الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: النور والظلمات في السنة النبوية
جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النور والحث على اكتسابه والترغيب فيه، وسؤال الله عز وجل ذلك، وجاء ذكر الظلمات والتحذير من أسباب ذلك، ومن الأحاديث والآثار في ذلك ما يأتي:
1 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه في آخر الليل إذا ذهب إلى الصلاة في المسجد: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً
، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً، وعظِّم لي نوراً، واجعل لي نوراً، واجعلني نوراً، اللهم أعطني نوراً، واجعل في عصبي نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي دمي نوراً، وفي شعري نوراً، وفي بشري نوراً)) (1).
قال ابن الأثير رحمه الله: ((أراد ضياء الحق، وبيانه، كأنه قال: اللهم استعمل هذه الأعضاء منِّي في الحق، واجعل تصرفي وتقلّبي فيها على سبيل الصواب والخير)) (2).
وقال الإمام النووي رحمه الله: ((قال العلماء سأل النور في أعضائه، وجسمه، وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته، وجملته في جهاته الست، حتى لا يزيغ شيء منها عنه)) (3).
(1) متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه من الليل، 7/ 191، برقم 6316، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، 1/ 525، برقم 763.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب النون مع الواو، مادة ((نور)) 5/ 125.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 291، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، 11/ 118.
ويزيد لك وضوحاً ما بيّنه الإمام القرطبي رحمه الله حيث قال: ((يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نوراً يوم القيامة يستضيء به في تلك الظلم، هو ومن تبعه، أو من شاء الله ممن تبعه، والأولى أن يقال: هذه الأنوار هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (1)، وكما قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} (2) أي علماً وهداية))، ثم قال:((والتحقيق في معنى النور مظهرٌ ما ينسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور الشمس: مظهرٌ للمبصرات، ونور القلب: كاشفٌ عن المعلومات، ونور الجوارح: ما يبدو عليها من أعمال الطاعات، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائماً، والله أعلم)) (3).
وذكر الطيبي رحمه الله: أن معنى طلب النور للأعضاء: عضواً عضواً، أن يتحلَّى بأنوار المعرفة والطاعة، ويتعرّى عن ظلمة الجهالة والمعاصي؛ فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس، فكان التخلص منها بالأنوار السادَّة لتلك الجهات، وكل هذه الأنوار راجعة إلى الهداية، والبيان، وضياء الحق، وإلى مطالع هذه الأنوار يرشد قوله تعالى (4):{الله نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} إلى قوله: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي
(1) سورة الزمر، الآية:22.
(2)
سورة الأنعام، الآية:122.
(3)
المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 395.
(4)
انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 4/ 1183، وفتح الباري، لابن حجر، 11/ 118.