الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة في حكم الزيادة على التأمين
المدخل إلى المسألة:
* الدعاء المقيد كالذكر المقيد لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا يبدل بمثله؛ لحديث: آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، قال: قل: وبنبيك الذي أرسلت.
* ترك السنة أولى من الزيادة عليها أو النقص منها؛ لأن الترك أَذِنَ فيه الشرع حين لم يوجب الفعل بخلاف الزيادة والنقص فهو تبديل للسنة لم يأذن به الشارع.
* الاقتصاد في السنة خير من الإحداث فيها؛ قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .
[م-570] إن زاد على التأمين خارج الصلاة كما لو قال: آمين رب العالمين، فالأمر واسع.
وأما الزيادة على التأمين داخل الصلاة ففيها خلاف:
فقال الشافعي في الأم: «ولو قال مع: آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله كان حسنًا، لا يقطع الصلاة شيء من ذكر الله»
(1)
.
قال النووي بعد أن نقل كلام الشافعي: «وقوله يدل على أنه لا بأس من أن يسأل العبد ربه في الصلاة كلها، في الدين والدنيا»
(2)
.
قلت: ذلك إنما يستحسن في المواضع التي أذن فيها بالدعاء بما شاء، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ثم ليتخير من المسألة ما شاء، وكحديث: وأما الركوع فعظموا فيه الرب،
(1)
. الأم (1/ 131)، تحفة المحتاج (2/ 49)، مغني المحتاج (1/ 360)، نهاية المحتاج (1/ 490)، كفاية النبيه (3/ 131)، بحر المذهب للروياني (2/ 34).
(2)
. المجموع (3/ 373).
وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء.
ولذلك لم يرتض العراقي مذهب أصحابه، فقال في طرح التثريب:«المستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة من غير زيادة عليه اتباعًا للحديث»
(1)
.
وقال ابن مفلح في الفروع: «وإن قال: آمين رب العالمين، فقياس قول أحمد لا يستحب
…
لأنه قال في رواية ابن إبراهيم في الرجل يقول الله أكبر كبيرًا: قال ما سمعت»
(2)
.
وقال ابن رجب في شرح البخاري: «ولا يستجب أن يصل آمين بذكر آخر، مثل أن يقول: آمين رب العالمين؛ لأنه لم تأت به السنة، هذا قول أصحابنا، وقال الشافعي: هو حسن»
(3)
.
* ويستدل للشافعية بأدلة منها:
الدليل الأول:
(ح-1456) ما رواه الطبراني من طريق أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثني أبي، عن أبي بكر النهشلي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله اليحصبي،
عن وائل بن حجر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] قال: رب اغفر لي آمين
(4)
.
[منكر، رواه حجر بن عنبس، عن وائل ولم يذكر هذه الزيادة، وسبق تخريجه]
(5)
.
(1)
. طرح التثريب (2/ 269).
(2)
. الفروع (2/ 176)، وانظر: المبدع (1/ 388)، شرح منتهى الإرادات (1/ 190)، كشاف القناع (1/ 399)، مطالب أولي النهى (1/ 432).
(3)
. فتح الباري شرح البخاري (7/ 98).
(4)
. المعجم الكبير للطبراني (22/ 42).
(5)
. رواه الطبراني كما في إسناد الباب حدثنا القاسم بن عباد الخطابي
وأبو جعفر بن البختري في مجموع مصنفاته (379)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 84) كلاهما (القاسم وأبو جعفر) روياه عن أحمد بن عبد الجبار به.
فالعطاردي ترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 112)، وقال: ضعفه غير واحد.
قال ابن عدي: رأيتهم مجمعين على ضعفه، ولا أرى له حديثًا منكرًا، إنما ضعفوه لأنه لم يَلْقَ الذين يحدث عنهم. وقال مطين: كان يكذب.
وقال الدارقطني: لا بأس به، قد أثنى عليه أبو كريب، واختلف فيه شيوخنا، ولم يكن من أصحاب الحديث.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.
وقال ابنه عبد الرحمن: كتبت عنه، وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه».
وانظر تخريج حديث حجر بن عنبس (ح 1433).
الدليل الثاني:
(ح-1457) ما رواه مسلم من طريق أبي الزبير، عن عون بن عبد الله بن عتبة،
عن ابن عمر، قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا، يا رسول الله قال: عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء. قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك
(1)
.
تابع أبا الزبير عمرو بن مرة، رواه النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عون بن عبد الله به
(2)
.
الدليل الثالث:
(ح-1458) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي، عن أبيه،
عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف، قال: من المتكلم؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول
(3)
.
وجه الاستدلال من الحديثين:
قال الحافظ: «استدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور، إذا
(1)
. صحيح مسلم (150 - 601).
(2)
. سبق تخريجه، انظر:(ح 1294).
(3)
. صحيح البخاري (799).
كان غير مخالف للمأثور»
(1)
.
ولا يقصد الحافظ الجواز الدال على الإباحة، وإلا لما رتب الشارع على هذا الفعل هذا الثواب العظيم، والدرجة الرفيعة.
* ونوقش هذا من أكثر من وجه:
الوجه الأول:
بأن الحجة ليس في إحداثهما هذا الذكر، وإنما هو في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهما، فلو لم يقرهما النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منهما، وهذا باب قد أغلق بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني:
قد يقال: إن موضع دعاء الاستفتاح موضع يطلب فيه مطلق الحمد، ولهذا كثرت أدعية الاستفتاح وتنوعت، ومنها ما هو مشروع في صلاة الليل ومنها ما هو مشروع في الفريضة ومثله الحمد بعد الرفع من الركوع، بخلاف التأمين، فإن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على صفة واحدة لم تتغير في جميع الصلوات دليل على عدم مشروعية الزيادة.
ولأننا نقول لمن يزيد على التأمين: إن كنت تقصد بهذا الفعل بأنه أفضل وأكمل من المشروع المأثور من النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك استدراكًا على الشارع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهدنا إلى أفضل الطرق وأقومها، وكفى به ضعفًا لهذا القول، وإن كنت ترى أن الزيادة مرجوحة، وأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل فلا حاجة إلى فعله، وهذا هو القول الراجح، والله أعلم.
فالأذكار المقيدة توقيفية لا يجوز الزيادة عليها، ولا إبدالها، ولا النقص منها.
* * *
(1)
. فتح الباري (2/ 287).