الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوابه: أنه مستعمل فيه، إما بطريق التواطؤ، أو بطريق التجوز، وجعل الإزالة أصلا والنقل فرعا، أولى من العكس لما عرفت "من" قبل.
المسألة الثانية
في حده بحسب الاصطلاح والناسخ والمنسوخ
النسخ عبارة عن: رفع حكم ثابت "بطريق شرعي".
وإنما قلنا: رفع حكم، لأن حقيقة النسخ الرفع والإزالة لغة.
واصطلاحًا: على ما ستعرف ذلك.
وقولنا: ثابت بطريق شرعي، وقع احترازا عن الثابت بطريق العقل، كالبراءة الأصلية، فإن رفعه ولو بطريق شرعي لا يسمى نسخًا "بحسب الاصطلاح، وهو خير من قول القائل: الثابت بالخطاب، لأنه يندرج تحته الثابت به ويغيره، كالأفعال.
وإنما قلنا: بطريق شرعي"، ليتناول الخطاب، ومفهوميه، والأفعال، ويخرج عنه ما يكون الرفع بالموت، والجنون، وانكسار العضو، وغيره من الموانع الرافعة للأحكام.
ولا حاجة إلى اعتبار مثل الحكم في التحديد حتى يقال: رفع مثل حكم ثابت، كما وقع في كلام بعض المعتزلة، لأن اعتبار ذلك إن كان لامتناع
تعقل رفع الثابت بناء على ما يقال: إن المرفوع إن كان ثابتًا لا يمكن رفعه، وإن لم يكن ثابتًا لا يحتاج إلى رفعه.
فباطل، لأنه بعينه آت في المثل، إذ يمكن أن يقال: رفع المثل إن كان في حالة ثبوته فباطل لما ذكرتم، وإن كان في غير حالة ثبوته سواء كانت تلك الحالة حالة عدمه قبل وجوده أو حالة عدمه بعد وجوده فلا يحتاج إلى رفعه، وإن كان لأجل أن المرفوع بالنسخ ليس هو عين الثابت بالطريق الشرعي، ضرورة أن زمان النسخ زمان الثبوت بالطريق الشرعي، فالثابت في زمان النسخ ليس غير الثابت بالطريق الشرعي، بل مثله فهو أيضا باطل، لأنا لم نقل رفع حكم ثابت قبل النسخ حتى يلزم ذلك والثابت بالطريق الشرعي يتناول الثابت حالة النسخ وقبلها، فإن الثابت حالة النسخ لو سلم أنه غير الثابت قبلها لكنه ثابت بالطريق الشرعي أيضا كالثابت قبلها، وإلا لم يكن حكمًا شرعيًا وهو خلاف الإجماع.
وقولنا: رفع حكم: يغني عن التقييد: بالتراخي، وعن قولنا: لولاه لكان الحكم ثابتًا، لأن الأول: إنما يراد للاحتراز عن انتفاء الحكم الذي يحصل بسبب الاستثناء، والتقييد بالصفة، والغاية، والشرط وقد حصل
الاحتراز عنه، بقولنا: رفع حكم، إذ ليس في شيء منها رفع الحكم، لأن الرفع إنما يكون/ (348/ أ) بعد الثبوت وليس في شيء من ذلك ثبوت الحكم، لأنها تخصيصات وهو يبين أنه غير مراد.
والثاني: إنما وقع احترازا عن النهي الوارد بعد الأمر المطلق الذي امتثل مقتضاه.
وقلنا: إنه لا يقتضي التكرار وما يجري مجراه، فإن النهي لا يكون نسخًا للأمر المتقدم، لأنه ليس بمثابة: لولاه لكان الحكم ثابتًا.
وقد حصل ذلك "بقولنا" رفع الحكم، ضرورة أن لما امتثل مقتضاه لم يكن الحكم ثابتًا فيما بعده.
فإن قلت: الأمة إذا اختلفت على قولين، فإنه يجوز للعامي الأخذ بكل واحد من القولين بدلا من الآخر، ثم إذا اتفقت على أحدهما، فإنه لا يجوز له ذلك إذ ذاك.
فهذا طريق شرعي: رفع حكم ثبت بطريق شرعي مع أنه لا نسخ، إذ الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به.
قلت: من منع من أصحابنا كالصيرفي في حصول مثل هذا الإجماع فقد سقط عنه هذا السؤال، وأما من جوز ذلك فإنه يمنع كون الإجماع على أحد
القولين رافعًا لجواز الأخذ بكلا القولين على البدلية، وهذا لأنه يجوز أن يكون مشروطًا بعدم حصول الإجماع بعده على أحد القولين، فإذا وجد ذلك فقد زال شرطه فيزول الحكم لزوال شرطه، وهو ليس من النسخ في شيء.
لا يقال: ما ذكرتم من الاحتمال بعينه، قائم في النسخ.
إذ يمكن أن يقال: إن حكم المنسوخ كان مغيًا إلى غاية وجود الناسخ، فإذا وجد ذلك زال الحكم لزوال شرطه فلا يتحقق معنى الرفع في النسخ أيضًا.
وعند ذلك يلزم: إما إنكار النسخ على ما نقل ذلك عن بعض المسلمين، فإنه لا يمكن تصحيحه إلا بهذا الطريق.
وإما أن يقال: إنه عبارة عن انتهاء مدة الحكم. على ما ذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق.
لأنا نقول: هذا الاحتمال وإن كان قائما في النسخ، لكنه مرجوح خلاف ظاهر اللفظ المنسوخ حكمه، فإن لفظه يفيد دوام الحكم، إذ النسخ بعد الفعل لا يرد إلا على ما يفيد تكرار الحكم، إما على سبيل الدوام أو وإن كان إلى غاية معينة، لكنه يكون واردًا قبل تلك الغاية، وإذا كان كذلك كان معنى الرفع فيه أغلب بخلاف اختلافهم في مسألة على قولين، فإنه ليس فيه ما يدل على جواز الأخذ بأحد القولين على تلك الصفة، وإذا كان كذلك فلا يلزم من العمل بمقتضاه حيث ليس يخالف الظاهر بل يؤيده، فإن ظاهر ما يدل على أن الإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ به يؤيده العمل بمقتضاه حيث يخالف الظاهر، ولو فرض الإجماع على جواز الأخذ بأحد القولين بصراحة القول، إما على التأييد أو غيره فإننا نمنع حصول الإجماع بعد ذلك على أحد القولين.
وسلك الإمام رحمه الله تعالى في دفع/ (348/ ب) هذا النقض مسلك العناية فإنه لما قال: الناسخ طريق شرعي إلى آخره، قال: نعني بالطريق الشرعي القدر المشترك بين القول الصادر من الله ورسوله، والفعل المنقول عنهما، والإجماع على جواز الأخذ بأحد القولين، والإجماع على أحدهما بعد ذلك، يس بطريق شرعي على هذا التفسير.
ولا يخفى عليك ما فيه من الضعف، ودفع بعضهم بوجه آخر وهو أن الحكم نفيًا وإثباتًا إنما يستند إلى الدليل السمعي الموجب لإجماعهم على ذلك الحكم وعلى هذا فيكون إجماعهم دليلًا على وجود الخطاب الذي هو النسخ، لا أن خطابهم نسخ.
وهو ضعيف جدًا، لأن الاحتمال المذكور قائم في كل إجماع، وهو إنما يكون نقضًا على من سلم أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، وهذا التعريف الذي ذكرناه إنما هو على رأي القاضي.
فأما إذا أردت تعريفه على ما يشترك فيه المذهبان فقل: النسخ عبارة عن زوال حكم ثبت بطريق شرعي، عند ورود طريق شرعي مناف لحكمه، على وجه لولاه لكان الحكم ثابتًا.
وإنما زدنا هذا القيد الأخير: احترازًا عما ورد ما ينافي مقتضى مطلق الأمر من الطرق الشرعية بعد فعله، فإنه زال حكمه عند ورود طريق شرعي مناف لحكمه، وهو ليس بنسخ، لأنه ليس على وجه لولاه لكان الحكم ثابتًا، إذ حكمه قد انقطع بعد الامتثال.
ولا حاجة إلى قيد التراخي إذ الزوال إنما يكون بعد الثبوت، وفي صورة الاستثناء والتقييد بالصفة، والشرط، والغاية، لم يثبت الحكم أصلًا، وهذا في الغاية المفصلة.
فأما المجملة نحو قوله تعالى: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن
الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} فهل يجعل بيان الحكم على خلاف الحكم السابق بعدها نسخًا للحكم المتقدم أم لا؟
فيه احتمالات: وذلك نحو شرعية جلد الزاني والزانية بعد قوله: {أو يجعل الله لهن سبيلًا} الأظهر أنه يقع عليه اسم النسخ، كما لو قال: هذا "وأحب إليَّ" أن أنسخه ثم ينسخه.
ويحتمل أن لا يقع كما في الغاية المفصلة.
وأما الناسخ: فيطلق على الشارع، الناصب للدلالة على النسخ وهو الله تعالى في الحقيقة. فإن الرسول مبلغ عنه الأحكام وليس له شرعية الحكم من تلقاء نفسه، يقال: نسخ الشارع هذا الحكم فهو ناسخ، قال الله تعالى:{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها} .
وقد يطلق على الطريق الشرعي الرافع للحكم، إذ يقال: آية الاعتداد بالأشهر نسخت لآية الاعتداد بالحول، في حق المتوفى عنها زوجها، وخبر التقاء الختانين نسخ قوله:"الماء من الماء".
ويطلق على نفس الحكم المشروع بعد النسخ، نحو "ما يقال" وجوب صوم رمضان، نسخ وجوب صوم عاشوراء، فهو ناسخ.
ويطلق على نعتقد النسخ يقال: فلان ينسخ الكتاب بالسنة إذا اعتقد ذلك.
واتفقوا على أنه ليس حقيقة في الكل، بل في البعض.
وهو إما الأول: فقط.
أو هو مع الثاني: فقط على ما نقل ذلك عن المعتزلة.
ويحتمل أنه يقال إنه حقيقة فيهما.
أما الأول: فظاهر.
وأما الثاني: فلكثرة الاستعمال فيه بالنسبة إلى سائر المعاني، وجعل المعنى الثاني: غير النسخ كما زعم الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى بعيد جدا.
أما إذا قلنا: الناسخ حقيقة فيه فظاهر، لأن النسخ ليس [هو] حقيقة في لناسخ فيكون مغايرا.
وأما إذا قلنا: إنه مجاز فيه فكذلك، لأن جهة مجازية تلك غير جهة مجازية هذه وتغاير جهة التجوز دليل على التغاير.
وأما المنسوخ فهو الحكم المرتفع بالنسخ.