المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٢

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل التاسع في سكتات الصلاة

- ‌المبحث الأول في سكوت الإمام لدعاء الاستفتاح

- ‌الفرع الأول في حكم الاستفتاح

- ‌الفرع الثاني في قول المصلي (وأنا أول المسلمين) إذا استفتح بحديث علي رضي الله عنه

- ‌الفرع الثالث في استحباب الاستفتاح للمأموم

- ‌الفرع الرابع في استفتاح المأموم فيما يجهر به الإمام

- ‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح

- ‌الفرع السادس السنة الاستفتاح الإسرار به

- ‌الفرع السابع في مشروعية سجود السهو لترك الاستفتاح

- ‌الفرع الثامن في فوات الاستفتاح

- ‌المطلب الأول في فوات الاستفتاح إذا شرع بالتعوذ

- ‌المطلب الثاني في استفتاح المسبوق إذا أدرك الإمام قائمَا في غير الركعة الأولى

- ‌المبحث الثاني في استحباب سكتة لطيفة بين الفاتحة والتأمين

- ‌المبحث الثالث في سكوت الإمام بعد الفراغ من التأمين

- ‌المبحث الرابع في حكم السكتة بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع

- ‌الباب السادس القراءة في الصلاة

- ‌الفصل الأول في قراءة الفاتحة وما يرتبط بها

- ‌المبحث الأول في حكم الاستعاذة

- ‌المبحث الثاني في صفة الاستعاذه

- ‌المبحث الثالث في محل الاستعاذه

- ‌المبحث الرابع في الجهر بالاستعاذة

- ‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة

- ‌المبحث السادس في مشروعية البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في قرآنية البسملة

- ‌الفرع الثاني في قراءة البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الثالث في الجهر بالبسملة

- ‌المبحث السابع في قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في حكم قراءتها

- ‌الفرع الثاني

- ‌الفرع الثالث

- ‌الفرع الرابع في تكرار الفاتحة في كل ركعة

- ‌الفرع الخامس في قراءة المأموم فاتحة الكتاب

- ‌الفرع السادس في شروط قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها

- ‌المسألة الثانية في اشتراط الموالاة في قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الثالثة في تنكيس القراءة

- ‌الفرع السابع في العجز عن قراءة الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الأولى إذا لم يحسن القراءة من القرآن مطلقًا

- ‌مطلب في تعين بدل القرآن بجمل معينة

- ‌المسألة الثانية في المصلي إذا لم يعرف إلا بعض الفاتحة فقط

- ‌المسألة الثالثة في المصلي إذا كان معه بعض الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الرابعة في المصلي يعجز عن الفاتحة ويعرف غيرها من القرآن

- ‌المسألة الخامسة في مقدار ما يجزئ عن الفاتحة من القرءان

- ‌المسألة السادسة في اشتراط أن تكون الآيات متوالية منتظمة المعنى

- ‌المسألة السابعة إذا عجز عن القرآن والذكر

- ‌الفرع الثامن في التأمين على دعاء الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في معنى التأمين

- ‌المسألة الثانية في فضل التأمين

- ‌المسألة الثالثة في حكم التأمين

- ‌المطلب الأول في حكم التأمين خارج الصلاة

- ‌المطلب الثاني في التأمين داخل الصلاة

- ‌البند الأول في تأمين المنفرد والإمام

- ‌البند الثاني في تأمين المأموم

- ‌المقصد الأول في تأمين المأموم في السرية

- ‌المقصد الثاني في تأمين المأموم في الجهرية

- ‌الغصن الأول في تأمين المأموم على قراءة نفسه وعلى قراءة إمامه

- ‌الغصن الثاني في تأمين المأموم إذا لم يسمع قراءة إمامه

- ‌الغصن الثالث في تأمين المأموم إذا ترك إمامه التأمين

- ‌المسألة الرابعة في صفة التأمين

- ‌المطلب الأول في صفة تأمين الإمام

- ‌المطلب الثاني في صفة تأمين المأموم

- ‌المطلب الثالث في صفة تأمين المنفرد

- ‌المسألة الخامسة في موافقة المأموم للإمام في التأمين

- ‌المسألة السادسة في فوات التأمين

- ‌المسألة السابعة في حكم الزيادة على التأمين

- ‌الفصل الثاني في الأحكام المتعلقة بقراءة ما زاد على الفاتحة

- ‌المبحث الأول في حكم قراءة ما زاد على الفاتحة للإمام والمنفرد

- ‌الشرط الثاني: ألا يخالفه غيره من الصحابة

الفصل: ‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة

‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة

المدخل إلى المسألة:

* لا يوجد نص ولو ضعيفًا يُؤْثَر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ في غير الركعة الأولى.

* لو كان التعوذ في الركعة الثانية محفوظًا لوجدنا النقل من آثار الصحابة وعملهم بما تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة.

* القراءة في الصلاة قراءة واحدة، والتعوذ في أولها تعوذ لجميعها.

* لا يقطع قراءة المصلي إلا سكوت طويل، أو ذكر طويل غير مشروع، فأما السكوت اليسير والذكر المشروع فلا يقطع القراءة.

* الأصل عدم تكرار التعوذ إلا بتوقيف.

* إذا لم يقطع سجود التلاوة قراءة المصلي مع أنه لا يختص بالصلاة، لم يقطع قراءته الركوع والسجود المختص بالصلاة من باب أولى.

[م-530] اختلف الفقهاء في الاستعاذة للقراءة في الصلاة، أتكفي استعاذة واحدة للصلاة أم تكرر الاستعاذة في كل ركعة؟

فقيل: لا يتعوذ مَنْ تعوذ في الركعة الأولى، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وأحد قولي الشافعي، ورجحه ابن القيم

(1)

.

(1)

. المبسوط (1/ 13)، البحر الرائق (1/ 341)، مجمع الأنهر (1/ 99)، تبيين الحقائق (1/ 119)، العناية شرح الهداية (1/ 309)، الجوهرة النيرة (1/ 54).

قال الشافعي في الأم (1/ 129): «ويقوله في أول ركعة -يعني التعوذ- وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن، ولا آمر به في شيء من الصلاة أمرت به في أول ركعة» .

قال الشيرازي في المهذب تعليقًا على نص الشافعي في الأم (1/ 138): «فمن أصحابنا من قال فيما سوى الركعة الأولى قولان: =

ص: 150

وقيل: يشرع التعوذ للقراءة في كل ركعة، وهذا مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد، رجحها ابن تيمية، وبه قال ابن حزم، واختاره ابن حبيب من المالكية إلا أنه خصه في النافلة. قال الشافعية: إلا أنه في الركعة الأولى آكد

(1)

.

وقال عطاء: إذا صلى أكثر من صلاة كفاه الاستعاذة للصلاة الأولى

(2)

.

* وسبب الخلاف:

اختلافهم في قراءة الصلاة: أهي قراءة واحدة، فيكفي فيها استعاذة واحدة أم أن قراءة كل ركعة مستقلة بنفسها؟

وإذا ركع وسجد، ثم قام، أيعتبر الركوع والسجود فاصلًا طويلًا يفصل قراءته فإذا عاد إلى القراءة شرعت له الاستعاذة مرة أخرى، أم لا يعد فاصلًا طويلًا، كما لو سجد للتلاوة في الصلاة، فإنه يعود إلى قراءته ولا يكرر الاستعاذة؟

* دليل من قال: لا يكرر التعوذ:

الدليل الأول:

لا يوجد نص يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ في غير الركعة الأولى، والأصل عدم المشروعية.

= أحدهما: يستحب؛ لأنه يستفتح القراءة فيها، فهي كالأولى.

والثاني: لا يستحب؛ لأن استفتاح القراءة في الأولى.

ومن أصحابنا من قال: يستحب في الجميع قولًا واحدًا، وإنما قال في الركعة الأولى أشد استحبابًا، وعليه يدل قول الشافعي رحمه الله تعالى». اهـ

وانظر: روضة الطالبين (1/ 241)، المحرر في فقه الإمام أحمد (1/ 64)، الفروع وتصحيح الفروع (2/ 206)، المغني (1/ 382)، المبدع (1/ 409)، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 116)، منتهى الإرادات (1/ 200).

(1)

. فتح العزيز (3/ 305)، المجموع (3/ 326)، تحفة المحتاج (2/ 33)، نهاية المطلب (2/ 137)، الوسيط (2/ 109)، الذخيرة للقرافي (2/ 181)، شرح التلقين (1/ 574).

(2)

. روى عبد الرزاق في المصنف (2584) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: فاستعذت بركعتين ثم أخرى، ثم أخرى، فأستعيذ لكل صلاة على السبع؟ قال: يجزئ عنك الأول، فإن استعذت أيضًا فحسن، قلت: صليت فبينا أنا أصلي جاءني إنسان لحاجة، فانصرفت إليه فقضى حاجته، ثم قمت أصلي مرة أخرى قال: يجزئ عنك الأول، فإن استعذت أيضًا فحسن. وسنده صحيح.

ص: 151

الدليل الثاني:

(ح-1331) روى مسلم تعليقًا، قال: وحدثت عن يحيى بن حسان، ويونس المؤدب، وغيرهما، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثني عمارة بن القعقاع، حدثنا أبو زرعة، قال:

سمعت أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ولم يسكت

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (ولم يسكت) نفي لمطلق السكوت، فكان هذا دليلًا على أنه لم يستفتح ولم يتعوذ؛ إذ لو تعوذ لتطلب ذلك قدرًا من السكوت لكي يتعوذ سِرًّا.

* ونوقش هذا الاستدلال:

يحتمل بالنفي أنه أراد مطلق السكوت، وهذا يشمل حتى سكوته للبسملة، ويحتمل أنه أراد بالنفي سكوته المعهود في الركعة الأولى، والتي فيها دعاء الاستفتاح، والتعوذ والبسملة، وهي سكتة طويلة، بخلاف سكوته للتعوذ والبسملة فهي سكتة لطيفة لا يحس بها المُؤْتَمُّ؛ لاشتغاله بحركة النهوض للركعة، والله أعلم، وإذا احتمل هذا لم يكن في الحديث حجة على نفي التعوذ للركعة الثانية، والله أعلم.

(1)

. صحيح مسلم (148 - 599).

(2)

. وصله الطحاوي في شرح معاني الآثار (1193)، وابن خزيمة (1603)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 280) عن الحسين بن نصر بن معارك المصري (ثقة ثبت).

والبزار (9805) حدثنا محمد بن مسكين (ثقة).

والسراج في حديثه (1585)، وفي مسنده (885)، وأبو عوانة في مستخرجه (1601)، وأبو نعيم في مستخرجه (1330)، عن محمد بن سهل بن عسكر (ثقة). ثلاثتهم عن يحيى بن حسان (ثقة).

ورواه ابن حبان (1936)، قال: حدثنا يونس بن محمد (ثقة)،

والحاكم في المستدرك (782)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 280) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي (ثقة)، ثلاثتهم (يحيى بن حسان، ويونس بن محمد، والحجبي) رووه عن عبد الواحد بن زياد به.

وصححه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 280).

ص: 152

* وأجيب عن هذا:

بأن الحديث ظاهره أنه لم يسكت لا للتعوذ ولا للبسملة، فنتمسك بهذا الظاهر حتى يأتي ما يعارضه، والواجب قراءة الفاتحة، والبسملة ليست آية منها على الصحيح كما سيأتي بيانه، ولو كانت آية منها لجهر بها، ولو قيل: إن سكوته للبسملة وحدها مقدار لطيف لا يشعر به المأموم لربما احتمل؛ لأنه لا ينهض المأموم إلا وقد شرع الإمام بالقراءة، بخلاف السكوت للتعوذ والبسملة فلن يكون مقداره لطيفًا، فلابد أن يشعر به المأموم، وإن كان مقداره أقل من السكوت للركعة الأولى، فإذا اجتمع هذا النفي في هذا الحديث، ولم يعارض بنقل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ للركعة الثانية، كان الاحتياط في ترك التعوذ؛ لأن الأصل عدم المشروعية، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ لنقل، ولو في حديث ضعيف، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ولو كان التعوذ محفوظًا لوجدنا النقل من آثار الصحابة وعملهم بما تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة، فإذا لم يوجد سنة مرفوعة، ولا آثار عن الصحابة رضي الله عنهم، ووجد حديث ينفي مطلق السكوت في الركعة الثانية فلا يمكن الجزم بمشروعية التعوذ في الركعة الثانية، والله أعلم.

الدليل الثالث:

أن الأحاديث التي نقلت لنا صفة التعوذ مع ضعفها قد ذكرت محله بعد الاستفتاح، وقبل القراءة، ولم تنقل لنا غيره، ولو كانت الاستعاذة تتكرر لنقلت لنا ذلك، والأصل عدم التكرار، من ذلك:

(ح-1332) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا جعفر، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي،

عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه، ثم يقرأ.

[أخطأ فيه جعفر بن سليمان مرتين: في وصله، وفي جعله من حديث

ص: 153

أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، وإنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا]

(1)

.

(ح-1333) ومنها: ما رواه أحمد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه.

وقال يزيد بن هارون: عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في صلاة، فقال: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الحمد لله بكرة وأصيلًا -ثلاثًا- سبحان الله بكرة وأصيلًا -ثلاثًا- اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه.

قال عمرو: وهمزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر

(2)

.

[ضعيف]

(3)

.

(ح-1334) ومنها: ما رواه أحمد، قال: حدثنا بهز، قال: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا يعلى بن عطاء، أنه سمع شيخًا من أهل دمشق،

أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثًا، وسبح ثلاثًا، وهلل ثلاثًا، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه وشركه

(4)

.

ورواه شريك، عن يعلى به، وقال: ونفثه بدل (شركه).

[ضعيف]

(5)

.

(ث-309) ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا ابن فضيل، عن حصين، عن سفيان، عن الأسود، قال:

سمعت عمر، افتتح الصلاة وكبر، فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم تعوذ.

(1)

. سبق تخريجه، انظر (ص: 24).

(2)

. المسند (4/ 85).

(3)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1290).

(4)

. أخرجه أحمد (5/ 253). ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (68/ 121).

(5)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1323).

ص: 154

[ذكر التعوذ ليس محفوظًا]

(1)

.

(ح-1335) ومنها: ما رواه الحاكم وعنه البيهقي من طريق محمد بن أيوب، عن ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي،

عن ابن مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه، ونفخه ونفثه

(2)

.

[ضعيف مرفوعًا]

(3)

.

هذه هي الآثار التي نقلت لنا محل التعوذ في الصلاة، وهي آثار مع ضعفها متفقة على أن التعوذ في الركعة الأولى، ولم أقف على شيء منها يذكر التعوذ في الركعة الثانية، ولو كان القوم يتعوذون في باقي الركعات لتوفرت الدواعي على نقله، ولحفظ لنا ذلك مرفوعًا أو موقوفًا.

الدليل الرابع:

أن القراءة في الصلاة بمنزلة القراءة الواحدة، فإذا استعاذ في الركعة الأولى فقد استعاذ لكل قراءته، بدليل أن غالب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة يراعي فيها الترتيب بين السور فكان يقرأ الجمعة قبل المنافقون، ويقرأ سورة الكافرون قبل الإخلاص، ويقرأ سورة سَبِّحْ قبل الغاشية، وكل ذلك يدل على أنها قراءة واحدة، ولو كانت قراءة كل ركعةٍ مستقلةٍ لم يراعِ الترتيب بين السور.

الدليل الخامس:

أن ركوع المصلي وسجوده، لا يقطع قراءته؛ لأنه عمل يسير مشتمل على ذكر لله تعالى، فكانت القراءة في باقي الركعات موصولة بالقراءة الأولى حكمًا،

(ح-1336) بدليل ما رواه مسلم من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب،

(1)

. سبق تخريجه، انظر (ث-303).

(2)

. المستدرك (749)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 54)،.

(3)

. سبق تخريجه، انظر (ح 1322).

ص: 155

عن عمران بن الحصين، قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات، من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أَقُصِرَتْ الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبًا، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم

(1)

.

وجه الاستدلال:

فإذا كان كلام الساهي في صلاته، وانحرافه عن القبلة، ودخوله الغرفة، ثم خروجه منها إذا كان كل ذلك لم يقطع صلاته، ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من بناء آخر صلاته على أولها؛ لكونه معذورًا بالنسيان فكيف يقطع الركوع والسجود والذكر المتصل بالصلاة كيف يجعل ذلك قاطعًا لقراءته، حتى جعلت كل ركعة قراءة مستقلة.

قال ابن القيم: وإنما يكفي استعاذة واحدة؛ لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمدُ اللهِ، أو تسبيح، أو تهليل، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك

(2)

.

الدليل السادس:

إذا عرض للمصلي سجود التلاوة في قراءته سجد، ثم عاد لقراءته بلا استعاذة، ولم يقطع سجود التلاوة قراءته، فكذلك الشأن في الركعة الثانية، هي متممة لقراءة الركعة الأولى.

* دليل من قال: يتعوذ لكل قراءة:

الدليل الأول:

قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} [النحل: 98].

وجه الاستدلال:

أن الأمر المعلق على شرط أوالمقيد بوصف يقتضي تكرار المأمور به بتكرارهما خاصة إذا كان الشرط أو الوصف علة في الحكم كقوله تعالى: {فَإِذَا

(1)

. صحيح مسلم (574).

(2)

. زاد المعاد (1/ 234).

ص: 156

قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} وقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا} ، وقوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} ، وقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} ، فكلما حصل زنا أو سرقة وجب إقامة الحد ما لم يكن التكرار قبل إقامة الحد

(1)

.

فالقراءة هي علة الأمر بالاستعاذة، فمقتضاه تكرارها بتكرر القراءة، وهو مستند إلى تكرر العلة، لا إلى الأمر نفسه، كالحكم يتعدد بتعدد سببه

(2)

.

* وأجيب:

بأن تكرار الاستعاذة لتكرر القراءة غير مدفوع، إلا أن ترك النقل للتعوذ في الركعة الثانية يجعل قراءة الصلاة قراءة واحدة، فلم تتكرر القراءة حتى تتكرر الاستعاذة.

* ونوقش:

بأن عدم النقل ليس نقلًا للعدم، فلا يكون الدليل عدميًّا.

* ورد هذا النقاش:

بأن عدم النقل لشيء لو كان النبي صلى الله عليه وسلم فعله لتوفرت همم أكثر الصحابة على نقله؛ لحاجة الأمة إليه، فلما لم ينقله أحد منهم البتة، ولم ينقل أيضًا من فعل الصحابة مع حرصهم على نقل سنته، كان ذلك بمنزلة نقل العدم، فلو أن أحدًا رفع يديه في دعاء الاستفتاح، أو رفع يديه في دعاء التشهد احتجاجًا بالأدلة العامة في رفع اليدين في الدعاء، واستنادًا إلى أنه لم يرد نفي أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع اليدين في هذا الموطن لما كان ذلك صوابًا، فكذلك هنا، فإن الاحتجاج بالدليل العام {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} ، مع ورود حديث أبي هريرة بأنه نهض للركعة الثانية، ولم يسكت، ولم يرد نقل يعارضه ولو ضعيفًا بأنه عليه السلام تعوذ لقراءة الركعة الثانية، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم تعوذوا كان ذلك بمنزلة نقل العدم، والله أعلم.

الدليل الثاني:

أن الركوع والسجود وأذكارهما تعتبر فاصلًا طويلًا، لكونها أفعالًا وأقوالًا أجنبية عن القراءة، وإذا حصل فاصل أجنبي بين القراءتين شرعت الاستعاذة للقراءة الثانية.

(1)

. الإبهاج في شرح المنهاج (1/ 2/54 - 55).

(2)

. انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 161)، أصول السرخسي (1/ 20).

ص: 157

* ونوقش:

بأن ما يقطع القراءة هو السكوت الطويل، أو ذكر طويل غير مشروع، وأما السكوت اليسير، أو الذكر المشروع فلا يقطع القراءة قياسًا على سجود التلاوة إذا عرض للمصلي في صلاته، ثم عادة لقراءته فلا يعتبر فاصلًا، والله أعلم.

* الراجح:

أرى أن القول الأول هو الراجح، وأن قراءة الصلاة قراءة واحدة تكفيها استعاذة واحدة، يقول الشوكاني:«الأحوط الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط»

(1)

.

فاستحباب التعوذ في الركعة الثانية يدخل في استحباب ذكر مقيد في الصلاة يتحرى فيه المصلي موضعًا معينًا ويأتي به على صفة معينة، والأصل عدم المشروعية حتى يأتي من السنة أو من آثار الصحابة ما يدل على أنهم كانوا يفعلونه، خاصة أن الصلاة كانت تتكرر في اليوم خمس مرات، وكان القوم حريصين على نقل هديه عليه الصلاة والسلام في صلاته بل في شأنه كله، فإذا لم يوجد نص خاص مع توفر الدواعي على النقل غلب على الظن عدم المشروعية، والله أعلم.

* * *

(1)

. نيل الأوطار (2/ 230).

ص: 158