الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ظلمات البدعة
*
المسلك الأول: مفهومها:
البدعة: لغة: الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال (1)، ويقال:((ابتدعتُ الشيء، قولاً أو فعلاً إذا ابتدأته عن غير مثال سابق)) (2)، وأصل مادة ((بدع)) للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (3)، أي: مخترعهما من غير مثال سابق متقدم (4).
والبدعة في الاصطلاح الشرعي لها عدة تعريفات عند العلماء ويكمِّل بعضها بعضاً، منها:
1 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((البدعة في الدين: هي ما لم يشرعْه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب، ولا استحباب)) (5).
((والبدعة نوعان: نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، وهذا الثاني يتضمَّن الأوّل، كما أن الأوّل يدعو إلى الثاني)) (6). ((وكان الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم: أن الأعمال
(1) القاموس المحيط، باب العين، فصل الدال، ص 906، ولسان العرب، 8/ 6، وفتاوى ابن تيمية، 35/ 414.
(2)
معجم المقاييس في اللغة لابن فارس، ص 119.
(3)
سورة البقرة، الآية: 117، وسورة الأنعام، الآية:101.
(4)
الاعتصام للشاطبي،1/ 49،وانظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة ((بدع))، ص 111.
(5)
فتاوى ابن تيمية، 4/ 107 - 108.
(6)
المرجع السابق، 22/ 306.
عبادات وعادات))، فالأصل في العبادات أنه لا يُشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أنه لا يحظر منها إلا ما حظر الله)) (1).
وقال أيضاً: ((والبدعة ما خالف الكتاب والسنة، أو إجماع سلف الأمة: من الاعتقادات، والعبادات: كأقوال الخوارج، والروافض، والقدرية، والجهمية، وكالذين يتعبّدون بالرقص والغناء في المساجد، والذين يتعبّدون بحلق اللحى، وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبّد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم)) (2).
2 -
قال الشاطبي رحمه الله تعالى: ((البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي (3) الشرعيَّة، يُقصدُ بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله سبحانه)).
وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصُّها بالعبادات، وأما على رأي من أدخل الأعمال العاديّة في معنى البدعة، فيقول ((البدعة: طريقة في الدِّين مخترعةٌ، تضاهي الشّرعيّة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية)) (4).
ثم قرّر رحمه الله تعالى على تعريفه الثاني أن العادات من حيث هي عادية لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبّد بها، أو تُوضع وضع التّعبُّد تدخلها البدعة، فحصل بذلك أنه جمع بين التعريفين، ومثل للأمور
(1) المرجع السابق، 4/ 196.
(2)
فتاوى ابن تيمية، 18/ 346، وانظر: 35/ 414 من المرجع نفسه.
(3)
تضاهي: يعني أنها تشبه الطريقة الشرعية من غير أن تكون الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها. انظر: الاعتصام للشاطبي، 1/ 53.
(4)
الاعتصام، 1/ 50 - 56.
العادية التي لابدّ فيها من التعبُّد: بالبيع، والشراء، والنكاح، والطلاق، والإيجارات، والجنايات
…
لأنها مقيّدة بأمور وشروط وضوابط شرعية لا خيرة للمكلَّف فيها (1).
3 -
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى (2): ((والمراد بالبدعة ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعةً لغةً، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدِّين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.
أما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك قال:((نعمة البدعة هذه)) (3)
…
ومراده رضي الله عنه أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها.
فمنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على قيام رمضان، ويرغِّب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً، وهو صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع من ذلك مُعلِّلاً، بأنه خشي
(1) المرجع السابق، 2/ 568، 569، 570، 594.
(2)
جامع العلوم والحكم، 2/ 127 - 128 بتصرف يسير جداً.
(3)
انظر: صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان،2/ 308،برقم 2010.