الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البند الثاني في تأمين المأموم
المقصد الأول في تأمين المأموم في السرية
المدخل إلى المسألة:
* تأمين المأموم على قراءة نفسه في السرية فرع عن القراءة، والراجح أنه يقرأ خلف الإمام؛ لأن أمره بالاستماع والإنصات كان من أجل الاستماع لقراءة إمامه، وهو خاص بالجهرية.
* إذا جهر الإمام في السرية فقد خالف السنة، فلا يؤمِّنُ المأموم معه؛ استنادًا للأوامر العامة والمطلقة بتأمين المأموم مع الإمام؛ لأن النصوص محمولة على المشروع، وجهر الإمام خلاف السنة.
[م-560] المأموم إما أن يؤمن على قراءة نفسه في الصلاة السرية، وإما أن يؤمن على قراءة إمامه.
والخلاف في تأمين المأموم على قراءة نفسه في الصلاة السرية يتوقف على حكم قراءة الفاتحة له خلف الإمام:
فذهب الحنفية إلى أن المأموم لا يشرع له التأمين؛ لأن المأموم ممنوع عندهم من القراءة خلف الإمام، والتأمين فرع عن القراءة.
وذهب الجمهور إلى أنه يؤمن على قراءة نفسه؛ لأن قراءة الفاتحة في الصلاة السرية مشروعة له خلف الإمام، على اختلاف بينهم في حكم القراءة، أهي واجبة كما هو مذهب الشافعية، أم مستحبة كمذهب المالكية والحنابلة؟
(1)
.
وقد سبق تحرير الخلاف في قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية، ومناقشة الحنفية، فأغنى ذلك عن إعادتها.
وأما تأمين المأموم في الصلاة السرية على قراءة إمامه، كما لو سمع منه قول: ولا الضالين، سواء أكان ذلك لقربه من الإمام، أم لجهر الإمام بالقراءة خطأ، ففيها قولان، هما قولان في مذهب الحنفية والمالكية.
فقيل: يؤمن، وهو ظاهر الكتاب عند الحنفية، وأرجح القولين في مذهب المالكية.
وقيل: لا يؤمن؛ لأن هذا الجهر غير مشروع، فلا عبرة به
(2)
.
قال ابن نجيم: «اختلفوا في تأمين المأموم، إذا كان الإمام في السرية، وسمع المأموم تأمينه، منهم من قال: يقوله هو، كما هو ظاهر الكتاب.
ومنهم من قال: لا؛ لأن ذلك الجهر لا عبرة به
…
وقد علم مما ذكرنا أن المأموم لا يقولها إلا إذا سمع قراءة الإمام، لا مطلقًا، فليس هو كالإمام مطلقًا»
(3)
.
يقصد أن المأموم لما كان لا يقرأ خلف الإمام مطلقًا لم يشرع له التأمين إلا إذا سمع قول الإمام يقرأ (ولا الضالين).
(1)
. المجموع شرح المهذب (3/ 371).
(2)
. البحر الرائق (1/ 331)، حاشية ابن عابدين (1/ 492، 493)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 113)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: 68)، كنز الدقائق (ص: 163)، بدائع الصنائع (1/ 207)، مراقي الفلاح (ص: 106)، مجمع الأنهر (1/ 96).
وأما مذهب المالكية فيشرع للمأموم التأمين في السرية عند فراغه من قراءة نفسه، وعلى قراءة إمامه إن سمع قول إمامه {ولا الضالين} ، فإن لم يسمعه فقولان: أشهرهما لا يؤمن على قراءة إمامه؛ لأن التأمين إجابة، وهي فرع السماع. انظر في مذهب المالكية: الموطأ (1/ 87، 88)، الذخيرة للقرافي (2/ 223)، الخرشي (1/ 282)، حاشية الدسوقي (1/ 248)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 326، 327)، منح الجليل (1/ 259)، شرح الزرقاني على خليل (1/ 373)، التفريع (1/ 70).
(3)
. البحر الرائق (1/ 331).
* حجة من قال: يؤمن على قراءة إمامه في الصلاة السرية:
(ح-1439) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(1)
.
فقوله: (إذا أمن فأمنوا) فعلق تأمين المأموم على تأمين الإمام، وعمومه وإطلاقه يشمل السرية والجهرية.
ولما رواه البخاري من طريق مالك، عن سمي، مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان،
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(2)
.
وجه الاستدلال به كالاستدلال بالحديث السابق.
فظاهره أن المأموم مأمور بالتأمين إذا سمع الإمام يقول: ولا الضالين، ولم يقيد ذلك في الصلاة الجهرية، فشمل السرية.
* ويناقش:
بأن الأحاديث المطلقة والعامة محمولة على المشروع، وجهر الإمام في الصلاة السرية خلاف السنة، فلا تحمل الأحاديث على الصفات الواردة خلاف السنة، فإذا كان أهل الأصول يناقشون في العام والمطلق أيحمل على النادر، أم يقتصر به على الغالب، فما بالك في حمل الأحاديث على الصفات غير المشروعة، المخالفة للسنة، وهذه هي حجة من قال: لا يؤمن، أن هذا الجهر لا عبرة به، لمخالفته السنة، والله أعلم.
* * *
(1)
. صحيح البخاري (780)، وصحيح مسلم (72 - 410).
(2)
. صحيح البخاري (782).