الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلمُهُ فكتمه أُلجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار)) (1).
ثامناً: التشبه بالكفار وتقليدهم
من أعظم ما يُحدث البدع بين المسلمين، ومما يدل على ذلك حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حديثو عهدٍ بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح، قال: فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلِّقون بها أسلحتهم، يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال:((الله أكبر وقلتم، والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (2)، لتركبنَّ سنن من كان قبلكم)) (3)، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن التشبه بالكفار هو الذي حمل بني إسرائيل على أن يطلبوا هذا الطلب القبيح، وهو الذي حمل أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أن يسألوه أن يجعل لهم شجرة يتبَّركون بها من دون الله عز وجل، وهكذا غالب الناس من المسلمين،
(1) الترمذي، في كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، 5/ 29، برقم 2649، وأبو داود، في العلم، باب كراهية منع العلم، 3/ 321، برقم 3658، وابن ماجه، في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه، 1/ 98، برقم 266، ومسند أحمد، 2/ 263، 305، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 336، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 49.
(2)
سورة الأعراف، الآية:138.
(3)
أخرجه بلفظه، أبو عاصم في كتاب السنة، 1/ 37، برقم 76، وحسن إسناده الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة، المطبوع مع كتاب السنة، 1/ 37، وأخرجه الترمذي بنحوه، في كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، 4/ 475، برقم 2180، وقال:((هذا حديث حسن صحيح))، وانظر: النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد، لجاسم بن فهيد الدوسري، ص64 - 65.
قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات، كأعياد المواليد، وبدع الجنائز، والبناء على القبور، ولا شك أن اتباع السَّنَن باب من أبواب الأهواء، والبدع (1) ويزيد ذلك وضوحاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لَتتَّبِعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم: شِبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍّ لاتّبعتموهم)) قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:((فمن))؟ (2)، قال الإمام النووي رحمه الله:((السَّنَن، بفتح السين والنون: وهو الطريق، والمراد بالشبر، والذراع، وجحر الضب: التمثيل بشدّة الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم)) (3).
فظهر أن الشبر، والذراع، والطريق، ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمّه (4)، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبّه بغير أهل الإسلام، فقال:((بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلُّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم)) (5).
(1) انظر: تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص147، ورسائل ودراسات في الأهواء والافتراق والبدع وموقف السلف منها، للدكتور ناصر العقل، 2/ 170، وكتاب التوحيد، للدكتور العلامة صالح الفوزان، ص87.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لتتبعن سنن من كان قبلكم))، 8/ 191، برقم 7320، ومسلم، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، 4/ 2054، برقم 2669.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 460.
(4)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 13/ 301.
(5)
أحمد في المسند، 2/ 50، 92، وصحح إسناده أحمد محمد شاكر في شرحه للمسند، برقم 5114، 5115، 5667، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.