الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني عشر: الكلام في الإجماع
وهو مرتب على مقدمة وفصول:
أما
المقدمة ففي تفسيره لغة، ورسمه شرعًا
.
اعلم أن الإجماع في اللغة يطلق على أمرين:
أحدهما: العزم على الشيء، ومنه قوله تعالى:{فأجمعوا أمركم} أي اعزموا.
ومنه قوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل"[أي لمن يعزم عليه من الليل].
وثانيهما: الاتفاق يقال: القوم أجمعوا على كذا أي: اتفقوا عليه
وأما رسمه بحسب اصطلاح العلماء فقد قال الشيخ الغزالي رحمه الله "الإجماع عبارة عن اتفاق أمة محمد عليه السلام خاصة على أمر من الأمور الدينية".
واعترض عليه من وجوه:
أحدها: أنه يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة؛ لأن أمة محمد عليه السلام من اتبعه إلى يوم القيامة، والموجود في العصر بعض الأمة لا كله فلا يكون إجماعهم حجة.
وهو ضعيف؛ لأن الأمة أخص من الشيء، فإذا كان الشيء على رأينا لا يتناول المعدوم، فلأن لا يتناول ما هو أخص منه بالطريق الأولى.
ولئن سلمنا أن الشيء يتناول المعدوم، لكن الاتفاق حاصل بيننا وبينهم على أن الموجود وما هو أخص منه لا يتناول المعدوم، والأمة والناس وما يجري مجراهما أخص من الموجود فلا يتناول المعدوم.
فإن قلت: ما هو أخص من الموجود مطلقًا لا يصدق على ما لا يصدق عليه الموجود، فأما ما هو أخص منه من وجهٍ دون وجهٍ، فلا نسلم أنه لا يصدق حيث لا يصدق هو عليه، ولم لا يجوز أن يقال: إن الأمة أخص من الموجود من وجه دون وجه من حيث إن الأمة تتناول الموجود من جنسه والمعدوم من جنسه، وحينئذ لا يلزم من عدم صدق الموجود على المعدوم من الأمة عدم صدق لفظ الأمة عليه؟.
قلت: هذا الاحتمال مندفع بالإجماع، فإنهم اتفقوا على أن الأسامي التي مدلولاتها مركبة لا تصدق في حالة العدم؛ لأنه لا تحقق لماهية التأليف والتركيب في حالة العدم وفاقًا.
وثانيهما: أنه يقتضي أن يكون إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهد إجماعًا شرعيًا وليس كذلك.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنا إن لم نعتبر قول العوام في انعقاد الإجماع منعنا إمكان وقوع المسألة؛ وهذا لأنه لا يجوز خلو الزمان عمن يقوم بالحق.
وإن اعتبرنا قولهم منعنا أن إجماعهم ليس إجماعًا شرعيًا.
وثالثها: أنه غير جامع؛ لأنه خرج منه إجماعهم على أمر عقلي، أو عرفي، أو لغوي؛ ضرورة أنه ليس أمرًا دينيًا مع أن إجماعهم فيه/ (2/ أ) إجماعًا شرعيًا وهو منقدح.
وقال النظام: هو كل قول قامت حجته.
وقصد بذلك الجمع بين مذهبه من أن اتفاق أمة محمد عليه السلام ليس بحجة وبين ما تواتر من السلف من أنه لا يجوز مخالفة الإجماع.
والنزاع لفظي ولا مشاحة في الألفاظ.
وأما ما أورد عليه بأنه يلزم منه أن يكون قول الواحد إجماعًا وهو على خلاف اللغة والعرف.
فهو وارد أيضًا على من يقول بالإجماع بالمعنى المشهور؛ لأنه إذا لم يبق من المجتهدين إلا واحد فإنه يكون قوله حجة بطريق الإجماع عنده فما هو جوابه في هذه الصورة فهو جواب النظام.
ولئن قلت: إنه حجة بطريق الإجماع من حيث إنه لا يجوز ذهول مجموع الأمة عن الحق، لكن لا يطلق عليه اسم الإجماع.
قلت: وللنظام أن يقول مثله، بأن يقول: إنما يطلق الإجماع على القول الذي قامت حجته إذا كان قول الجماعة، فأما إذا كان قول الواحد فإنه لا يجوز مخالفته بطريق الإجماع، لكن لا أطلق عليه لفظ الإجماع.
فالأولى أن يقال في حده أنه: عبارة عن اتفاق جميع المجتهدين الموجودين في كل عصر من الأعصار من أمة محمد عليه السلام على أمر من الأمور.
وأطلقنا اتفاقهم، ليتناول الاتفاق في الاعتقاد، والقول، والفعل، والسكوت، والتقرير، المنزلين منزلة القول والفعل والاتفاق المركب منها.
وإنما قيدنا بالجميع؛ ليخرج البعض فإن اتفاق البعض ليس بحجة.
وقيدنا بالمجتهد؛ ليخرج اتفاق العامة فإنه غير معتبر على الرأي الأظهر ولو اعتبر ذلك وجب حذفه ويقام مقامه ما يتناولهم ولغيرهم ممن يعتبر قولهم.
وإنما قلنا: الموجودين في كل عصر من الأعصار؛ لرفع أن يتوهم متوهم أن المراد من المجتهدين من يوجد إلى يوم القيامة وإن كان هذا التوهم باطلاً.
وإنما قلنا: على أمر من الأمور، ليتناول الشرعيات، والعقليات والعرفيات، واللغويات.
هذا تمام المقدمة، أما الفصول ففي المقاصد.