الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة/ (24/ أ) الثانية
أهل العصر إذا لم يفصلوا بين المسألتين، فهل يجوز لمن بعدهم الفصل بينهما أم لا
؟ اختلفوا فيه:
فمنهم من جوز ذلك مطلقًا.
ومنهم من منع ذلك مطلقًا.
ومنهم من فصل وقال: إن كان طريق الحكم واحدًا لم يجز الفصل وإلا جاز.
ثم اعلم أن هذا الخلاف مختص فيما إذا لم يوجد فيهم من فصل بينهما.
فأما إذا علم نفي الفصل بصراحة قولهم نحو أن يقولوا: "لا فصل بينهما في شيء من الأحكام، أو في الحكم الفلاني" فإنه لا يجوز الفصل بينهما فيما نصوا عليه وفاقًا؛ لأنه إجماع صريح كغيره من الإجماعات والمختار إنما هو التفصيل.
والدليل عليه: أن طريق الحكم في المسألتين إذا كان واحدًا، كما في توريث العمة والخالة، فإن من ورثهما فإنما ورثهما لأنه يرى توريث ذوى الأرحام.
ومن لا يورثهما فإنما لا يورثهما لأنه لا يرى ذلك. كان ذلك جاريًا مجرى فولهم: "لا فصل بين هاتين المسألتين في ثبوت الحكم وعدمه، ضرورة
أنه يلزم من ثبوت العلة ثبوت حكمها، ومن نفيها نفيه، إذ الكلام حيث تكون العلة متحدة، ومعلوم أنهم لو قالوا ذلك لم يجز الفصل بينهما، فكذا عند حصول ما هو جار مجراه.
احتج المجوزون مطلقًا بوجوه:
أحدها: أنه لو لم يجز الفصل لوجب على من وافق الشافعي في مسألة الدليل يخص تلك المسألة، أن يوافقه في جميع المسائل؛ لأن المجموع المركب من بعض ما قاله وبعض ما قاله غيره قول لم يقل به واحد منهما لكنه باطل وفاقًا، إذ فيه حجر المجتهد عن النظر والاستدلال.
وجوابه: أنه أن عنى بقوله: لو لم يجز الفصل عدم جوازه في كل واحد من الصور سلمنا الملازمة، لكنه لا يحصل المقصود، إذ لا يلزم من انتفاء السلب الكلي تحقق الموجب الكلي.
وإن عنى به عدم جوازه في الجملة ولو في بعض الصور منعنا الملازمة؛ وهذا لأنا لا نمنع الفصل في كل الصور بل فيما اتحدت العلة فيه.
وثانيها: أجمعت الصحابة والتابعون على أن كل ما ليس مجمعًا عليه فإنه مساغ للاجتهاد، وما نحن فيه ليس مجمعًا عليه فيسوغ فيه الاجتهاد، فلا يمتنع الفصل إذا أدى إليه الاجتهاد.
وجوابه: منع أن ما طريق حكمه واحد ليس مجمعًا عليه؛ وهذا لأنا بينا أنه جار مجرى قولهم لا فصل بينهما، ومعلوم أنهم لو قالوا ذلك لم يجز الفصل فكذا ما يجري مجراه.
وثالثها: أن بعضهم أحدث قولاً ثالثًا ولم ينكر عليه فكان تجويزه مجمعًا عليه.
بيان الأول: أن الصحابة كانوا على رأيين في زوج وأبوين، وزوجه وأبوين، كان ابن عباس ومن تابعه على أن للأم في المسألتين ثلث
جميع المال، وكان الباقون على أن لها ثلث الباقي بعد فرض الزوج أو الزوجة، فجاء ابن سيرين وأحدث قولاً ثالثًا، فقال بقول ابن عباس في زوجة وأبوين، وقال [بقول] سائر الصحابة في زوج وأبوين.
وأما بيان الثاني: فإنه لو وجد الإنكار لنقل واشتهر، ولما لم يشتهر ولم ينقل بطريق الآحاد دل على أنه لم يوجد.
وكذلك أحدث سفيان رضي الله عنه قولاً ثالثًا وهو: أن الجماع ناسيًا يفطر، والأكل ناسيًا لا يفطر، مع أن الأمة قبله على قولين بالإفطار وعدمه فيهما ولم ينكر عليه لما تقدم.
وكذلك أحدث مسروق في مسألة الحرام قولاً آخر غير الأقوال المذكورة [فيها] للصحابة من غير إنكار عليه.
وجوابه: أن القول الثالث فيما ذكرتم من الصور إن لم يتضمن رفع حكم اتحد طريقه فقد سقط الاستدلال به، لأنه حينئذ غير دال على الجواز مطلقًا.
وإن تضمن فإنما جاز، لأنه لم يثبت خوض الجميع فيهما، أو وإن ثبت ذلك لكن لعلهم خالفوهم لوجودهم في حالة اتفاقهم، أو في عصرهم.
وهذا إنما ينقدح إذا اشترك انقضاء العصر في انعقاد الإجماع.
واحتج المانعون منه مطلقًا بوجوه:
أحدها: أن تسويغ القول الثالث تخطئه للقولين الأولين وفيه تخطئة كل الأمة.
وجوابه: ما سبق في المسألة السابقة.
وثانيها: أن الأمة إذا قالت بثبوت الحكم في المسألتين، أو بنفيه عنهما فقد اتفقوا على أنه لا فصل بينهما، فالقول بينهما بالفصل رفع لهذا الإجماع فيكون باطلاً.
وجوابه: منع أنهم اتفقوا عليه بل لم يوجد فيهم من يفصل بينهما وهذا ليس اتفاقًا منهم على عدم الفصل، وإلا لكان كل ما ليس قولاً لهم باطلاً، وفيه بطلان أكثر وجوه الاستدلالات، والطائف المستنبطة من الآيات.
وثالثها: أن الأمة إذا اختلفت على قولين فقد أوجبت على كل مكلف الأخذ بأحد ذينك القولين فيها، وحظرت الأخذ بغيرهما، وتسويغ القول الثالث يرفع هذا الإجماع فيكون باطلاً.
وجوابه: ما سبق من أنه مشروط بعدم ظهور قول آخر فإذا ظهر زال الحكم لزوال شرطه.