الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة في اشتراط أن تكون الآيات متوالية منتظمة المعنى
المدخل إلى المسألة:
* شروط العبادات صفات لازمة فيها.
* شروط العبادة كالعبادة لا تثبت إلا بتوقيف.
* اشتراط أن يكون البدل بمقدار آيات الفاتحة أو بمقدار كلماتها فيه حرج ومشقة، والأصل عدم الاشتراط.
* القراءة في الصلاة يغلب عليها التعبد، وهو حاصل بمجرد تلاوة الآية كاملة.
* لا يشترط في البدل أن يكون بمقدار المبدل منه، ولا بمعناه.
* إذا لم يشترط في البدل أن يكون متضمنًا لمعنى الفاتحة من ثناء ودعاء لم يشترط فيه أن يكون بمقدار الفاتحة من باب أولى؛ لأن قصد المعنى أولى من قصد العدد.
* كل آيات القرآن يصلح أن يكون بدلًا عن الفاتحة، فلم يتعين البدل بآيات بعينها، وإذا لم يتعين البدل لم يشترط توالي الآيات، بخلاف الفاتحة فإن الفرض متعين في آياتها فاشترط الترتيب والتوالي.
* الأبدال مبناها على التخفيف، فالتيمم أخف من الوضوء والغسل، ومسح الخفين أخف من غسل القدمين.
[م-552] إذا كان المصلي لا يحفظ الفاتحة، وقرأ آيات من القرآن بدلًا منها، أيشترط في الآيات أن تكون متوالية مع القدرة على التوالي أم يجوز أن تكون الآيات متفرقة غير منتظمة المعنى؟
هذه المسألة لا تتنزل على مذهب أبي حنيفة لأن الفرض عندهم يتأدى بآية واحدة، ولو كانت قصيرة.
كما لا تتنزل على المعتمد من مذهب المالكية؛ لأنهم لا يقولون بمشروعية التعويض عن الفاتحة، فإذا عجز عنها سقط عنه فرض القراءة.
وعلى هذا سيكون البحث في مذهب الشافعية والحنابلة القائلين بالتعويض، وقد توجه لها بالبحث أصحاب الإمام الشافعي، فكان في مذهبهم قولان:
القول الأول:
قالوا: إنْ أَحْسَنَ سبعَ آيات متوالية على ترتيب المصحف لم يجز العدول إلى المتفرقة، اختاره إمام الحرمين، والغزالي والرافعي
(1)
.
جاء في المجموع: «وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي»
(2)
.
وقال الغزالي في الوسيط: «فإن عجز عن آيات متوالية، فتجزئه آيات متفرقة»
(3)
.
* وجه اشتراط الآيات متوالية:
أن المتوالي أشبه بالفاتحة، ولأن المفرق قد لا يفيد معنى منتظمًا، وهو شرط في أحد القولين كما سيأتي.
القول الثاني:
قال النووي: «الأصح المنصوص في الأم: جواز المتفرقة مع حفظه متوالية.
والمنصوص عن الشافعي في الأم، قوله:«وسواء كان الآي طوالًا أو قصارًا لا يجزيه إلا بعدد آي أم القرآن، وسواء كن في سورة واحدة أو سور متفرقة لا يجزيه حتى يأتي بسبع آيات»
(4)
.
قال أبو زرعة العراقي: ويوافقه قول التنبيه: «(قرأ بقدرها من غيرها) فإنه لم
(1)
. فتح العزيز (3/ 337)، المجموع (3/ 375)، روضة الطالبين (1/ 245)، مغني المحتاج (1/ 358).
(2)
. المجموع (3/ 375).
(3)
. الوسيط في المذهب (2/ 118).
(4)
. الأم (1/ 124).
يفصل بين أن يحفظ متوالية أم لا»
(1)
.
واستدرك النووي على الرافعي في الروضة، فقال:«قد قطع جماعة بأن تجزئه الآيات المتفرقة وإن كان يحسن المتوالية، سواء فرقها من سورة أو سور؛ منهم القاضي أبو الطيب، وأبو علي البندنيجي، وصاحب البيان، وهو المنصوص في (الأم) وهو الأصح. والله أعلم»
(2)
.
وتعقب الإسنوي النووي في المهمات، فقال: «وما ذكره من أن هؤلاء قد نصوا على جواز المتفرقة مع إمكان المتوالية ليس كذلك، فقد راجعت كلام الشافعي والبندنيجي والعمراني فلم أجد لهم تصريحًا بالإجزاء في هذه الحالة، بل قالوا: إنه يجزئ الذي يحسنه، سواء كان من سور أم سورة، وهذا إطلاق يصح تنزيله على ما صرح به أولئك.
وإجمال تعينه تفسيرهم، وقد صرح بالمنع الشيخ أبو محمد والإمام، والغزالي في (البسيط) والقاضي مجلي في (الذخائر) والرافعي، لاسيما أن المعاني الحاصلة من اتصال الآيات تفوت، فقد لا تفهم أن المتفرقة من القرآن بالكلية»
(3)
.
يقصد الإسنوي أن الذين استند إليهم النووي لم يُصرِّحوا بالجواز عند حفظ المتوالية، بل أطلقوا، فيمكن حملُ إطلاقهم على ما قَيَّده غيرُهم
(4)
.
* وجه جواز أن تكون الآيات متفرقة:
القياس على قضاء رمضان، فإن القضاء أوسع من الأداء.
وقد يستدل لهم بقوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، فأطلق القراءة، والمطلق جارٍ على إطلاقه، فيشمل المتوالي كما يشمل المتفرق.
ولأن كل آيات القرآن يصلح أن يكون بدلًا عن الفاتحة، فلم يتعين البدل في سورة بعينها، وإذا لم يتعين لم يشترط توالي الآيات، بخلاف الفاتحة فإن الفرض
(1)
. تحرير الفتاوى (1/ 245).
(2)
. روضة الطالبين (1/ 245).
(3)
. المهمات في شرح الروضة والرافعي (3/ 58).
(4)
. انظر: بداية المحتاج في شرح المنهاج (1/ 237).
متعين في آياتها فاشترط الترتيب والتوالي.
[م-553] وإذا قرأ المصلي آيات متفرقة بدلًا عن الفاتحة، سواء أكان ذلك لعجزه عن المتوالي، أم لكونه لا يرى ذلك شرطًا، فهل يشترط في الآيات المتفرقة أن تفيد معنى منتظمًا؟
في ذلك خلاف بين أصحاب الشافعي رحمهم الله:
فقال إمام الحرمين: «إن لم تفد المتفرقة معنى منتظمًا انتقل إلى الذكر»
(1)
.
جاء في نهاية المطلب: «الإتيان بسبع آيات متفرقات قد لا تفيد معنى منظومًا، ولو قرئت وحدها، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَر} [المدثر: 21]، فيظهر ألَّا يَكْتَفِي بإفراد هذه الآيات، فيردُّ إلى الذكر»
(2)
.
(3)
.
وتوسط الأذرعي: فقال: «ما اختاره النووي إنما ينقدح إذا لم يحسن غير ذلك، أما مع حفظه متوالية، أو متفرقة منتظمة المعنى فلا وجه له، وإن شمله إطلاقهم.
قال الخطيب: «وهذا يشبه أن يكون جمعًا بين الكلامين، وهو جمع حسن»
(4)
.
قلت: القراءة في الصلاة يغلب عليها التعبد، وهو حاصل بمجرد تلاوة الآية كاملة، وكثير من العوام لا يعرف المعنى أهو منتظم أم لا؟ فوضعه شرطًا في حق رجل عاجز عن تحصيل الفاتحة فيه حرج، لهذا أجد من الصعب إفساد الصلاة إذا لم تفد الآيات معنى منتظمًا، المهم ألا تفيد معنى فاسدًا، فإن أفادت معنى فاسدًا
(1)
. نهاية المطلب (2/ 145).
(2)
. انظر: نهاية المطلب (2/ 145).
(3)
. فتح العزيز (3/ 337)، روضة الطالبين (1/ 245)، منهاج الطالبين (ص: 26)، تحفة المحتاج (2/ 44)، مغني المحتاج (1/ 358)، نهاية المحتاج (1/ 485، 486)،تحرير الفتاوى (1/ 245).
(4)
. مغني المحتاج (1/ 358).
كان ذلك ملحقًا باللحن، وإن كان الأولى مع الإمكان أن تكون الآيات متوالية منتظمة المعنى، والله أعلم.
* * *