الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روي عنه آحادًا "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها".
وجوابه: أنه مخصص لا ناسخ؛ وهذا لأن النص يقتضي أن يكون كل ما
عدا المذكورات حلالاً أخرج عنه الخبر بعضه فيكون تخصيصًا لا ناسخًا، وإنما يتعين أن يكون نسخًا لو أثبتوا أنه ورد بعد العمل بمقتضى الآية فحينئذ يكون ناسخًا إذ لا يجوز تأخير بيان المخصص عن وقت العمل وفاقًا.
المسألة الثانية
[نسخ الكتاب بالسنة المتواترة]
يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة عند جماهير الفقهاء: نحو مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين، وأصحابهم، والمتكلمين من الفريقين. وقال هؤلاء: بوقوعه أيضًا.
ونقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه لا يجوز، وهو مذهب أكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإليه ذهب المتكلمين من أصحابنا القلانسي والحارث
المحاسبي، وعبد الله بن سعيد القطان، والأستاذ أبو إسحاق، وأبو منصور البغدادي ونقل الإمام عنه مشعر بثبوت الخلاف في الوقوع لا في الجواز.
حيث قال: قال الشافعي رضي الله عنه: لم يقع، وهو خلاف نقل الجماعة.
وقال ابن سريج يجوز لكنه لم يقع.
واحتج المجوزون على الجواز بأن الكتاب مقطوع به في المتن والدلالة لو فرض كذلك، والسنة المتواترة الناسخة أيضًا كذلك إذ نفرض الكلام فيه، فيجوز نسخه لتساويهما في ذلك. كما يجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة المتواترة بالسنة المتواترة.
واحتجوا على الوقوع بوجوه:
أحدها: أنه نسخ قوله عليه السلام: "ألا لا وصية لوارث".
آية الوصية. وهو ضعيف من وجهين:-
أحدهما: ما سبق من أن الناسخ لها آية الميراث لا الخبر.
وثانيهما: أن ذلك يقتضي نسخ المتواتر بخبر الواحد وهو غير جائز لما تقدم، ولأن أكثر الخصوم يسلمون ذلك.
فإن قلت: لعله كان متواترًا، كما ذكرتم.
قلت/ (367/ ب): المستدل لا يكفيه لعل وعسى، بل يجب عليه الإثبات على الجزم "ونحن كنا مانعين في المسألة السابقة فلذلك كفانا الاحتمال" ولا يمكن الاستدلال على كونه متواترًا بما تقدم من أنه يقتضي الجمع بين الدليلين؛ لأن الخصم هذا يحاول نفي كونه ناسخًا، بخلاف المسألة
السابقة. فإنا إنما قلنا: ذلك على تقدير تسليم كونه ناسخًا.
وثانيهما: أنه نسخ قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} بما روى عنه عليه السلام "أنه أمر بقتل ابن الأخطل وإن كان متعلقًا بأستار الكعبة".
وجوابه: منه أنه نسخ به، بل نسخ بقوله تعالى:{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} . ثم الذي يؤكده أن أمره بقتل ابن الأخطل ليس من قبيل المتواتر، فلو نسخ به لزم نسخ الكتاب بخبر الواحد، وأنه غير جائز لما تقدم.
وثالثها: أن آية الحبس في البيوت. ونسخت آية الجلد، بما تواتر من مجموع قوله: وهو قوله "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". ومن حكمه: وهو حكمه على ماعز بالرجم، وإنما قلنا: بما تواتر من مجموع قوله وحكمه ليصير التواتر معنويًا، ويندفع المنع المتوجه إلى كل واحد منهما بأنه من قبيل الآحاد، وهذا لو سلم أن نقل حكمه بالرجم من قبيل الآحاد.
وفيه نظر
فإن قلت: لا نسلم أنه نسخ بالسنة، بل بما كان قرآنًا، وهو قوله:"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله وروسوله".
فإنه روى عن عمر رضي الله عنه أن ذلك من جملة ما أنزل.
قلت: إنه لم يكن قرآنًا؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد وفيه ما تقدم من المنع.
وقد نفى ذلك بوجه آخر، وهو أن ذلك لم يكن قرآنًا لما روى أن عمر رضي الله عنه قال:"لولا أن يقول الناس [إن] عمر زاد في كتاب الله تعالى [شيئًا] لألحقت ذلك بالمصحف".
ولو كان قرآنًا لما قال ذلك. وهو ضعيف؛ لأن ذلك يقدح في كونه قرآنًا في الحال، لا في كونه كان قرآنًا في الماضي "لأن" بتقدير أنه كان من
القرآن، لكن نسخت تلاوته وحكم بإخراجه من المصحف كفى ذلك في صحة قول عمر رضي الله عنه.
واحتج من قال: بعدم جوازه بوجوه:-
أحدها: قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم أن الله على كل شيء قدير} .
ووجه الاستدلال به من وجوه:
أحدها: أنه قال: {نأت بخير منها} ، وذلك يفيد أنه المنفرد بالإتيان/ (368/ أ) بذلك الخير.
أما أولاً: فلأنه جعله جزاء للشرط والجزاء يترتب حيث يترتب الشرط، فلو جاز إتيان غيره بذلك الخير عند النسخ لم يكن إتيانه بالخير جزاء له.
وأما ثانيًا: فلأنه ذكره في سياق المدح، والمدح الكامل إنما يحصل لو كان هو منفردًا بذلك، وإذا كان هو منفردًا بذلك وجب أن يكون قرآنًا، لأنه هو المنفرد بذلك دون السنة التي يأتي بها الرسول.
وثانيها: أنه قال {نأت بخير منها أو مثلها} وذلك يفيد أن يكون من جنسها؛ لأن الرجل إذا قال: ما أخذ منك ثوبًا إلا أتيتك بخير منه أو بمثله، يتبادر منه إلى الفهم بأنه يأتيه بثوب من جنسه خير منه أو مثله والتبادر دليل الحقيقة ويكون حقيقة فيه، فيجب حمله عليه إذ لا مانع منه، وحينئذ
يجب أن يكون قرآنًا، لأن جنس القرآن قرآنًا.
وثالثها: أنه وصف المأتى به بأنه خير منها أو مثلها، وذلك يفيد أن يكون قرآنًا لأنه غير القرآن لا يكون خيرًا منه ولا مثلاً له.
ورابعها: أن قوله: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} يفيد أن الذي يأتي بذلك الخير أو المثل هو المختص بالقدرة عليه من حيث إنه ذكر عقيب ذلك النفي الامتناع والاستبعاد {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} فإنه لا يحسن ذكر مثل هذا الكلام عقيب فعل يقدر عليه غير الفاعل، ألا ترى أن الرجل إذا فعل فعلاً يقدر عليه كل "واحد" لا يحسن منه، ان يقول: أنا أفعل هذا وخيرًا منه ألم تعلموا أني على ما أشاء من الأفعال قدير، وحينئذ يجب أن يكون ذلك هو القرآن دون غيره.
وجوابه: من وجوه:
أحدها: أن الآية ظاهرة في نسخ الآية نفسها وهو نسخ تلاوتها "دون" حكمها، والخصم يحتمل أن يسلم الحكم في نسخ التلاوة، فلم قلتم: إن الحكم في نسخ الحكم كذلك، فلقائل: أن يقول: لا نسلم أن الآية ظاهرة في نسخ التلاوة فقط. وهذا لأن نسخ الآية أعم من نسخ تلاوتها، ونسخ حكمها وهو نسخ حكم من أحكامها، فإن التلاوة حكم من أحكامها وهو
القدر المشترك بينهما بدليل أنه استعمل فيهما، إذ يقال آية الاعتداد بالحول، منسوخة بآية التربص بأربعة أشهر وعشرًا.
وآية إثبات الواحد للعشرة، منسوخة بآية "ثبات" الواحد للاثنين.
ويقال: آيات الموادعة والمسالمة مع الكفار، منسوخات بآية القتال، ويستعمل حيث تكون نفس التلاوة منسوخة/ (368/ ب) دون الحكم، كما في قوله:(والشيخ والشيخة)، وهو متفق عليه، فوجب جعله حقيقة فيهما بحسب القدر المشترك دفعًا للاشتراك والمجاز، وحينئذ يجب حمله عليهما دفعًا للإجمال وتكثيرًا للفائدة.
سلمنا: أنه حقيقة في نسخ التلاوة، لكنه لما وجب هذا الحكم في حقيقة التلاوة، وجب أن يعتبر في الحكم ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
وثانيها: أن قوله {نأت بخير منها} ليس فيه دلالة على أن ذلك الخير يجب أن يكون ناسخًا، بل لا يمتنع أن يكون ذلك الخير آية أخرى مغايرة للناسخ يحصل بعد حصول النسخ، وحينئذ "لا يمنع" نسخ حكم الكتاب وتلاوته بالسنة. ثم الذي يدل على أن المراد من ذلك الخير غير الناسخ هو أن قوله:{نأت بخير منها} جزاء للشرط المتقدم وهو قوله: {ما ننسخ} والجزاء متأخر بالرتبة عن الشرط ومترتب عليه والنسخ مترتب على الناسخ ضرورة أن الفعل متأخر بالرتبة عن الفاعل موجبًا كان أة مختارًا، فلو كان المراد من ذلك الخير هو الناسخ، لزم "ترتب" كل واحد منهما على الآخر، وهو دور. لا يعارض هذا: بأنه تعالى جعل إتيانه بالخير جزاء للنسخ والجزاء مما يجب حصوله عند حصول الشرط وغير الناسخ لا يجب حصوله عند حصول النسخ فلا يجوز أن يكون مرادًا منه؛ لأنا نمنع؛ وهذا لأن الله تعالى وعد بإتيانه الخير عند النسخ، وقد دل الدليل على أنه لا يجوز أن يكون المراد منه هو الناسخ، فوجب أن يكون غيره، وحينئذ يجب حصوله نظرًا إلى وعده ونظرًا إلى أنه جعله جزاء له.
وأما قوله: وغير الناسخ لا يجب حصوله عند حصول النسخ.
قلنا: نعم لكن نظرًا إلى نفس النسخ لا إلى غيره، ونحن إنما أوجبنا ذلك لأمر خارجي لا لنفس النسخ، فلا يكون منافيًا لما ذكرنا.
ولا يدفع هذا بأنه قول: لم يقل: به أحد، لأن من لم يجوز نسخ الكتاب بالسنة. قال: المراد من ذلك الخير هو الناسخ، ومن جوز ذلك لم يوجب أن يؤتى بآية أخرى تقام مقام المنسوخ، إما في الحكم أو في التلاوة
على تقدير نسخه بالسنة.
فالقول: بوجوب الإتيان بذلك الخير على تقدير نسخ الكتاب بالسنة قول لم يقل به أحد، لأنا نمنع حجة مثل هذا الإجماع.
"سلمناه": لكنا لا نسلم أنه قول لم يقل به أحد، إذ ليس منهم إطلاق وإشارة عليه غايتع أنه لم يوجد ما يدل على أنه قول أحد منهم، لكن عدم الوجدان/ (369/ أ) لا يدل على العدم.
وثالثها: وهو الجواب على الوجه التفصيل: وهو أن يقول: لا نسلم دلالة الآية على المطلوب، قوله: في الوجه الأول: إنها تفيد أنه تعالى هو المنفرد بالإتيان بذلك الخير، وهو القرآن لا غيره.
"قلنا: لا نسلم أنه تعالى هو المنفرد بذلك، لكن لا نسلم أن ذلك هو القرآن لا غيره" وهذا لأن السنة وإن نسخت لكن الآتي بذلك الخير الذي هو مدلول السنة، إنما هو الله تعالى، والرسول إنما هو مبلغ فلا يجب أن يكون ذلك الخير قرآنًا.
وأما قوله: في الوجه الثاني: إن ذلك الخير لا بد وأن يكون من جنس القرآن فممنوع.
[والمثال] الذي ذكروه في الدلالة عليه فمعارض بمثال آخر، نحو ما يقال: ما تفعل معي من حسنة إلا وآتيك بخير منها، فإن هذا لا يقتضي
أن ما يفعله المكافي يكون من جنس ما فعله المكافي، ألا ترى أنه يحسن ذلك وإن كان فعل المحسن إقراضًا وفعل المحسن إليه إنقاذًا من الغرق أو الحرق وتخليصًا من العدو.
فإن قلت: إنما يفعله المحسن من جنس الحسنة المذكورة، والسنة ليس من جنس الآية المذكور في الآية.
قلت: الضمير لا يرجع إلى اللفظ إلا باعتبار مدلوله المراد منه، بدليل أن الاسم المشترك إذا استعمل في أحد مفهوميه، ثم أعيد إليه الضمير، فإنه لا يرجع إليه باعتبار ذلك المعنى. والمراد من الحسنة في قوله: ما يفعل معي من حسنة، ليس هو كل واحد واحد مما صدق عليه اسم الحسنة، وإلا لكان الضمير في قوله: أتيك بخير منها، راجعًا إليه لكنه باطل لاستحالة الإتيان بما هو خير من كل الحسنة، ولا ما صدق عليه اسم الحسنة وإلا لكان الضمير راجعًا إليه، وحينئذ لو أتى، بما هو خير [منه] من حسنة ولو كانت دون حسنة لكفى لكنه باطل، بل المراد منها الحسنة المفعولة.
أو يقال: إن المراد منها وإن كان غيرها لكن الضمير لا يرجع إلا إليها وحينئذ يعود ما ذكرناه من أنها لا تجب أن تكون من جنس حسنة المكافأ على أنا نعدل منه إلى مثال أظهر منه نحو ما يقال: ما أخذ منك درهما إلا آتيك بخير منه، فإنه لا يدل على أن الذي يأتي به إنما هو الدرهم، بل قد يكون غيره.
سلمنا: أن ما هو موصوف بالخير لا بد وأن يكون من جنس ما سبق.
لكن يقول: المراد من قوله: {ما ننسخ من آية} ، ما ننسخ من حكم آية ليكون متناولاً للفظ والمعنى، لما ثبت أن نسخ الآية أعم من نسخ تلاوتها أو
حكمها، وحينئذ يكون الحكم/ (369/ ب) الثابت بالسنة الناسخ لحكم الكتاب من جنس ما تقدم.
وعن الثالث: أن المراد من الخير إذا كان ما هو أسهل على المكلف فعله وأجزل ثوابًا له في المعاد.
فلم قلتم: إن ما بينته السنة لا يكون خيرًا مما بينته الآية؟
وعن الرابع: أنا نسلم أن الله تعالى هو المنفرد بإتيان ذلك الخير سواء كان ذلك الخير مضمون الآية أو مضمون السنة، لأن الكل من عند الله تعالى بوحي قال الله تعالى:{[و] ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ، لكن منه ما يتلى وهو الكتاب ومنه ما يتلى وهو السنة، ولو جوز صدور الأحكام منه بالاجتهاد فلا شك أن مثله لا يكون ناسخًا فضلاً عن أن يكون ناسخًا للكتاب.
وثانيها: قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس} .
ووجه الاستدلال به من وجهين:
أحدهما: أنه تعالى أخبر أنه هو الذي يبدل الآية وذلك يدل على أنه لا
يبدل غيره الآية، لأنه حينئذ لا يكون التبديل مضافًا إليه ولا يكون بالآية أيضًا.
وثانيهما: أن المشركين كانوا يقولون عند تبديل الآية بالآية إنما أنت مفتر والله تعالى أزال هذا الاتهام بقوله: {قل نزله روح القدس من ربك} وذلك يدل على أن ما لا يكون من روح القدس لا يكون مزيلاً للاتهام [و] في نسخ الكتاب بالسنة تأكيد الاتهام فيكون باطلاً.
وجواب الأول: أنا نمنع أن التبديل لا يقع من غيره، ولا نسلم أن قوله:{وإذا بدلنا آية مكان آية} يقتضى أن لا يقع التبديل من غيره.
-[ولا نسلم أن قوله] ولا بغير الآية- لأن القول بمفهوم الاسم باطل.
سلمنا: أنه يقتضى أن لا مبدل إلا الله تعالى، لكن لا نسلم أن هذا يقتضى أن لا يقع التبديل بالسنة، فهذا فإن الناسخ هو الله تعالى سواء ظهر ذلك بالكتاب، أو بالسنة.
وعن الوجه الثاني: أن مضمون السنة أيضًا مما ينزله روح القدس، فيكون مزيلاً للاتهام، وهذا لا يقوى؛ لأنه يكون بالإلهام.
فالأولى أن يقال: إن التهمة إنما تتطرق إليه من الشك في نبوته وعند ذلك
لا تزول التهمة، سواء نسخ القرآن بالقرآن أو بالسنة، لأنا لا نسمع القرآن إلا منه ولا تزول هذه التهمة إلا بالنظر في معجزاته.
وأما من لا يكون شاكًا في ذلك فإنه لا تهمه سواء نسخ القرآن بالقرآن أو بالسنة، فلا عبرة بذلك الاتهام مع وجود ما يزيله.
وثالثها: قوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} فوض بيان المنزل وهو القرآن إليه، والنسخ رفع وإبطال وهو ضد البيان.
وجوابه: أن النسخ أيضًا بيان، فإنه بيان انتهاء الحكم، وإن ما بعده غير مراد من الخطاب كالتخصيص ولو اقتضى تفويض البيان إليه أن لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة/ (370/ أ) لاقتضى أن لا يجوز تخصيصه به.
سلمنا: أنه ليس بيانًا لكن تفويض البيان إليه لا يقتضى أن لا يكون ناسخًا فإنه يجوز وصف الإنسان بوصفين مختلفين أو متضادين في زمانين.
سلمنا: أنه ينافي ذلك لكن لا نسلم أن الوارد من البيان بيان المجمل حتى يكون الرفع والإبطال منافيًا له، بل المراد منه إظهار المنزل، وحينئذ لم قلتم "إن نسخ حكمه" بالسنة منافيًا له، بل هو مقتضى له، لأنه إظهار
للمنسوخ وهو أعم من أن يكون بالقرآن أو بالسنة.
ورابعها: قوله تعالى {[قال] الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ} .
وهذا دليل على أنه لا يجوز تبدل القرآن بغيره.
وجوابه: أنه ظاهر في تبديل الآية نفسها لا في تبديل حكمها.
سلمنا: أنه ظاهر فيهما، لكن إنما يبقى التبديل من تلقاء النفس ولا يبقى التبديل بالوحي والسنة أيضًا وحي وليس كل وحي قرآنًا حتى تتم الدلالة عليه.
وخامسها: أن نسخ القرآن بالسنة يوجب التهمة والنفرة فوجب أن لا يجوز.
وجوابه: ما تقدم من أن التهمة زائلة بالتمسك بمعجزاته وكذلك النفرة
لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} .
سادسها: أن السنة إنما يجب العمل بمقتضاها بالكتاب. لما تقدم من الآيات في وجوب التأسي به يجوز.، فيكون فرعًا له، والفرع لا يرفع الأصل، كالقياس لا يرفع مقتضى النص.
وجوابه: من وجوه:-
أحدها: أنه لا ترفعه، بل تبينه كالتخصيص، فإن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم.
سلمنا: أنه رفع لكنها لا ترفع أصلها الذي دل على وجوب العمل بها، بل ترفع مقتضى غير أصله وهو ما لا يتضمن إيجاب العمل بها.
وثانيها: أنها ترفع نفس أصلها وهو القرآن، بل حكمه وحكمه ليس أصلاً لها.
وثالثها: المعارضة بوجه آخر، وهي: ما ذكرتم يقتضى جواز النسخ بالسنة، فإن الرسول إذا شافهنا بأن حكم هذه الآية منسوخ، فإنه إن لم يقبل قدح ذلك في دلالة تلك الآيات على وجوب متابعته.
وإن قيل: لزم تجويز النسخ بها.