الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في صفة تأمين المنفرد
المدخل إلى المسألة:
* الإمام يجهر بالقراءة من أجل الإسماع فيجهر بالتأمين تبعًا، والمأموم يجهر بالتأمين امتثالًا للأمر الشرعي (إذا أمن الإمام فأمنوا) وسكت الشارع عن تأمين المنفرد.
* المنفرد في الصلاة الجهرية مخير في القراءة بين الجهر مراعاة لحال الصلاة، وبين الإسرار بالقراءة لعدم الحاجة إلى الإسماع، فيتبع المنفرد الأنفع لقلبه.
* التأمين تبع للقراءة فإن جهر المنفرد بها جهر بالتأمين وإن أسر بها أسر بالتأمين.
* قد يقال: إن عموم قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} أن المصلي مأمور بصلاته أن تكون بين الجهر والإخفات، فلا يبالغ بالجهر لعدم الحاجة، ولا يخافت بها، وإن كان سبب نزول الآية في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مكة قبل الهجرة كما يفيده حديث ابن عباس في الصحيحين.
[م-567] الخلاف في تأمين المنفرد في الصلاة الجهرية كالخلاف في تأمين الإمام:
فقيل: يؤمن المنفرد سرًّا، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، ووجه شاذ للشافعية، ورواية عن أحمد
(1)
.
(1)
. تنوير الأبصار مع شرحه الدر المختار (ص: 68)، حاشية ابن عابدين (1/ 492)، المبسوط للسرخسي (1/ 32، 33)، بدائع الصنائع (1/ 207)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 50)، تبيين الحقائق (1/ 113)، البحر الرائق (1/ 331).
وانظر في مذهب المالكية: جامع الأمهات (ص: 94)، التوضيح شرح خليل (1/ 344)، الفواكه الدواني (1/ 178)، القوانين الفقهية (ص: 44)، التاج والإكليل (2/ 243)، شرح التلقين (1/ 555)، التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 413)، شرح زروق على الرسالة (1/ 219). قال في الشرح الكبير (1/ 248):«وندب إسرارهم: أي الفذ والإمام والمأموم (به): أي بالتأمين» .
وانظر الوجه الشاذ عند الشافعية في: المجموع (3/ 371)، مغني المحتاج (1/ 361)، الفروع (2/ 175، 186).
قال في تنوير الأبصار: «وأمن الإمام سرًّا كمأموم ومنفرد»
(1)
.
قال ابن عابدين تعليقًا في حاشيته: «قوله: (كمأموم ومنفرد) محل اتفاق. يعني في المذهب»
(2)
.
وقال الخرشي: «وكل من طلب منه التأمين إمامًا كان، أو غيره يستحب له الإسرار به؛ لأنه دعاء، والأصل فيه الإخفاء»
(3)
.
وقيل: يجهر بالتأمين، وهو مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد
(4)
.
قال النووي والرافعي: «ويجهر بها الإمام والمنفرد في صلاة الجهر تبعًا للقراءة»
(5)
.
وقيل: يخير المنفرد بين الجهر بالفاتحة والإخفات بها، فإن اختار الجهر بها جهر بالتأمين تبعًا لها، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(6)
.
وقال في كشاف القناع: «ويجهر به منفرد إن جهر بالقراءة تبعًا لها»
(7)
.
وقيل: يكره الجهر بالقراءة للمنفرد، وإذا كره الجهر بالقراءة كره الجهر بالتأمين تبعًا، وهو قول في مذهب الحنابلة
(8)
.
وأدلة من قال: يجهر بالتأمين أو قال يسر به هي الأدلة نفسها في مسألة جهر الإمام بالتأمين، فارجع إليها إن شئت، ويبقى أدلة من قال: يكره الجهر، فهذا قول
(1)
. تنوير الأبصار مع شرحه الدر المختار (ص: 68).
(2)
. حاشية ابن عابدين (1/ 492).
(3)
. شرح الخرشي (1/ 282).
(4)
. فتح العزيز (3/ 348)، المجموع (3/ 371)، تحفة المحتاج (2/ 51)، مغني المحتاج (1/ 361)، روضة الطالبين (1/ 247)، المبدع (1/ 392)، الفروع (2/ 186).
(5)
. فتح العزيز (3/ 348)، روضة الطالبين (1/ 247).
(6)
. الكافي لابن قدامة (1/ 249)، المغني (1/ 407)، الفروع (2/ 186)، الإقناع (1/ 116)، شرح منتهى الإرادات (1/ 189، 192، 193).
(7)
. كشاف القناع (1/ 339).
(8)
. الفروع (2/ 186).
لم يذكر في مسألة جهر الإمام.
ولعل حجة هذا القول أن الجهر شرع من أجل إسماع المصلين في الصلاة الجهرية، فإذا صلى وحده لم يكن هناك حاجة للجهر.
فإن قيل: يرد عليه قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] فإذا كان يصلي وحده كان منهيًّا عن المبالغة في الجهر، وليس عن الجهر.
فالجواب: أن هذا الآية نزلت في صلاة الجماعة،
(ح-1453) فقد روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من طريق هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، في قوله عز وجل:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا} [الإسراء: 110] فيسمع المشركون قراءتك {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110]،يقول: بين الجهر والمخافتة
(1)
.
* ويمكن أن يُرَدَّ هذا:
بأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وقوله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} صلاة نكرة مضافة إلى المعرفة، فتعم كل صلاة يجهر بها، فرضًا كانت أم نفلًا.
* الراجح:
أن المنفرد مخير بين الجهر والإخفاء، فإن كان يرى في الجهر حضور القلب والاستمتاع بالقراءة، وطرد النوم، فالجهر في حقه أفضل، فإذا جهر بالقراءة جهر بالتأمين.
وإن كان يرى الإسرار أخشع، وأجمع لقلبه، أو تركه مراعاة لمن كان حوله نائمًا، فإذا أسرَّ بالقراءة أَسَرَّ بالتأمين تبعًا، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (4722)، ومسلم (145 - 446).