا نسخ، فكان نسخًا لأصل العبادة.
وجوابه: من وجهين:
أحدهما: أن هذه الأحكام أحكام للركعتين الباقيتين، وهي مغايرة لهما فليس نسخها [نسخًا] لهما.
وثانيهما: وهو الجواب التفصيلي أن نفي أجزاء الركعتين بدون الركعتين إنما كان لوجوب الأربع، فلما زال وجوب مجموع الأربع زال ما هو تبع له فرفع نفي الإجزاء تبع لرفع الركعتين من الأربع، وهو الجواب بعينه عن قولهم: إنه يرفع وجوب تأخير التشهد، ويرفع وجوب ضم الركعتين المنسوختين إلى الباقيتين ويرفع إجزاء الباقيتين مع المنسوختين.