الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في صفة تأمين المأموم
المدخل إلى المسألة:
* الجهر صفة بالعبادة، وصفات العبادة كأصلها تحتاج إلى توقيف.
* الجهر والإسرار متلقى من الشارع، لا مجال للنظر فيه، فالبسملة آية من القرآن خصت بالإسرار، والتأمين والاستعاذة ليسا من القرآن بالاتفاق، وشرع الجهر بالتأمين دون الاستعاذة.
* لا يشرع التأمين جماعة في الصلاة المفروضة إلا على دعاء فاتحة الكتاب.
* الدعاء منه ما يجهر به كالفاتحة، ومنه ما يُسر به كالتشهد، والجهر بالتأمين تبع للدعاء.
* المأموم تبع لإمامه، فإذا جهر الإمام بالقراءة جهر بالتأمين وتبعه المأموم في التأمين.
* القراءة السرية لا يجهر فيها المصلي بالتأمين، إمامًا كان أومأمومًا أومنفردًا.
[م-665] اختلف العلماء في صفة تأمين المأموم:
فقيل: يسر بالتأمين، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والجديد من قولي الشافعي
(1)
.
(1)
. البحر الرائق (1/ 331)، المبسوط للسرخسي (1/ 32)، بدائع الصنائع (1/ 207)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 50)، تبيين الحقائق (1/ 113)،، مختصر خليل (ص: 33)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 248)، جامع الأمهات (ص: 94)، التوضيح شرح خليل (1/ 344)، شرح الخرشي (1/ 282)، القوانين الفقهية (ص: 44)، منح الجليل (1/ 259)، تحبير المختصر (1/ 301)، شرح التلقين (1/ 555)، شرح زروق على الرسالة (1/ 219)، الأم (1/ 131)، الحاوي الكبير (2/ 112)، المهذب للشيرازي (1/ 140)، نهاية المطلب =
=
…
(2/ 150)، فتح العزيز (3/ 348)، المجموع (3/ 371).
قال الشافعي في الأم: «فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال: آمين، ورفع بها صوته؛ ليقتدي به من كان خلفه، فإذا قالها قالوها، وأسمعوا أنفسهم، ولا أحب أن يجهروا بها، فإن فعلوا فلا شيء عليهم»
(1)
.
وقيل: يجهر بالتأمين، وهو القديم من قولي الشافعي، والأظهر في المذهب، عندهم، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
قال النووي: «الجهر بالتأمين في صلاة الجهرية، القديم استحبابه، وهو الصحيح عند الأصحاب»
(3)
.
وقال أيضًا: «والأصح من حيث الحجة أن الإمام يجهر به، ممن صححه المصنف في التنبيه، والغزالي في الوجيز، والرافعي، وغيرهم
…
وحينئذٍ تكون هذه المسألة مما يفتى فيها على القديم»
(4)
.
ومن الشافعية من حمل قولي الشافعي على حالين، وليس على قولين: فيحمل الجديد على المسجد الصغير بحيث يبلغهم تأمين الإمام، فلا يجهرون؛ ويحمل القديم على المسجد الكبير، والجمع الكثير؛ فيحتاجون إلى الجهر للإبلاغ، وهذا قول ثالث في المسألة
(5)
.
(1)
. الأم (1/ 131).
(2)
. المهذب (1/ 140)، الحاوي الكبير (2/ 112)، نهاية المطلب (2/ 150)، فتح العزيز (3/ 348)، المجموع (3/ 372)، روضة الطالبين (1/ 247)، تحفة المحتاج (2/ 51)، مغني المحتاج (1/ 360)، نهاية المحتاج (1/ 491)، مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 547)، المغني (1/ 353)، الفروع (2/ 175)، شرح الزركشي على الخرقي (1/ 551)، المبدع (1/ 387)، الإنصاف (2/ 51)، الإقناع (1/ 116)، شرح منتهى الإرادات (1/ 189).
(3)
. المجموع (1/ 67).
(4)
. المجموع (3/ 372).
(5)
. قال الشيرازي في المهذب (1/ 140): «وأما المأموم فقد قال في الجديد: لا يجهر. وقال في القديم: يجهر، فمن أصحابنا من قال على قولين: أحدهما: يجهر .... والثاني: لا يجهر .... ، ومنهم من قال: إن كان المسجد صغيرًا يبلغهم تأمين الإمام لم يجهر به؛ لأنه لا يحتاج إلى الجهر، وإن كان كبيرًا جهر؛ لأنه يحتاج إلى الجهر؛ للإبلاغ، وحمل القولين على هذين الحالين» . وانظر: الحاوي الكبير (2/ 112)، نهاية المطلب (2/ 150).
وحكى الشافعية قولًا رابعًا: إن لم يجهر الإمام جهر، وإلا فقولان على التفصيل السابق
(1)
.
هذه مجمل الأقوال في المسألة، وبعد أن مَنَّ الله بمعرفتها ننتقل إلى أدلتها:
* دليل من قال: يسر بالتأمين:
كل دليل استدلوا به على إسرار الإمام بالتأمين استدلوا به على إسرار المأموم، فإذا كان الإمام يسر بالتأمين فالمأموم تبع له.
وقد ذكرت هذه الأدلة ومناقشتها في الفصل السابق، فارجع إليه إن شئت.
* دليل من قال: يجهر بالتأمين:
الدليل الأول:
(ح-1451) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن سمي، مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان،
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(2)
.
* وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
قوله: (إذا قال الإمام
…
فقولوا) قال ابن رشيد: «قابل القول بالقول، والإمام إنما قال ذلك جهرًا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة»
(3)
. وقد ترجم له البخاري بقوله: (باب جهر المأموم بالتأمين).
(1)
. المجموع شرح المهذب (3/ 372)، روضة الطالبين (1/ 247).
(2)
. صحيح البخاري (782).
(3)
. فتح الباري (2/ 267).
الوجه الثاني:
قال الزين بن المنير نقلًا من فتح الباري: «في الحديث الأمر بقول: (آمين) والقول إذا وقع به الخطاب مطلقًا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار، أو حديث النفس قُيِّد بذلك»
(1)
.
الدليل الثاني:
(ح-) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(2)
.
وجه الاستدلال:
أمر المأموم بالتأمين إذا أمن إمامه، فدل على أن الإمام يجهر بالتأمين، والأصل أن تأمين المأموم على صفة تأمين الإمام؛ إذا لوكان يخالفه في الصفة لَبُيِّن ذلك، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-1452) ما رواه النسائي من طريق سعيد بن أبي هلال،
عن نعيم المُجْمِرِ قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} [الفاتحة: 1]، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقال: آمين. فقال الناس: آمين ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن نعيمًا المجمر سمع تأمين الإمام، وسمع تأمين الناس، وهذا دليل على جهر الجميع، إمامًا كان أو مأمومًا.
(1)
. فتح الباري (2/ 267).
(2)
. صحيح البخاري (780)، وصحيح مسلم (72 - 410).
(3)
. سنن النسائي (905).
* وأجيب:
بأن هذا الحديث لم يروه عن أبي هريرة إلا نعيم بن المُجْمِرِ، تفرد به سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، والحديث في الصحيحين وليس فيه ذكر قراءة البسملة ولا الجهر بها، ولا التأمين، فأخشى ألا يكون ذكر التأمين محفوظًا
(1)
.
الدليل الرابع:
(ث-357) روى البخاري معلقًا بصيغة الجزم، قال أبو عبد الله: وكان أبو هريرة ينادي الإمام لا تفتني بآمين
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
الدليل الخامس:
(ث-358) روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: قلت له:
أكان ابن الزبير يؤمِّن على إثر أم القرآن؟ قال: نعم، ويؤمِّن من وراءه حتى أن للمسجد لَلَجَّةً
(4)
.
[صحيح]
(5)
.
فهذان صحابيان صح عنهما نقل تأمين الإمام والمأموم، وإطلاقه يدل على الجهر به، ولم يَأْتِ ما يعارضه.
* دليل من فرق بين المسجد الكبير والصغير:
أن الحاجة إلى الجهر بالتأمين في المسجد الكبير من أجل تبليغ تأمين الإمام، فربما لا يبلغ المصلين تأمين المأموم، بخلاف المسجد الصغير.
* ويناقش:
هذا تقييد للنصوص المطلقة التي تأمر المأموم بالتأمين، والمطلق من
(1)
. سبق تخريجه، انظر:(ح 1342).
(2)
. صحيح البخاري (1/ 156).
(3)
. سبق تخريجه، انظر (ث-352).
(4)
. المصنف (2640).
(5)
. ورواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (1/ 156).
النصوص لا يقيده إلا نص مثله، أو إجماع، ولم يَأْتِ في النصوص ما يدل على تقييد الجهر بالحاجة.
* دليل من قال: لا يجهر المأموم إلا إذا ترك الإمام التأمين:
قال: إذا ترك الإمام التأمين استحب للمأموم الجهر بالتأمين من أجل تنبيه الإمام إلى التأمين.
وهذا أيضًا تقييد لما أطلق من النصوص، بلا برهان، والنصوص الشرعية لا يقيدها إلا نصوص مثلها، أو إجماع مستند إلى نص، ولو كان الجهر مقيدًا بذلك لاقتصر التأمين بمقدار الحاجة، ولم يطلب التأمين من جميع المأمومين، كما أن التذكير لا يقتصر على التأمين فقد يذكر بغير ذلك من تسبيح ونحوه.
* * *