الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة في المصلي إذا كان معه بعض الفاتحة وغيرها من القرآن
المدخل إلى المسألة:
* بدل الواجب لا يجب إلا بنص، فلا مجال للرأي فيه.
* لا يوجد دليل في صحة الجمع بين الأصل والبدل، فالجمع بينهما يفتقر إلى نص.
* لو وجبت عليه كفارة يمين، ولم يجد الكسوة والرقبة، ووجد ما يطعم به تسعة مساكين انتقل إلى الصيام، ولم يؤمر بالجمع بين الإطعام والصيام.
* يعطى الأكثر حكم الكل، فإذا عرف أكثر الفاتحة وعجز عن الباقي سقط عنه.
* لا ينتقل إلى الذكر إلا إذا عجز عن فرض القراءة بالكلية.
[م-549] اختلف الفقهاء إذا كان مع الرجل بعض الفاتحة ومعه غيرها من القرآن،
فقيل: يسقط عنه ما عجز عنه، ولا يجب عليه بدل، وهو المختار عند المالكية، ورواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم على خلاف بينهم في وجوب الائتمام خلف من يحسنها:
فقيل: يجب إن أمكنه، فإن لم يمكنه صلى وحده، وهو المعتمد عند المالكية.
وقيل: لا، وهو قول في مذهب المالكية، ورواية عن أحمد وبه قال ابن حزم
(1)
.
(1)
. عقد الجواهر الثمينة (1/ 98)، الدر الثمين (ص: 240)، الذخيرة للقرافي (1/ 186).
وقد قال المالكية على القول ببطلان الصلاة باللحن: إذا كان يلحن في بعض الفاتحة دون بعض فإنه يقرأ ما لا يلحن فيه، ويترك ما يلحن فيه إذا كان ما يلحن فيه متواليًا، وإلا فالأظهر أن يترك الكل. فإذا سقط البعض باللحن بلا تعويض سقط كذلك بالعجز. وهذا أحد الأقوال في مذهب المالكية. انظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 113، 351)، شرح الخرشي (1/ 269)، حاشية الدسوقي (1/ 236)، المهذب للشيرازي (1/ 140)، فتح العزيز (339)، المجموع (3/ 374)، منهاج الطالبين (ص: 26)، تحفة المحتاج (2/ 45)، مغني المحتاج (1/ 358)، نهاية المحتاج (1/ 487)، بداية المحتاج (1/ 237)، روضة الطالبين (1/ 246)، الإنصاف (2/ 53)، المبدع (1/ 388)، شرح منتهى الإرادات (1/ 190)، كشاف القناع (1/ 341)، الإقناع (1/ 117) الفروع (2/ 176).
وقال ابن حزم في المحلى (2/ 282): «فإن عرف بعضها -يعني الفاتحة- ولم يعرف البعض: قرأ ما عرف منها فأجزأه، وَلْيَسْعَ في تعلم الباقي» .
قال ابن شاس في الجواهر: «وهي -يعني الفاتحة- متعينة، لا يجزئ عنها غيرها»
(1)
. فظاهره يشمل القرآن وغيره.
وقال في الدر الثمين والمورد المعين: «ولا يذكر غيرها عوضها»
(2)
.
وقال القرافي في الذخيرة: «وعند الأبهري، وصاحب الطراز: لا يجب التعويض قياسًا على تكبيرة الإحرام إذا تعذرت؛ ولأن البدل يفتقر إلى نص»
(3)
.
وقال الدسوقي في حاشيته: «عدم وجوب الإتيان ببدلها من الذكر على من لا يمكنه الإتيان بها، ولا الائتمام»
(4)
.
فإذا كان لا يجب عليه بدلها إذا عجز عنها كلها، فكذلك إذا عجز عن بعضها.
وقد ذكرت أدلة المالكية في المسألة السابقة، فارجع إليه غير مأمور.
وقيل: يجب عليه قراءة ما يحسنه منها، ثم يأتي ببدل الباقي وهو الأصح في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة، قال الشافعية: مع مراعاة الترتيب
(5)
.
(6)
.
وقال الخطيب: «ويجب الترتيب بين الأصل والبدل»
(7)
.
(1)
. عقد الجواهر الثمينة (1/ 98).
(2)
. الدر الثمين والمورد المعين (ص: 240).
(3)
. الذخيرة للقرافي (2/ 186).
(4)
. حاشية الدسوقي (1/ 238).
(5)
. المجموع (3/ 376)، تحفة المحتاج (2/ 44، 45)، نهاية المحتاج (1/ 486)، المبدع (1/ 389)، الإنصاف (2/ 52). .
(6)
. تحفة المحتاج (2/ 44، 45).
(7)
. مغني المحتاج (1/ 358).
وقال النووي: «فلو عكس لم يجزئه على المذهب وبه قطع الأكثرون»
(1)
.
* دليل وجوب البدل عن باقي الفاتحة:
أما الدليل على وجوب البدل:
فقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
ولأن العبادات على قسمين: منها ما يسقط بالعجز إلى غير بدل، كما لو عجز عن زكاة الفطر سقطت عنه.
ومنها ما شرع له بدل، كوجوب التيمم إذا فقد الماء، وبدل الواجب لا يجب إلا بنص.
فإذا كان العاجز عن تحصيل فرض القراءة في الصلاة ينتقل وجوبًا إلى الذكر، ويكون بدلًا عن القراءة؛ لحديث ابن أبي أوفى، وقد سبق ذكره في المسألة التي قبلها، فالتعويض من القرآن أولى بالتعويض من الأذكار؛ لأنه أعظم الذكر، وهو أشبه بالفاتحة من غيرها.
قال في الحاوي: «ولأن القرآن بدل من الفاتحة إذا لم يحسنها فوجب إذا كان يحسن بعضها أن يكون بدلًا مما يحسنه منها»
(2)
.
قال النووي: «لا يجوز الانتقال إلى الذكر إلا بعد العجز عن القرآن»
(3)
.
وإذا وجب البدل عن كامل الفاتحة، وجب البدل عن بعضها.
* وأما وجه وجوب الترتيب:
فيقول إمام الحرمين: «ليس علَّةُ الترتيب في هذا علةَ الترتيب في تلاوة الفاتحة في حق من يحسنها؛ فإن الترتيب يراعى في قراءة الفاتحة محافظةً على نظمها، وليس بين الأذكار التي قُدِّرت بدلًا عن النصف الأول، وبين النصف الثاني انتظام. ولكن هذا الترتيب يُتلقى من اشتراط الترتيب في أركان الصلاة؛ فعليه فرض قبل النصف الثاني، فليُقِمه. ثم ليأتِ بالنصف الثاني.
ويجوز أن يقال: يأخذ البدلُ حكمَ المبدل، والترتيب شرط في فاتحة الكتاب
(1)
. المجموع (3/ 376)،.
(2)
. الحاوي الكبير (2/ 234).
(3)
. المجموع (3/ 376).
لعينها، فنزل بدل النصف الأول منزلته في رعاية ترتيب النصف الآخر عليه»
(1)
.
* ويناقش:
بأن الذكر شرع بدلًا عن فرض القراءة إذا عجز عنها بالكلية، فإذا وجب عليه قراءة ما يحسنه من الفاتحة، ووجب عليه الانتقال إلى البدل كان في ذلك جمع بين الأصل والبدل، ولا يوجد دليل في صحة الجمع بين الأصل والبدل، فإما أن تكتفي بالأصل، وإما أن تكتفي بالبدل، وأما الجمع بينهما فيفتقر إلى نص.
فلو وجبت عليه رقبة، وكان عنده ثمن بعض الرقبة، انتقل إلى الإطعام كما لو عدم الرقبة أصلًا.
فإن قيل: إن بعض الرقبة ليس عبادة في نفسه بخلاف الآية من الفاتحة فإنها عبادة في نفسها.
انتقض هذا فيما فلو وجبت عليه كفارة يمين، ولم يجد الكسوة والرقبة، ووجد ما يطعم به تسعة مساكين انتقل إلى الصيام، ولم يؤمر بإطعام التسعة، والصيام عن العاشر، مع أن إطعام التسعة عبادة في نفسه، وهكذا.
فإما أن نقول: يَكْتَفِيْ بما قدر عليه ويسقط عنه الباقي؛ لعجزه، وإما أن نقول: لا عبرة بالقدرة على البعض إذا لم يقدر على الكل، وإما أن نقول بأن الحكم للأغلب، فإن قدر على أكثر الفاتحة لم ينتقل، وإن كان المقدور عليه من الفاتحة آية أو آيتين انتقل؛ لأن القواعد الفقهية: أن الأغلب يعطى حكم الكل، وما قارب الشيء أعطي حكمه.
وعلى التسليم بأنه يجمع بين الأصل والبدل فأين الدليل على اشتراط الترتيب بين الأصل والبدل، فلو قيل بالجمع بين الوضوء والتيمم لمن وجد ماء يكفي بعض طهره، وهي مسألة خلافية، بحثتها في كتابي موسوعة الطهارة، فإنه لا فرق بين أن يتيمم بعد الوضوء، أو قبله؛ لأن وجوب الترتيب يفتقر إلى نص، والأصل عدم الوجوب.
وقال الحنابلة: لو أحسن آية من الفاتحة، وأحسن آية أو أكثر من غيرها كرر ما يحسنه من الفاتحة دون غيرها، وهو وجه عند الشافعية
(2)
.
(1)
. نهاية المطلب (2/ 147).
(2)
. المجموع (3/ 376)، البيان للعمراني (3/ 196)، الحاوي الكبير (2/ 234)، كشاف القناع (1/ 340)، المبدع (1/ 389)، الإنصاف (2/ 52).
* وجه قول الحنابلة:
أن الآية من الفاتحة أقرب إلى الفاتحة من غيرها، ولأن حرمة الفاتحة أوكد، فوجب تكرارها حتى يبلغ قدر الفاتحة.
* ويناقش:
بأن التكرار لا يجب إلا بنص، والشيء الواحد لا يكون أصلًا وبدلًا في وقت واحد، وحين أوجب الشارع الفاتحة دون غيرها من القرآن كان هذا لأمر عائد إلى فضل الفاتحة على غيرها من سور القرآن، ولمعانٍ اختصت بالفاتحة والله سبحانه يفضل بعض كلامه على بعض، وبعض آياته على بعض، وله الحكمة البالغة، وبالنظر إلى آيات الفاتحة فهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام،
القسم الأول: ثناء على الله في ثلاث الآيات الأولى وقد تضمنت كمال صفاته والإيمان بمعاده، وجاءت بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام، وهوما يليق بالله عز وجل، من حمده، وتمجيده والثناء عليه.
القسم الثاني: قسمه الله بينه وبين عبده (إياك نعبد وإياك نستعين).
والقسم الثالث: دعاء خاص للعبد، بالهداية على صراطه المستقيم المخالف لطريق المغضوب عليه وطريق الضالين.
فالقول بأن آيات الفاتحة أقرب شبهًا بها من غيرها ليس دقيقًا، فآيات الدعاء لا تشبه آيات الثناء.
* الراجح:
أرى أن المصلي إذا عرف أكثر الفاتحة قرأه في الصلاة، وسقط عنه ما عجز عنه، ولا يجب عليه بدل عنه؛ لأن للأكثر حكم الكل، وما قارب الشيء يعطى حكمه.
فإن عرف آية أوآيتين وكان ما عجز عنه من الفاتحة أكثر مما يعرفه فإنه يقرؤه، ويسقط عنه الباقي إلى غير بدل، ولو قيل: إذا لم يعرف إلا آية أو آيتين فإنه ينتقل إلى البدل، وتسقط عنه القراءة، لو قيل به فهو قول قوي جدًّا، وأما الانتقال إلى الذكر فإنه لا ينتقل إلا إذا عجز عن فرض القراءة بالكلية. والله أعلم.
* * *