الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة في المصلي يعجز عن الفاتحة ويعرف غيرها من القرآن
المدخل إلى المسألة:
* الانتقال إلى بدل الواجب يحتاج إلى توقيف، لا مجال للرأي فيه.
* تعويض الفاتحة من القرآن أولى بالتعويض من الأذكار؛ لأن القرآن أعظم الذكر.
* القرآن أشبه بالفاتحة من الأذكار، من حيثُ نظمه، وإعجازه.
* لا يشرع في الصلاة سكوت، قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ، إلا ما كان بعد القراءة وقبل الركوع؛ لأخذ النفس.
[م-550] اختلف العلماء في الرجل يعجز عن تعلم الفاتحة، ويكون معه غيرها من القرآن:
فقيل: يقرأ ما معه من القرآن بدلًا عن الفاتحة على اختلاف بينهم في مقدار البدل، وهذا مذهب الجمهور، وبه قال بعض المالكية القائلين بوجوب الذكر بدلًا عن الفاتحة؛ فإن القرآن أعظم الذكر، واختاره ابن حزم
(1)
.
(1)
. يرى أبو حنيفة أن فرض القراءة يؤدى بآية واحدة ولو كانت قصيرة إذا كانت مكونة من كلمتين فأكثر مثل قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} ، وأما الآية إذا كانت من كلمة واحدة كـ {مُدْهَامَّتَانِ} ، أو حرف مثل {ص} ، فالأصح أنه لا تجوز بها الصلاة خلافًا للقدوري، انظر: مجمع الأنهر (1/ 104)، البحر الرائق (1/ 358)، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 537) المحيط البرهاني (1/ 298)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 225، 226)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 129)، حاشية الدسوقي (1/ 237)، تحبير المختصر (1/ 286)، لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/ 78).
المهذب للشيرازي (1/ 140)، فتح العزيز (3/ 336)، المجموع (3/ 374)، منهاج الطالبين (ص: 26)، تحفة المحتاج (2/ 43)، مغني المحتاج (1/ 357)، نهاية المحتاج (1/ 485)، روضة الطالبين (1/ 244)، الإنصاف (2/ 51)، المبدع (1/ 388)، شرح منتهى الإرادات (1/ 190)، كشاف القناع (1/ 340)، الإقناع (1/ 117) الفروع (2/ 176).
قال ابن حزم: «من عجز عن أم القرآن وقدر على غيرها من القرآن سقطت عنه، ولزمه ما تيسر له من القرآن»
(1)
.
وقال المالكية في المختار: إن لم يمكنه الائتمام بأن لم يجد من يأتم به سقطت عنه الفاتحة والقيام لها، وصلى فذًّا وقام للركوع كالإحرام، وندب له الفصل بين الإحرام والركوع بسكوت أو ذكر، أو قرآن، والفصل به أولى من غيره من الأذكار.
فالتعبير بالأولى يدل على عدم الوجوب، وسبب الفصل بالقرآن ليس بدلًا عن الفاتحة، لأن أم القرآن لا بَدَلَ لها في الصلاة عندهم، ولكن من أجل الفصل بين تكبيره للإحرام وتكبيره للركوع
(2)
.
جاء في مناهج التحصيل: «قراءة أم القرآن في الصلاة لا بدل لها، والقرآن لو قرأه كله في الصلاة ما وقع موقع الإجزاء»
(3)
.
(4)
.
* دليل الجمهور على وجوب قدرها من القرآن:
الدليل الأول:
قال تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
(1)
. المحلى (2/ 283).
(2)
. قال في حاشية الدسوقي (1/ 238): «إن حفظ غيرها -أي غير الفاتحة- من القرآن كان الفصل به أولى من غيره من الأذكار» . وانظر: منح الجليل (1/ 248)، مناهج التحصيل (1/ 262)، التوضيح لمن رام المجموع بنظر صحيح (2/ 21).
(3)
. مناهج التحصيل (1/ 262).
(4)
. منح الجليل (1/ 248).
في مذهب المالكية إذا سقط القيام للفاتحة فإنه يقوم للركوع كما يقوم للإحرام، ومن هنا استحب أصحاب الإمام مالك الفصل بين الإحرام والركوع بفاصل من قرآن أو ذكر حتى لا يشتبه القيام للإحرام بالقيام للركوع. انظر التوضيح لمن رام المجموع بنظر صحيح (2/ 21).
فإذا عجز عن الفاتحة كان مأمورًا بقراءة ما تيسر.
الدليل الثاني:
(ح-1419) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، قال: حدثني يحيى بن علي بن خلاد، عن أبيه، عن جده،
عن رفاعة البدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد، قال رفاعة: ونحن عنده، إذ جاءه رجل كالبدوي، فدخل المسجد فصلى فأخف صلاته
…
وذكر قصة المسيء صلاته، وفيه: .... فقال: يا رسول الله، أرني وعلمني فإني بشر أصيب وأخطئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم كَبِّر، فإن كان معك قرآن فاقرأه وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وهلله وكبِّره
(1)
.
[تفرد بقوله: (وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله
…
إلخ) يحيى بن علي ابن خلاد، عن أبيه، وقد رواه جماعة عن علي بن خلاد ولم يذكروا هذا الحرف]
(2)
.
وجه الاستدلال:
قوله: (فإن كان معك قرآن فاقرأه
…
) إلخ. فأطلق القرآن، فدخل فيه الفاتحة وغيرها، فلا ينتقل إلى الذكر إلا إذا كان عاجزًا عن القرآن.
الدليل الثالث:
ولأن المصلي إذا كان يشرع له قراءة ما تيسر من القرآن مع قدرته على الفاتحة فَلَأَنْ يشرع له قراءة ما تيسر مع عجزه عنها من باب أولى.
الدليل الرابع:
ولأن المقصود من إقامة الصلاة ذكر الله،
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، فلا يشرع في الصلاة سكوت، هذا من حيث وجوب البدل.
الدليل الخامس:
أن المصلي إذا عجز عن فرض القراءة بالكلية انتقل إلى الذكر بموجب حديث
(1)
. مسند أبي داود الطيالسي (1469).
(2)
. انظر تخريجه (ح 1596).
ابن أبي أوفى -وقد سبق تخريجه - فإذا عجز عن الفاتحة وَقَدَرَ على غيرها من القرآن انتقل إليه؛ لأن التعويض من القرآن أولى بالتعويض من الأذكار؛ لأن القرآن أعظم الذكر، قال تعالى:{وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر} [سورة ص: 1].
ولأن الفرق بين كلام الناس وكلام الله كالفرق بين الخالق والمخلوق، ولأن القرآن أشبه بالفاتحة من غيره، من حيث نظمه، وإعجازه.
* دليل المالكية على سقوط القراءة بالعجز عن الفاتحة:
الواجبات تسقط بالعجز، قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة:
…
إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، رواه البخاري ومسلم
(1)
.
ولأن الشارع لم يوجب على المصلي قراءة ما عدا الفاتحة على الصحيح، فإذا عجز عنها سقطت كسائر الواجبات، وإيجاب البدل يفتقر إلى نص صحيح، ولا يوجد نص صحيح يوجب قراءة غير الفاتحة، لا أصلًا ولا بدلًا، وما ورد من أحاديث في السنة في إيجاب الذكر بدلًا عن القرآن لا يصح منها شيء عند المالكية.
* الراجح:
أن المصلي إذا عجز عن الفاتحة كان فرضه الذكر لحديث ابن أبي أوفى، وهو حديث حسن إن شاء الله، وأعظم الذكر كتاب الله سبحانه وتعالى.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (7288)، وصحيح مسلم (412 - 1337).