الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الحادية العاشرة"
المجتهد إذا اعتقد في الأصول ما يوجب تكفيره لا يعتبر قوله في انعقاد الإجماع وفاقًا لا نعرف في ذلك خلافًا
، لكن لا يمكن الاستدلال بإجماعنا على كفره بسبب ذلك الاعتقاد، لأنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره أن لو ثبت كفره، فإثبات كفره بإجماعنا وحده دور.
وأما إذا وافقنا هو على أن ما ذهب إليه كفر فحينئذ يثبت كفره لا لأن قوله معتبر في الإجماع؛ لأنه حينئذ يكون كافرًا، وقول الكافر غير معتبر في الإجماع، ولا لإجماعنا وحده لما سبق. بل لأنه لو لم يكن ما ذهب إليه كفرًا إذ ذاك لزم أن يكون مجموع الأمة على الخطأ، وعلى الاعتقاد الغير المطابق وأدلة الإجماع تنفيه.
وأما إذا اعتقد ما لم يوجب التكفير، بل يوجب التبديع والتضليل، فها هنا اختلفوا في اعتبار قوله في الإجماع:
فمنهم من اعتبره وهو الصحيح؛ لأنه من جملة المؤمنين والأمة، وهو متصف بأهلية الاجتهاد، غايته أنه مبتدع نضلله في ذلك الاعتقاد، لكن ذلك لا يخل بأهلية اجتهاده، ولا يبطل الثقة عن أخباره مطلقًا، إذا كان من مذهبه أنه لا يجوز الكذب لا سيما فيما يخبر عما أدى إليه اجتهاده، فإن
احتراز الإنسان عن الكذب في ذلك أكثر، لما فيه من الكذب ونسبة الباطل إلى نفسه فإن عندما أدى اجتهاده إلى شيء يعتقد أن ما وراءه باطل، وإذا كان كذلك وجب اعتبار قوله في انعقاد الإجماع سواء كان بالنسبة إليه، أو بالنسبة إلى غيره. نعم لو كان من مذهبه جواز الكذب ولم يقترن من القرائن ما يدل على صحة ما يخبر عن اجتهاده لم يعتبر إخبارهما أدى إليه اجتهاده؛ لأنه لم تحصل الثقة بقوله، لكن ذلك لا يخل بأهلية الاجتهاد، فلا ينعقد إجماع قبل معرفة وفاقه، فإذا أخبر عن نفسه بأنه أدى اجتهاده على خلاف ما ذهب إليه الباقون لم ينعقد الإجماع، لا لأنه تحقق الخلاف بل لأنه لم يتحقق الاتفاق.
ومنهم من لم يعتبر قوله مطلقًا مصيرًا منه بأنه فاسق، والفاسق غير مقبول القول، لآية التبين، فكان كالكافر في عدم اعتبار وفاقه، غايته أنه جاهل بفسقه وهو ضم جهل إلى فسق، وهو غير موجب لاعتبار وفاقه كالكافر الذي لا يعلم أن ما ذهب إليه كفر بل يعتقد أنه الدين الحق.
وهو ضعيف، لأنا لا نسلم أن كل فاسق غير مقبول القول، بل الفاسق الذي هو غير متأول وهو عالم بفسقه، وأما الذي لا يكون كذلك فلا نسلم عدم قبول قوله.
وأما آية التبين فمخصوصة على ما ستعرف ذلك في الأخبار إن شاء الله تعالى.
ولئن سلمنا أنه غير مقبول القول لكن لماذا لا يعتبر وفاقه؟
والقياس على الكافر غير صحيح، لوجود الفرق فإن ما يدل على حجية
الإجماع يدل على اعتبار قول المبتدع، ضرورة أنه من المؤمنين والأمة، ولا يدل على اعتبار قول الكافر بل يدل على عدم اعتباره بطريق المفهوم، وإذا كان كذلك لم يلزم من عدم اعتبار قولهما في الأخبار عدم اعتبار وفاقهما في الإجماع.
ومنهم من فرق، وقال باعتبار قوله في عدم انعقاد الإجماع بالنسبة إليه دون غيره فقال: لا ينعقد الإجماع عليه مع مخالفته، وينعقد في حق غيره حتى لا يجوز لغيره مخالفته ويجوز له ذلك، ولا يخفى عليك مأخذه وجوابه مما سبق.
"فرعان"
أحدهما: إذا ثبت كفر المخالف في الأصول، فلا يعتبر خلافه بعد ذلك، فلو اتفق كل من عداه بعد ذلك على شيء يكون إجماعهم حجة وإن خالفهم هو وهو ظاهر مما سبق، لكن لو خالف الباقين في حالة الكفر في السائل التي أجمعوا عليها في حال كفره ثم تاب وأصر على ذلك الخلاف فهل يعتبر خلافه الآن أم لا؟
قلنا: من لم يعتبر انقراض العصر في انعقاد الإجماع لم يعتبر خلافه الآن أيضًا؛ لأنه خالف بعد انعقاد الإجماع، فكان كمخالفة الكافر والصبي للإجماع الذي حصل قبل إسلامه وبلوغه.
وأما من اعتبره فإنه يعتبر خلافه بعد التوبة كما لو كان مخالفًا ثم أظهر الخلاف.
وثانيهما: أن بعض الفقهاء لو خالف الإجماع الذي خالف فيه المبتدع أما بناء على أنه لا يعلم بدعته، أو وإن علم بدعته لكنه لا يعلم أن بدعته توجب التكفير، ويعتقد أنه لا ينعقد الإجماع بدون وفاقه، فهل يكون معذورًا أم لا؟
قلنا: إذا لم يعلم بدعته فهو معذور وإن كان مخطئًا فيه حيث تكون البدعة موجبة للتكفير؛ لأنه غير مقصر إذ لم يوجب عليه الشارع التفتيش عن عقائد الناس حتى يقال: إنه بترك التفتيش عن ذلك مقصر ولو سلم وجوب ذلك، لكنا نفرض الكلام فيما إذا فتش وبحث وما أطلع على اعتقاده فيكون معذورًا كالمجتهد إذا بحث عن الناسخ، والمخصص ولم يجدهما.
وأما إذا علم ببدعته لكنه غير عالم بكونها موجبة للتكفير فهو غير معذور، بل/ (38/ أ) كان يازمه مراجعة علماء الأصول والمسألة عنهم أن مثل هذا
الاعتقاد هل يكفر أم لا؟ فإذا أفتوه بالتكفير وجب عليه أن يقلدهم إن لم يكن له استعداد فهم تلك الأدلة، وإلا فعليه السؤال عن الدليل أيضًا، وإن ذكر له الدليل ولم يفهمه فقال: لم يظهر لي وجه دلالة على التكفير على أن أخالف الإجماع.
قلنا: ليس لك ذلك بل يجب عليك أن تقلدهم؛ لأنه ظهر أنه ليس لك استعداد فهمه إذا كنت صادقًا فيما تخبر عن نفسك من عدم ظهور دلالة الدليل لك وإلا فأنت معاند غير معذور - والله أعلم -.