الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موارد الهداية، قال الله عز وجل:{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (1)، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال:((إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية)) (2)، وقال الشافعي رحمه الله:
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي
…
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ
…
ونورُ الله لا يُهدَى لعاصي (3)
3 - الوحشة في القلب بأنواعها:
وحشة بين العاصي وبين ربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الخلق، وكلّما كثرت الذنوب اشتدّت الوحشة، والوحشة التي بين العاصي وبين ربه لا توازنها، ولا تقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت له لذّات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة، ولو لم تُترك الذنوب إلا حذراً من الوقوع في تلك الوحشة لكان العاقل حريّاً بتركها.
وأما الوحشة التي بين العاصي وبين الناس، ولاسيما أهل الخير منهم؛ فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلّما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالستهم، وحُرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان، بقدر ما بَعُدَ من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً بنفسه، قال
(1) سورة الحج، الآية:46.
(2)
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص104، 148، 173، 212.
(3)
ديوان الشافعي، ص88، وانظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص104.
بعض السلف: ((إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلقِ دابتي وامرأتي)) (1)، وقال الفضيل بين عياض رحمه الله:((إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي)) (2).
وسر المسألة أن الطاعة توجب القرب من الربِّ سبحانه، فكلّما قوي القرب قوي الأنس، والمعصية توجب البعد من الربّ، وكلما ازداد البعد قويت الوحشة، والوحشة سببها الحجاب، وكلما غلظ الحجاب زادت الوحشة، فالغفلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشة المعصية، وأشد منها وحشة الشرك والكفر، ولا تجد أحداً ملابساً شيئاً من ذلك إلا ويعلوه من الوحشة بحسب ما لابسه منه، فتعلو الوحشة وجهه، وقلبه، فيستوحِشُ، ويُستوحشُ منه (3).
4 -
الظلمة في القلب؛ فإن العاصي يجد ظلمة في قلبه حقيقة يُحسّ بها كما يُحسّ بظلمة الليل البهيم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسِّية لبصره؛ فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع، والضلالات، والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً فيه يراه كل أحد (4)،قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص105، 144.
(2)
حلية الأولياء، لأبي نعيم، 8/ 109.
(3)
انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص144.
(4)
انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص105 - 106.