الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (1)، ولا شك أن النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، قال الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر
…
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها
…
كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد مادام ذا طرف يقلبه
…
في أعين الغير موقوف على الخطر
يسر مُقلتَهُ ما ضرَّ مُهجتَهُ
…
لا مرحباً بسرور عاد بالضرر (2)
2 - الخطرة:
والخطرات شأنها أصعب؛ لأنها مبدأ الخير والشر، ومنها تولد الإرادات، والهمّ والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن استهان بالخطرات قادته إلى الهلكات.
والخطرات المحمودة أقسام تدور على أربعة أصول:
*
خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه
.
*
وخطرات يستدفع بها مضارّ دنياه
.
*
وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته
.
*
وخطرات يستدفع بها مضارّ آخرته
.
فليحصر العبد خطراته، وأفكاره، وهمومه في هذه الأقسام الأربعة (3).
3 - اللفظة:
واللفظات حفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، فلا يتكلّم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، وإذا أراد أن يتكلّم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن
(1) سورة النور، الآيتان: 30 - 31.
(2)
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص268.
(3)
انظر: المرجع السابق، ص269 - 276.
كان فيها ربح نظر: هل تفوتُ بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيّعها بهذه، وإذا أردت أن تستدلّ على ما في القلب فاستدلّ عليه بحركة اللسان؛ فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى؛ ولهذا قال يحيى بن معاذ رحمه الله:((القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها، فانتظر حتى يتكلم الرجل، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلوٍ وحامضٍ، وعذبٍ وأجاجٍ يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه)) (1)، والمعنى أنك كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقة ذلك، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه، فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القِدْر بلسانك (2)، فيجب على المرء المسلم أن يحفظ لسانه؛ فإن أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج، واللسان يكبّ الناس على مناخرهم في النار، وربما تكلّم الرجل بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم أبعد ما بين المشرق والمغرب، أو يهوي بها في النار سبعين خريفاً، أو يتكلّم بكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه.
والمؤمن بالله واليوم الآخر يتكلّم بالخير أو يسكت، وإذا حَسُن إسلامه فإنه لا يتكلم إلا فيما يعنيه، واللسان أخوف ما خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم، وكلّ كلام ابن آدم عليه لا له: إلا أمراً بمعروفٍ، أو نهياً عن منكرٍ، أو ذكراً لله عز وجل، والكلام أسيرك، فإذا خرج من فيك صرت أنت أسيره، والله لا يخفى عليه قول القائل، قال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِن
(1) حلية الأولياء، لأبي نعيم، 10/ 63، وانظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص276.
(2)
انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص276.