المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة""في وجه استدلال الشيعة على أن الإجماع حجة - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٦

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولفي النسخ وتعريف الناسخ والمنسوخ

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته لغة

- ‌المسألة الثانيةفي حده بحسب الاصطلاح والناسخ والمنسوخ

- ‌المسألة الثالثةذهب كثير من المحققين كالقاضي والغزالي (إلى): أن النسخ رفع

- ‌المسألة الرابعةفي الفرق بين النسخ والبداء

- ‌المسألة الخامسةفي إثبات النسخ على منكريه

- ‌المسألة السادسة[في نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به]

- ‌المسألة السابعة[في جواز النسخ إلي غير بدل]

- ‌المسألة الثامنة[في النسخ بالأخف والأثقل]

- ‌المسألة التاسعةفي أنه يجوز نسخ الحكم المؤكد بالتأييد كقوله: أمرتكم بهذا أبدا

- ‌المسألة العاشرةأنه يجوز نسخ التلاوة والحكم معًا

- ‌المسألة الحادية عشرةاختلفوا في ثبوت حقيقة النسخ "وحكمه" في حق من لم يبلغه الخبر حيث ثبت ذلك مع العلم

- ‌المسألة الثانية عشرةاختلفوا في أن كل "واحد" من الأحكام، هل هو قابل للنسخ أم لا

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي نسخ الخبر

- ‌الفصل الثانيفي الناسخ والمنسوخ

- ‌المسألة الأولىالقائلون بجواز نسخ القرآن: اتفق أكثرهم على أنه يجوز نسخ القرآن بالقرآن لتساويهما في إفادة العلم ووجوب العمل به

- ‌المسألة الثانية[نسخ الكتاب بالسنة المتواترة]

- ‌المسألة الثالثة[في نسخ السنة المتواترة بالكتاب]

- ‌المسألة الرابعةفي أن الحكم الثابت بالإجماع لا ينسخ به ولا بغيره

- ‌المسألة الخامسةفي نسخ حكم القياس ونسخ حكم غيره "به

- ‌المسألة السادسةفي نسخ المفهوم والنسخ به

- ‌الفصل الثالث"فيما اختلف فيه أنه ناسخ وليس "هو" بناسخ

- ‌المسألة الأولىفي الزيادة على النص هل هو نسخ أم لا

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على أن إسقاط شيء من العبادة، أو شيء من شروطها، أو شيء من سننها ومستحباتها: "نسخ لما سقط

- ‌المسألة الثالثةفي أن نسخ أصل القياس هو نسخ للفرع أم لا

- ‌النوع الثاني عشر: الكلام في الإجماع

- ‌ المقدمة ففي تفسيره لغة، ورسمه شرعًا

- ‌الفصل الأول""في الإجماع

- ‌المسألة الأولى"في إمكان وقوع الإجماع، وإمكان الإطلاع عليه:

- ‌المسألة الثانية""في كون الإجماع حجة

- ‌المسألة الثالثة""في وجه استدلال الشيعة على أن الإجماع حجة

- ‌الفصل الثانيفيما اختلف فيه أنه من الإجماع

- ‌المسألة الأولىإذا اختلفت الأمة في مسألة على قولين فهل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث أم لا

- ‌المسألة/ (24/ أ) الثانيةأهل العصر إذا لم يفصلوا بين المسألتين، فهل يجوز لمن بعدهم الفصل بينهما أم لا

- ‌المسألة الثالثةيجوز حصول الإجماع في المسألة بعد الخلاف فيها

- ‌المسألة الرابعةانقراض العصر ليس بشرط في انعقاد الإجماع عند الأكثرين من الفرق

- ‌المسألة الخامسةإذا قال بعض المجتهدين من أهل العصر قولاً في المسائل التكليفية الاجتهادية، وعرفه الباقون، ولم يظهر منهم في ذلك إنكار عليه فهل يكون ذلك إجماعًا أم لا

- ‌المسألة السادسةأهل العصر الأول إذا استدلوا بدليل على حكم أو استنبطوا منه وجه دلالة، أو ذكروا له تأويلاً، ثم أهل العصر الثاني استدلوا عليه بدليل آخر واستنبطوا منه وجه دلالة أخرى، أو ذكروا له تأويلاً آخر، فأما أن لا يكون الثاني منافيًا للأول بوجه ما

- ‌المسألة السابعةقال مالك رضي الله عنه: إجماع أهل المدينة وحدها حجة خلافًا للباقين

- ‌المسألة الثامنةإجماع العترة - وحدها - ليس بحجة، خلافًا للزيدية، والإمامية

- ‌المسألة التاسعة"إجماع الخلفاء الأربعة ليس بحجة مع مخالفة غيرهم لهم

- ‌المسألة العاشرة"إجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين حالة الإجماع ليس بحجة عند الأكثرين

- ‌المسألة الحادية العاشرة"المجتهد إذا اعتقد في الأصول ما يوجب تكفيره لا يعتبر قوله في انعقاد الإجماع وفاقًا لا نعرف في ذلك خلافًا

- ‌المسألة الثانية عشرة"الاتفاق الحاصل من الأكثر ليس بإجماع ولا حجة عند الأكثرين، وهو المختار

- ‌المسألة الثالثة عشرة"المجتهد الخامل يعتبر قوله في الإجماع عند الجماهير خلافًا لبعض الشاذين

- ‌الفصل الثالثفيما يصدر عنه الإجماع

- ‌المسألة الأولىمذهب الجماهير أنه لا يجوز حصول الإجماع إلا عن مستند شرعي

- ‌المسألة الثانية"القائلون بأنه لا ينعقد الإجماع إلا عن مستند اتفقوا على جواز وقوعه عن دلالة

- ‌المسألة الثالثة"الإجماع الموافق لدليل إذا لم يعلم له دليل آخر لا يجب أن يكون مستندًا إلى ذلك الدليل عند الجماهير

- ‌الفصل الرابعفي المجمعين

- ‌المسألة الأولىالقائلون بأن الإجماع حجة اتفقوا على أنه لا يعتبر في الإجماع اتفاق جميع الأمة من وقت الرسول عليه السلام إلى يوم القيامة

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى أنه لا يشترط في المجمعين أن يكونوا بالغين حد التواتر

- ‌المسألة الثالثةإجماع غير الصحابة حجة خلافًا لأهل الظاهر

- ‌الفصل الخامسفي بقية مسائل الإجماع

- ‌المسألة الأولىالإجماع المروي بطريق الآحاد حجة عند بعض أصحابنا، وأصحاب أبي حنيفة والحنابلة، وهو المختار

- ‌المسألة الثانيةالإجماع الصادر عن الاجتهاد حجة عند الأكثرين خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة الثالثةذهب الجماهير إلى أنه لا يجوز أن ينعقد إجماع بعد إجماع أثبت على خلافه، لأنه يستلزم تعارض دليلين قاطعين وأنه ممتنع

- ‌المسألة الرابعةالإجماع لا يعارضه دليل؛ لأن ذلك إن كان ظنيًا نحو القياس وخبر الواحد فظاهر، لأن الظني لا يعارض القطعي

- ‌المسألة الخامسةالإجماع حجة في كل شيء لا تتوقف صحته عليه

- ‌المسألة السادسةمذهب الجماهير امتناع ارتداد كل الأمة

- ‌المسألة السابعةفي أنه هل يجوز أن تنقسم الأمة إلى قسمين، وكل واحد منهما مخطئ في مسألة أخرى غير مسألة صاحبه

- ‌المسألة الثامنةهل يجوز أن تشترك الأمة في عدم العلم بما لم يكلفوا به

- ‌المسألة التاسعةجاحد الحكم المجمع عليه من حيث أنه مجمع عليه بإجماع قطعي لا يكفر عند الجماهير خلافًا لبعض الفقهاء

الفصل: ‌المسألة الثالثة""في وجه استدلال الشيعة على أن الإجماع حجة

"‌

‌المسألة الثالثة"

"في وجه استدلال الشيعة على أن الإجماع حجة

"

قالوا: لا يجوز خلو زمان من أزمنة التكليف عن الإمام المعصوم، ومتى كان كذلك كان الإجماع حجة.

أما الأول، فلأن نصب الإمام لطف، لأن حال الخلق في فعل الطاعات والانكفاف عن المعاصي عندما يكون لهم إمام قاهر يحثهم على فعل الطاعات ويمنعهم عن القبائح أحسن مما إذا لم يكن لهم ذلك، والعلم بذلك ضروري مستفاد من استقراء العادة، ولذلك قيل:"الناس على دين ملوكهم"، ولأنه لو لم يكن أحسن حالاً منه لكان الفعل مع المعاون والمعاوق كهولاً معهما وهو باطل قطعًا، وكل لطف واجب.

أما أولاً، فلأنه كالتمكين في إزاحة عذر المكلف، لأنه لا فرق بين رد الباب على وجه الضيف المدعو الذي يراد تناوله الطعام، وبين ترك التواضع له إذا علم من عادته أنه لا يأكل الطعام عند ترك التواضع له، والتمكين واجب فاللطف كذلك، ضرورة عدم افتراقها في مناط الوجوب.

ص: 2512

وأما ثانيًا فلأنه لو لم يجب فعل اللطف لم يقبح فعل المفسدة، إذ لا فرق في العقل بينهما؛ لأنه لا فرق في العقل بين فعل ما يختار المكلف عنده القبيح، وبين ترك ما يخل المكلف عنده بالواجب.

والأول فعل المفسدة، والثاني/ (20/ أ) ترك اللطف، وإذا لم يكن بينهما فرق كان ترك اللطف أيضًا قبيحًا، وحينئذ يكون فعله واجبًا، ضرورة أن ما يكون تركه قبيحًا يكون فعله واجبًا.

ثم ذلك الإمام الذي يجب نصبه يجب أن يكون معصومًا؛ لأن احتياج الخلق إلى الإمام إنما كان لصحة إقدامهم على المعاصي، فلو كانت هذه الصحة ثابتة في حقه لاحتاج هو أيضًا إلى إمام آخر، ويلزم إما الدور، أو التسلسل، وهما محالان. فثبت أنه يجب أن يكون معصومًا.

وأما أنه متى كان كذلك كان الإجماع حجة، لأن الإجماع مهما انعقد فلا بد أن يكون قول الإمام فيه وإلا لم يكن إجماعًا إذ يعتبر فيه اتفاق جميع المجتهدين وهو سيدهم، فكيف لا يعتبر قوله؟ ومهما كان قول [من لا] يجوز عليه الخطأ فيما بين ذلك الاتفاق كان ذلك الاتفاق حجة بطريق الكشف عنه، لا أن نفس الاتفاق حجة، وهذا يقتضي أن يكون إجماع كل الأمة حجة، وأن لا يتوقف العلم بحجيته على العلم بالنبوة ضرورة أن الدليل ليس سمعيًا.

وهو ضعيف، لأنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، وقد تقدم إبطالها إذ لا قائل بالفصل بين التحسين والتقبيح شاهدًا أو غائبًا، لأن أثبتهما

ص: 2513

شاهدًا وغائبًا، ومن تفاهما نفاهما شاهدًا وغائبًا فإذا بطل القول به شاهدًا بطل القول به غائبًا، لأن القول بإثباته غائبًا دون الشاهد قول لم يقل به أحد.

سلمناه لكن لا نسلم أن نصبه لطف؛ ولا نسلم أن حال الخلق عندما يكون لهم إمام أحسن مما إذا لم لكن لهم ذلك.

وأما ما ذكروه من الوجه الأول فممنوع، وهذا لأن الاستقراء في ذلك غير متصور على مذهبكم، وهذا لأن الاستقراء فيه إنما يمكن أن لو خلا زمان من الإمام، وعندكم لا يخلو زمان عنه فلا يمكن استقراء الزمانين، أعني زمان وجوده، وزمان عدمه.

سلمنا إمكان الاستقراء مطلقًا لكن تدعون التفاوت بين الزمانين بسبب نصب الإمام كيف كان أم بسبب أمام قوي قاهر؟

ص: 2514

والأول ممنوع ولا يمكن دعواه؛ وهذا لأن من المعلوم بالضرورة أن نصب من لا يعرف ولا يؤبه به لا يظهر بسببه تفاوت البتة.

والثاني مسلم لكنكم لا توجبونه، فما هو دعواكم لا يوجبها الدليل وما يوجبه لا تقولوه به.

وأما الوجه الثاني فأنا نسلم أن الفعل مع المعاون والمعاوق ليس هو كمع عدمهما، لكن لا نسلم أن المعاونة والمعاوقة تحصل بمجرد الإمام كيف كان بل الذي نسلم حصولهما من إمام ظاهر قوي قاهر، وأنتم لا توجبون ذلك، وحينئذ لا يلزم ما ذكرتم من المحذور.

سلمنا أن نصبه يوجب التفاوت المذكور لكن متى لا يجب ذلك إذا خلا عن جميع جهات القبح أم مطلقًا؟

والأول مسلم، لكن لا يحصل مقصودكم منه إلا إذا أقمتم الدلالة على خلوه عن جميع جهات القبح وأنتم ما فعلتم ذلك.

والثاني ممنوع، وهذا لأن بتقدير أن يكون مشتملاً على جهة من جهات المفسدة والقبح، لا سيما على الراجح، أو المساوي لا يجوز نصبه فضلاً عن أن يكون واجبًا، وهذا لأنه يكفي في كون الشيء قبيحًا اشتماله على جهة من جهات المفسدة. ولا يكفي بمثله في الحسن.

لا يقال: إنما نقيم الدلالة على خلوه عن جهات المفسدة وهي من وجهين:

أحدهما: أنه لا دليل على اشتماله على جهة من جهات المفسدة لأنا سبرنا وبحثنا فما وجدنا عليه دليلاً، وما لا دليل عليه يجب نفيه.

وثانيهما: أن جهات المفسدة مشهورة منحصرة في نحو الكذب، والظلم والجهل، وهي بأسرها زائلة عما نحن فيه فوجب القطع بعدم اشتمالها على

ص: 2515

جهة من جهات المفسدة.

لأنا نقول أما الأول: فلا نسلم أن ما لا دليل عليه في نفس الأمر وجب نفيه، فكيف ما لا دليل عليه في علم الإنسان؛ وهذا لأن الباري تعالى ما كان عليه دليل في نفس الأمر في الأزل ضرورة انحصار أدلته في مخلوقاته فلو كان ما لا دليل عليه في نفس الأمر وجب نفيه لزم نفي الباري تعالى في الأزل وهو كفر صريح.

وأما الثاني: فلا نسلم انحصار جهة المفسدة فيما نعلمه نحن من جهات المفسدة، وهذا لأن قبح صوم أول يوم من شوال ليس بشيء نعلمه من جهات القبح.

فإن قلت: ما ذكرتم من احتمال منقوض بوجوب معرفة الله تعالى، فإن غاية ما يمكن في تقرير أنها لطف واجب: اشتمالها على المصالح نحو أن يقال: أن العلم بوجود الصانع المنعم داع لقبول تكاليفه، باعث على أداء الواجبات العقلية، مانع من ارتكاب قبائحها، وداع لنفي معظم الجهل وأشده ظلمة ومضرة ولا يمكن إقامة الدليل على خلوها عن جميع جهات القبح، ولأن هذا الاحتمال متطرق إلى جميع ما يقال أنه لطف واجب على الله تعالى وأنه يبطل القول بفائدة التحسين والتقبيح وأنتم سلمتم في هذا المقام القول بهما.

قلت: أما النقض فمندفع، لأن الفرق بينهما حاصل، وهو أن المعرفة لطف واجب علينا فيكفي في وجوبها العلم باشتمالها على المصلحة وغلبة الظن بخلوها عن المفسدة، لأن غلبة الظن في حقنا قائم مقام العلم في وجوب العمل، بخلاف نصب الإمام فإنه لطف واجب على الله تعالى ولا يكفي في

ص: 2516

الإيجاب على الله تعالى ظن كونه لطفًا، لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ولا يتصور في حقه الظن، فما لم يثبت خلوه عن جميع جهات القبح لم يمكن القطع بوجوبه على الله تعالى.

وأما الثاني: فإنه لا يقدح في قولنا: ما هو اللطف فهو واجب على الله تعالى وأنه يكفي أن يكون فائدة التحسين والتقبيح، وإنما يقدح في الحكم في فعل معين أنه لطف واجب على الله تعالى، وليس ذلك من ضرورة التحسين والتقبيح.

سلمنا/ (21/ أ) أنه لا بد من تعيين جهة المفسدة في القدح في كون الفعل لطفًا واجبًا، لكنا نعين فيه جهات مفضية إلى المفاسد:

أحدهما: أن نصبه ربما يكون سببًا للتأبى عن الانقياد، والدخول تحت الطاعة، وامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي بسبب الاستنكاف، ولهذا قالت صناديد قريش وجهلتها:{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} .

وثانيها: أن نصبه يفضي إلى أن المكلف يترك القبيح إذ ذاك خوفًا من الإمام، لا لكونه قبيحًا وأنه مفسدة، بخلاف حالة عدم الإمام فإنه يتركه لكونه قبيحًا لا غير.

لا يقال هذا باطل بترتيب العقاب على فعل القبيح، فإن المكلف إذ ذاك يترك القبيح لأجل خوف العقاب، لا لكونه قبيحًا، لأنا نقول لا نسلم أن هذا

ص: 2517

قبيح؛ وهذا لأن ترتيب العقاب على فعل القبيح من لوازم القبيح، ولوازم الماهية معلولات الماهية، فترك القبيح لخوف العقاب على فعله أقل لتركه لكونه قبيحًا.

ثم الذي يؤكد أن ترك القبيح لأجل خوف العقاب ليس بقبيح هو: أن المقتضى لترتب العقاب على فعله هو نفس القبيح وحصول الخوف بعد الشعور بهذا الاقتضاء لازم له، فلو كان ترك القبيح لأجل خوف العقاب قبيحًا لكان ترك القبيح قبيحًا، ضرورة أن مستلزم القبيح قبيح، ولا يتأتى هذا في الإمام لأن ترك القبيح لأجل خوفه ليس بلازم من لوازم القبيح.

سلمنا أنه قبيح لكنه لازم الماهية ولا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الخوف بسبب الإمام فإنه ليس بلازم فيمكن الاحتراز عنه.

وما ذكره الإمام رحمه الله من الدلالة على أنه ليس بقبيح لورود الشرع به إذ الشرع لا يرد بالمفاسد، فإنه مشترك بينه وبين صورة الإمام، وما ذكره من أنه حينئذ يصير وجوب نصب الإمام شرعيًا فممنوع، وهذا لأن معرفة ذلك من الشريعة لا يقتضي أن يكون وجوبه شرعيًا أيضًا، لاحتمال أن يقال: أن وجوبه عقلي، لكن إنما يعرف ذلك بعد ورود الشرائع به، نعم ما كان يمكن الجزم بوجوبه قبل ورود الشريعة به، لاحتمال أن ما ذكر مفسدة لكن لما وردت الشريعة به انتفى هذا الاحتمال فأمكن الجزم الآن بوجوبه عقلاً لانتفاء احتمال أن يكون ما ذكروه مفسدة اللهم [إلا] إذا فسر الوجوب العقلي: بما يستقل العقل بمعرفة وجوبه من غير توقف على الشرع لا بحسب نفسه، ولا بحسب ما تتوقف عليه حجيته، فحينئذ يكون ذلك قادحًا في كونه عقلها.

ص: 2518

وثالثها: أن فعل الطاعات، وترك القبائح عند وجود الإمام أسهل مما إذا لم يكن ضرورة توفر الدواعي على ذلك على ما ذكرتم وسهولة الفعل عند توفر الدواعي فيكون سببًا لنقصان الثواب، إذ الفعل كلما كان أشق كان الثواب أجزل، للحديث، وهو مفسدة.

فثبت بهذه الوجوه أن نصب الإمام يشتمل على المفاسد فوجب أن لا يجوز، فضلاً عنن أن يكون واجبًا.

سلمنا خلوه عن جهة المفسدة لكنه لطف عينا، أو في الجملة ولو على طريق البدلية، أي يقوم غيره مقامه في كونه لطفًا؟

فإن ادعيتم الأول فممنوع؛ وهذا لأنه إنما يكون كذلك أن لو لم يكن هناك لطف آخر يقوم مقامه وهو ممنوع، ولا يمكن الاستدلال على عدمه بالأصل إذ المسألة علمية.

وإن ادعيتم الثاني فمسلم، لكنه لا يحصل مقصودكم وهو الجزم بوجوبه في كل زمان، لأن ما لا يتعين لكونه لطفًا بعينه لا يتعين للوجوب في كل زمان.

سلمنا أنه لطف بعينه لكنه في المصالح الدنيوية، أو [الدينية] الشرعية، أو الدينية مطلقًا شرعية كانت أو عقلية؟

فالأول مسلم لكنه لا يقتضي وجوبه؛ لأن تحصيل الأصلح في الدنيا غير واجب عليه تعالى، فما يكون وسيلة إليه أولى أن لا يجب.

والثاني أيضًا مسلم، لكنه لا يقتضي وجوبه عقلاً إذ الوسيلة تجب كإيجاب

ص: 2519

أصله، فلما كانت الدينية الشرعية واجبة بالشرع كانت وسيلة أيضًا كذلك.

والثالث ممنوع، وهذا لأن جميع ما يحصل من المنافع من نصب الإمام منحصر في اندفاع الهرج والمرج، واستقامة أحوالهم فيما يتعلق بإقامة الصلوات، وإيتاء الزكوات، وكل ذلك مصالح دنيوية أو شرعية، وعلى التقديرين لا يجب نصب الإمام عقلاً كما سبق.

فإن قلت: أنه لطف في المصالح الدينية مطلقًا، شرعية كانت أو عقلية لأن ما ذكرناه من المنفعة في وجوده من الحث على أداء الواجبات، والمنع من القبائح لا اختصاص له بالشرعيات، بل يعمها والعقليات فإنه كما يحث على فعل الواجبات الشرعية، ويمنع من قبائحها، فكذا على الواجبات العقلية ويمنع من قبائحها.

قلت: فحينئذ يمنع أن يكون حال الخلق عند وجود الإمام أقرب إلى الإتيان بالواجبات، والانتهاء عن المنهيات [وهذا لأنه إذا حثهم على فعل الواجبات، والانتهاء عن المنهيات] فربما تقوى دواعيهم على ضد ذلك إذ الإنسان حريص على ما منع، فكان فعل القبائح وترك الواجبات أقرب من العكس لقوة الدواعي إليه، ولهذا يكون فعل الذي يمنع منه السلاطين أكثر من الذي لم يمنع منه، ولهذا نهى عن التسعير، فإن الغلاء

ص: 2520

إذ ذاك أكثر ولو سلم ذلك لكن إتيانهم ذلك إذ ذاك ربما يكون بمجرد خوفهم عنه من غير قصد امتثال الأمر والنهي، ولا شك أن ذلك ليس أقرب إلى الحق والسداد.

سلمنا أنه لطف مطلقًا لكن لم قلتم أن كل لطف واجب؟

أما الوجه الأول: فلا نسلم أن فعل اللطف كالتمكين، ولا نسلم أن ترك التوتضع كرد الباب؛ وهذا لأن إرادة/ (22/ أ) تناوله الطعام مختلفة، فأي مرتبة فرضت من مراتبها كان رد اللباب مناف لتلك الإرادة، لأنه علامة الكراهة فكان مناف للإرادة، بخلاف ترك التواضع فإنه ليس كذلك، ولهذا لو صرح وقال: أريد أن تأكل طعامي لكن لا إلى حيث أنك لو لم تأكل طعامي إلا عند تقبيلي ليدك فعلت ذلك بل إرادة دون ذلك لا يعد مناقضًا، بخلاف ما إذا قال: أريد أن تأكل طعامي لا إلى حيث لو أنك جئت لذلك أترك الباب لك مفتوحًا [بل إرادة دون ذلك، فإنه يعد مناقضًا، ويعد كلامه متهافتًا] وذلك لأن أي مرتبة فرضت من مراتبها كان ذلك منافيًا له، ولأن فعل التواضع قد يشق على بعض الناس فيكون ذلك معارضًا لإرادة أكل الطعام فيبقى الأمر فيه موقوفًا على القوة والضعف بخلاف ترك الباب مفتوحًا فإنه ليس مشقًا على من دعا الناس إلى بيته وليس الفعل مع

ص: 2521

المعارض كهو مع عدمه وعند ظهور الفرق لا يصح القياس

سلمناه لكنه لا يفيد إلا الظن، والمسألة علمية.

وأما الوجه الثاني فالملازمة ممنوعة، وهذا لأن الفرق حاصل بيهما، لأن ترك اللطف ترك الانفاع، وفعل المفسدة فعل الأضرار، والأول قد لا يكون قبيحًا بخلاف الثاني فإنه قبيح قطعًا، ولهذا لا يقبح منا ترك إنفاع الفقير ويقبح منا إضراره؛ ولأن ترك اللطف ترك المحصل وفعل المفسدة فعل المزيل وقد ورد الشرع يقبح الثاني دون الأول، وذلك يدل على تمكن المفسدة فيه دون الأول، سلمنا الملازمة لكنه قياس وهو غير مفيد لليقين.

سلمنا أنه يجب فعل اللطف لكن اللطف المحصل، أم مطلق اللطف [حتى] المقرب.

والأول مسلم، والثاني ممنوع؛ وهذا لأن ما ذكرتم من الدلالة لا يتناول اللطف المقرب، إذ التواضع إذ ذاك إنما يجب أن لو علم حصول الأكل عنده فأما إذا لم [يعلم] ذلك فلا نسلم وجوبه بل التمكين هو المقيس عليه إنما يجب إذا علم حصول الفعل المطلوب إذ ذاك، وحينئذ نقول: لم قلتم أن الإمام لطف محصل؟ بل هو عندنا لطف مقرب، وهذا لأنه لا يعلم حصول الطاعات، والانتهاء عن المنهيات من المكلفين عند حصول الإمام المعصوم، بل الذي يعلم أن حالهم إذ ذاك أقرب إلى الطاعة، وأبعد عن المعصية.

والذي يؤكد هذا الاحتمال: أنه لا امتناع في أن يعلم الله تعالى من أهل زمان أن الإمام لا يكون لطفًا محصلاً لهم فحينئذ يستحيل أن يكون الإمام لطفًا محصلاً لهم، ثم لا زمان إلا ويحتمل أن يكون ذلك الزمان، فلا يمكن القطع في شيء من الزمان أن يكون الإمام لطفًا محصلاً فيه لأهله.

ص: 2522

سلمنا صحة دليلكم لكنه منقوض بعدم عصمة القضاة والأمراء والجيوش وبعدم وجوب نصب الإمام في كل بلد أو في كل قطر، ويكون ذلك الإمام غير قادر على إيصال النكبة بمن شاء من العصاة، وكيف شاء من غير أعوان وخدم، وبكونه غير قادر على الطيران، والاستتار عن العيون، وعلم الغيوب، فأنا نعلم بالضرورة أن حال الخلق عند عصمة القضاة والأمراء وتعدد الأئمة المعصومين، وعندما يكون ذلك الإمام قادرًا على ما شاء من الإساءة إلى العصاة مع علمه بالغيب أصلح مما إذا لم يكن كذلك، ولا يمكن دفع هذا باحتمال مفسدة فيها يعلما الله تعالى ولا نعلمها نحن لأن ذلك الاحتمال بعينه موجود فيما نحن فيه فكان يجب أن لا يجب.

ولو قيل: أنه وإن كان لطفًا لكنه لا يجب فهذا يبطل مقدمة دعواه وهي أن كل لطف واجب.

لا يقال: إن ما ذكرتم كله لطف مكمل وقد يجب أصل اللطف، دون اللطف المكمل، لأنا نقول: إذا كان دليلهما واحدًا يجب التسوية بينهما، فإن عمل في أحدهما وجب أن يعمل في الآخر وإلا ألغى فيهما اللهم إلا إذا أبدى معنى في أحدهما يوجب إلغاءه لكن الأصل عدمه.

يلمنا سلامته عن النقض، لكن لم قلتم أنه يجب أن يكون معصومًا؟

قوله: لو لم يكن معصومًا لافتقر إلى إمام آخر.

قلنا: لا نسلم بل الذي نسلم افتقاره إذ ذاك إلى لطف آخر لا إلى إمام آخر، وحينئذ نقول: لم لا يجوز أن يكون ذلك اللطف هو مجموع الأمة؟

وليس هو لطفًا لمجموع الأمة حتى يدفع ذلك بالدور بل هو لطف لكل واحد من الأمة، وحينئذ يجب عليهم إقامة الدلالة على أنه لا يجوز أن يكون مجموع الأمة لطفًا له، ولا يكفيهم في ذلك القدح في أدلة الإجماع، لأن ذلك ينفي الجزم بعصمتهم وكون إجماعهم حجة، لا احتمال كونه حجة

ص: 2523

والمانع يكفيه الاحتمال.

سلمنا عصمته لكن لا نسلم أن ذلك يدل على أن قوله صواب، وهذا لأنه يجوز أن يكون باطلاً، لكن إنما أفتى بذلك خوفًا وتقية، فإنه لما رأى أهل العلم متفقين على ذلك القول خاف من مخالفتهم وذلك عندهم جائز.

سلمنا أنه لا يجوز أن يكون ذلك خوفًا وتقية، فلم لا يجوز أن يكون ذلك على وجه السهو والنسيان منه؟!

فأما من القوم كلهم فلا على هذا الوجه، لئلا يدفع بأن السهو والنسيان يستحيل على الجمع الكثير عادة بل على وجه التعمد من كلهم أو من أكثرهم وعلى وجه السهو من أقلهم فهذا تمام الكلام في تقرير كون الإجماع حجة على اختلاف المذهبين.

ص: 2524

"الفصل الثاني"

"فيما اختلف فيه أنه من الإجماع"

وفيه مسائل:

ص: 2525