الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهل أفسد الدِّينَ إلا الملوكُ
…
وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها (1)
10 - تُفسد العقل وتُؤثر فيه
؛ فإن للعقل نوراً، والمعصية تُطفئ نور العقل، فإذا طفئ نورُه ضعف ونقص، وغاب، وما عصى الله أحد حتى يغيب عقله؛ لأن واعظ القرآن ينهاه، وواعظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله ذو عقل سليم؟
ولا شك أن المعصية إن لم تُفسد العقل فهي تُنقص من كماله، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاصٍ إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل، وفكره أصحّ، ورأيه أسدّ، والصواب قرينه (2).
11 - تطبع على القلب، فإذا تكاثرت طبعت على قلب صاحبها فكان من الغافلين
؛ لأن القلب يصدأ من المعصية، فإذا ازدادت غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وختماً، وقفلاً، فيصير في غشاوة وغلاف (3)، قال الله عز وجل:{كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (4).
12 - الذنوب تطفئ غيرة القلب
؛ فإنّ أشرف الناس وأعلاهم همّةً
(1) المرجع السابق، ص114.
(2)
انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص114.
(3)
انظر: المرجع السابق، ص153.
(4)
سورة المطففين، الآية:14.
أشدّهم غيرةً على نفسه وخاصته، وعموم الناس؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة، والله عز وجل أشد غيرة منه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:((أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مُبشّرين ومُنذِرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة)) (1).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أُمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته يزني، يا أُمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم [الله] عليه)) (3).
وعن جابر بن عتيك مرفوعاً: ((إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يُبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يُبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة، وأما التي يُبغض الله فالغيرة في غير الريبة،
(1) متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا شخص أغير من الله)) 8/ 220،برقم 7416، ومسلم، كتاب اللعان،2/ 1136،برقم 1499.
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، 6/ 191، برقم 5221.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، 6/ 196، برقم 5223، ومسلم، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، 4/ 2114، برقم 2761، واللفظ له، وما بين المعقوفين من صحيح البخاري.
والاختيال الذي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض الله عز وجل الخيلاء في الباطل)) (1)، والمقصود بالغيرة في الريبة: الغيرة في مواضع التهمة والتردّد، فتظهر فائدتها، وهي الرهبة والانزجار، وإن كانت الغيرة بدون ريبة فإنها تورث البغض والفتن (2)، والاختيال في الصدقة أن يكون سخياً، فيعطي طيبة بها نفسه، فلا يستكثر كثيراً، ولا يعطي منها شيئاً إلا وهو مستقلّ، وأما الحرب: فأن يتقدم فيها بنشاط وقوة وعدم جبن (3).
والمقصود أن المعاصي كلما اشتدّت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه، وأهله، وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جداً حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه، ولا من غيره، وإذا وصل إلى هذا الحدّ، فقد دخل في باب الهلاك؛ ولهذا كان الدّيوث من أخبث الخلق، والجنة حرام عليه؛ لأنه لا غيرة له؛ ولهذا رضي بالسوء في أهله، وهذا يدلّ على أن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب وتحمي له الجوارح، وتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة تميت القلب، فتموت له الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة، وهذا يبين أهمية الغيرة ومكانتها (4).
(1) النسائي، كتاب الزكاة، باب الاختيال في الصدقة، 5/ 78، برقم 2558، وأحمد في المسند،
5/ 445، وله شاهد عند ابن ماجه، برقم 1996، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني بطرقه في إرواء الغليل، 7/ 58، برقم 1999.
(2)
انظر: حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 79.
(3)
انظر: شرح السيوطي على سنن النسائي، 5/ 79.
(4)
انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص130 - 131.