الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدر، سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء
…
)) (1).
الحديث الثاني:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ، قال:((يُؤتَوْن نورهم على قدر أعمالهم: فمنهم من يُؤتى نوره كالجبل، ومنهم من يُؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يُؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفأُ مرة ويَقِدُ مرة)) (2).
الحديث الثالث:
حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن إكثار المشي في الظلم إلى المساجد يُثمر إعطاء النور التام يوم القيامة، فعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((بشّر المشَّائين في الظّلم إلى المساجد بالنُّور التَّامّ يوم القيامة)) (3).
الحديث الرابع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة، 1/ 178، برقم 191.
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 23/ 179، والحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي على شرط البخاري، 2/ 478.
(3)
أخرجه أبو داود، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في المشي إلى الصلاة، 1/ 154، برقم 561، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة، 1/ 435، برقم 223، وقال:((هو صحيح مسند موقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)). وأخرجه ابن ماجه من حديث سهل بن سعد، وأنس رضي الله عنهما، في كتاب المساجد والجماعات، باب المشي إلى الصلاة 1/ 256، برقم 780، ورقم 781، والحاكم في المستدرك، 1/ 53، وقال الإمام المنذري عن رواية أبي داود والترمذي:((ورجال إسناده ثقات)) الترغيب والترهيب، 1/ 289، وقال العلامة الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح للتبريزي، 1/ 224:((الحديث صحيح لشواهده الكثيرة، عن جماعة من الصحابة جاوزوا العشرة، وقد خرجتها في صحيح أبي داود، برقم 570)).
ليضيء للذين يتخلّلون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة)) (1)، وذكر الطيبي، والمناوي، ثم المباركفوري: أن هذا النور يحيط بالمشَّائين إلى المساجد في الظُّلَم من جميع جوانبهم على الصراط، لمَّا قاسوا مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضيء لهم ويحيط بهم على الصراط ووصف النور بالتامّ، وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة، وقولهم فيه:{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} ، وإلى قصة المنافقين وقولهم للمؤمنين:{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} ، وفيه أن من انتهز هذه الفرص، وهي المشي إلى المساجد في الظلم في الدنيا كان مع النبيين، والذين آمنوا: من الصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً (2).
ولا شك أن سرعة المرور على الصراط بحسب النور، فمن كان نوره أعظم كان مروره على الجسر أسرع، وهو أحدُّ من السيف، وأدقُّ من الشعر، فمن الناس من يمرّ عليه ويتجاوزه كلمح البصر، ومنهم من يمرّ كالبرق، ومنهم من يمرّ كالريح، ومنهم من يتجاوزه كالطير، ومنهم من يمرّ كالفرس الجواد، ومنهم من يمرّ كركاب الإبل (3)، ومنهم من يزحف
(1) الطبراني في المعجم الأوسط، 2/ 43، برقم 680، [مجمع البحرين في زوائد المعجمين]، وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 290:((رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:((وإسناده حسن)) 2/ 30.
(2)
انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 3/ 941 - 942، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، 3/ 201، وتحفة الأحوذي، للمباركفوري، 2/ 14.
(3)
هذه الدرجات الست في صحيح مسلم، كتاب الإيمان، معرفة طريقة الرؤية، 1/ 169، برقم 183، قال أبو سعيد الخدري:((بلغني أن الجسر أدق من الشعر، وأحد من السيف))، مسلم،
1/ 171، رواية الحديث رقم 183، والبخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، 8/ 228، برقم 7439.
زحفاً (1) حتى يجيء آخرهم يسحب سحباً (2).
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن الأنوار تقسم دون الجسر على حسب الأعمال، فيُعطَى العبد من النور هناك بحسب قوة نوره، وإيمانه، ويقينه، وإخلاصه، ومتابعته للرسول صلى الله عليه وسلم في دار الدنيا، فقال رحمه الله:((فمنهم من يكون نوره كالشمس (3)، ودون ذلك كالقمر، ودونه كأشدِّ كوكبٍ في السماء إضاءة، ومنهم من يكون نوره كالسراج في قوّته وضعفه، وما بين ذلك، ومنهم من يُعطَى نوراً على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أخرى، بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا، فهو هذا النور الذي بعينه أبرزه الله لعبده في الآخرة ظاهراً يُرى عِياناً بالأبصار، ولا يستضيء به غيره، ولا يمشي أحدٌ إلا في نور نفسه، إن كان له نور مشى في نوره، وإن لم يكن له نورٌ أصلاً لم ينفعه نور غيره، ولما كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمر ولا متصل بباطنه، ولا له مادة من الإيمان أُعطي في الآخرة نوراً ظاهراً لا مادة له، ثم يُطفأ عنه أحوج ما كان إليه)) (4).
وبيّن رحمه الله أن مشي الناس على الصراط بحسب سرعتهم في الخير
(1) من رواية لمسلم، 1/ 187، برقم 195.
(2)
من رواية للبخاري، برقم 7439، وانظر: معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي،
2/ 850 - 857.
(3)
انظر: مسند الإمام أحمد، 2/ 77، 2/ 222، وشرح أحمد شاكر للمسند، برقم 6650، 7072.
(4)
اجتماع الجيوش الإسلامية، لابن القيم، 2/ 86.
في الدنيا، فقال: ((مشيهم على الصراط في السرعة والبطء بحسب سرعة سيرهم وبطئه على صراط الله المستقيم في الدنيا، فأسرعهم سيراً هنا أسرعهم هناك، وأبطأهم هنا أبطأهم هناك، وأشدهم ثباتاً على الصراط المستقيم هنا أثبتهم هناك، ومن خطفته كلاليب الشهوات، والشبهات، والبدع المضلّة هنا خطفته الكلاليب التي كأنها شوك السعدان هناك، ويكون تأثير الكلاليب فيه هناك على حسب تأثير كلاليب الشهوات والشبهات والبدع فيه هاهنا، فناج مُسَلَّم، ومخدوش مُسَلَّم، ومخزول
- أي مقطع بالكلاليب - مُكردس في النار كما أثَّرت فيه تلك الكلاليب في الدنيا {جَزَاءً وِفَاقًا} ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (1).
20 -
وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (2).
ضَمِن الله عز وجل للمؤمنين بالتقوى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أعطاهم نصيبين من رحمته: نصيباً في الدنيا ونصيباً في الآخرة، وقد يضاعف لهم نصيب الآخرة فيصير نصيبين.
الأمر الثاني: أعطاهم نوراً يمشون به في الظلمات.
الأمر الثالث: مغفرة ذنوبهم، وهذا غاية التيسير، فقد جعل سبحانه التقوى سبباً لكل يسر، وتَرْكَ التقوى سبباً لكل عسر (3).
(1) المرجع السابق، 2/ 86 - 87.
(2)
سورة الحديد، الآية:28.
(3)
الضوء المنير على التفسير، من كتب ابن القيم، للصالحي، 5/ 624.
وهذا الخطاب في هذه الآية فيه قولان لأهل التفسير:
1 -
قيل تُحمل على مؤمني أهل الكتاب، وأنهم يُؤتَوْن أجرهم مرتين؛ لإيمانهم بأنبيائهم، ثم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيُعطَون بذلك: نصيبين من الأجر، كما قال سبحانه وتعالى:{أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (1).
فلا شك أن من آمن من أهل الكتاب بنبيه، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه يُعطَى أجرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به، واتّبعه، وصدّقه، فله أجران، وعبد مملوك أدَّى حقّ الله تعالى، وحقَّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمةٌ فغذَّاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوّجها، فله أجران)) (2).
2 -
وقيل: هي في حق هذه الأُمَّة؛ لِمَا ذكره سعيد بن جبير أن أهل الكتاب افتخروا بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، فأنزل الله عز وجل هذه الآية في حق هذه الأمة (3).
ومما يؤيّد هذا القول ما رواه أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجُلٍ استأجر قوماً يعملون له يوماً
(1) سورة القصص، الآية:54.
(2)
متفق عليه من حديث أبي موسى رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجهاد، باب فضل من أسلم من أهل الكتابين، 4/ 25، برقم 3011، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، 1/ 134، برقم 154، واللفظ له.
(3)
أخرجه ابن جرير بسنده، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 23/ 209.
إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملاً، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقية يومكم هذا، ولكم الذي شرطتُ لهم من الأجر، فعملوا، حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قوماً أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومَثَل ما قبلوا من هذا النور)) (1).
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((ويُحتمل أن يكون الأمر عاماً يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم، وهذا هو الظاهر، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين: ظاهره وباطنه، أصوله وفروعه، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم أعطاهم {كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}: لا يعلم قدرهما ولا وصفهما إلا الله تعالى: أجر على الإيمان، وأجر على التقوى، وأجر على امتثال الأوامر، وأجر على اجتناب النواهي، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى)) (2).
وقوله تعالى: {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} : وفي هذا أقوال:
1 -
قيل: النور هنا: القرآن الكريم.
(1) البخاري، كتاب الإجارة، باب الإجارة من العصر إلى الليل، 3/ 69، برقم 2271.
(2)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص782.
2 -
وقيل: الهدى.
قال الإمام الطبري رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكْرُهُ: وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نوراً يمشون به، والقرآن مع اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم نور لمن آمن بهما، وصدّقهما، وهدىً؛ لأن من آمن بذلك فقد اهتدى)) (1).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((يعني هدى يتبصّرون به من العمى والجهالة، ويغفر لكم، ففضلهم بالنور والمغفرة
…
وهذه الآية (2) كقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (3).
وقال العلامة السعدي رحمه الله: {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} : أي يُعطيكم علماً، وهدىً، ونوراً تمشون به في ظلمات الجهل، ويغفر لكم السيئات {وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ، فلا يستغرب كثرة هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عمّ فضله أهل السموات والأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين، ولا أقلّ من ذلك)) (4).
وقوله تعالى: {تَمْشُونَ بِهِ} ، قيل: تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام (5).
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 23/ 213.
(2)
تفسير القرآن العظيم، 4/ 318.
(3)
سورة الأنفال، الآية:29.
(4)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص783.
(5)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 17/ 256.
وقيل: تمشون به على الصراط (1).
وقد جمع بين هذين القولين الإمام ابن القيم رحمه الله، فقال:((وفي قوله: {تَمْشُونَ بِهِ} إعلام بأن تصرفهم وتقلّبهم الذي ينفعهم إنما هو بالنور، وأنّ مشيهم بغير نور غير مجدٍ عليهم، ولا نافع لهم، بل ضرره أكثر من نفعه، وفيه أن أهل النور هم أهل المشي، ومن سواهم أهل الزمانة والانقطاع، فلا مشي لقلوبهم، ولا لأحوالهم، ولا لأقوالهم، ولا لأقدامهم إلى الطاعات، وكذلك لا تمشي على الصراط، إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم، وفي قوله تعالى: {تَمْشُونَ بِهِ} نكتة بديعة، وهي أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم، كما يمشون بها بين الناس في الدنيا، ومن لا نور له فإنه لا يستطيع أن ينقل قدماً عن قدم على الصراط، فلا يستطيع المشي أحوج ما يكون إليه)) (2).
(1) تفسير البغوي، 4/ 302.
(2)
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، 2/ 43.