الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع السابع في مشروعية سجود السهو لترك الاستفتاح
المدخل إلى المسألة:
* الأصل عدم مشروعية سجود السهو إلا بدليل.
* سجود السهو زيادة في الصلاة، فلا يجب إلا بتوقيف.
* السنن القولية لا يشرع سجود سهو لتركها على الصحيح.
[م-520] إذا ترك دعاء الاستفتاح عمدًا أو سهوًا فلا إعادة، ولا سجود سهو عليه، ونسب النووي هذا القول لجمهور العلماء
(1)
.
قال النووي: «وأما غير الأبعاض من السنن، كالتعوذ، ودعاء الافتتاح، ورفع اليدين، والتكبيرات، والتسبيحات، والدعوات، والجهر، والإسرار
…
وسائر الهيئات المسنونات غير الأبعاض فلا يُسْجَدُ لها، سواء تركها عمدًا أو سهوًا»
(2)
.
* دليل من قال: لا يسجد:
الدليل الأول:
الأصل عدم مشروعية سجود السهو إلا بدليل، ولا دليل.
الدليل الثاني:
أن سجود السهو زيادة في الصلاة، فلا يجب إلا بتوقيف.
الدليل الثالث:
أنه ذكر لا يجب في الصلاة، فلم تفسد الصلاة بتركه فلم يجب جبره بالسجود.
(1)
. البحر الرائق (2/ 106)، المجموع (4/ 125، 126)، روضة الطالبين (1/ 298)، الموسوعة الكويتية (4/ 52).
(2)
. المجموع (4/ 125، 126).
وقيل: يجب سجود السهو، وهو قول قديم للشافعية اختاره بعضهم، وقال به من ذهب إلى وجوب الاستفتاح، انظر من قال بوجوبه في مبحث حكم الاستفتاح.
(1)
.
* دليل القول بالوجوب:
أما من قال: إن الافتتاح واجب، فحكمهم ظاهر؛ لأن ترك الواجب سهوًا يوجب سجود السهو، إلا أن القول بوجوب الافتتاح قول ضعيف، وقد ناقشته في مسألة حكم الاستفتاح، فارجع إليه.
وأما من قال: إنه سنة، فلعلهم قاسوا ذلك على سجود السهو لترك التشهد الأول، وذلك على القول بأنه سنة، وهي مسألة خلافية.
فمن رأى أن التشهد الأول سنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لتركه سهوًا، قال بالسجود لترك كل سنة إذا تركها سهوًا، بخلاف من رأى أن التشهد الأول واجب، وسوف يأتينا إن شاء الله تعالى البحث في حكم التشهد الأول في مسألة مستقلة، وإن كان التشهد الأول مكونًا من ذكر وجلوس، بخلاف الافتتاح، فإن تركه لا يلزم منه ترك القيام، والذي هو ركن، والله أعلم.
وقيل: يباح سجود السهو لترك السنة، فإن تركه فصلاته صحيحة، وإن سجد فلا بأس، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(2)
.
جاء في كشاف القناع: «ولا يشرع السجود لترك سنة ولو قولية، كالاستفتاح والتعوذ؛ لأن السجود زيادة في الصلاة، فلا يشرع إلا بتوقيف، وإن سجد لترك سنة قولية، أو فعلية، فلا بأس به نصًّا»
(3)
.
(1)
. المجموع (4/ 126)، وانظر روضة الطالبين (1/ 298).
(2)
. شرح منتهى الإرادات (1/ 233)، مسائل أحمد وإسحاق (2/ 537)، المغني لابن قدامة (2/ 25)، الفروع ت فضيلة الشيخ عبد الله التركي (2/ 251).
(3)
. كشاف القناع (1/ 393).
* واستدل الحنابلة على جواز السجود:
(ح-1308) بما رواه أبو داود، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، والربيع بن نافع، وعثمان بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، بمعنى الإسناد، أن ابن عياش، حدثهم عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن زهير يعني ابن سالم العنسي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، قال عمرو: وحده، عن أبيه،
عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم.
قال أبو داود: ولم يذكر عن أبيه، غير عمرو
(1)
.
[المعروف أنه من رواية عبد الرحمن بن جبير، عن ثوبان، ولم يسمع منه]
(2)
.
(1)
. سنن أبي داود (1038).
(2)
. فيه أكثر من علة:
العلة الأولى: تفرد به إسماعيل بن عياش، وهو وإن كانت روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذا منها، لأن عبيد الله بن عبيد الكلاعي دمشقي، إلا أنه لا يحتمل تفرده بهذا الأصل.
ولهذا قال البيهقي في معرفة السنن (3/ 276): «وهذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بالقوي» .
العلة الثانية: الاختلاف على إسماعيل بن عياش:
فرواه عمرو بن عثمان كما في سنن أبي داود (1038)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 476).
والحكم بن نافع أبو اليمان كما في مسند أحمد (5/ 280)، كلاهما عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله الكلاعي، عن زهير، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن ثوبان.
وخالفه كل من:
أبي داود الطيالسي كما في مسنده (1090)،
وعبد الرزاق كما في المصنف (3533)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (2/ 92) ح 1412، وفي إسناده خطأ.
والربيع بن نافع، وشجاع بن مخلد كما في سنن أبي داود (1038)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 476).
وعثمان بن أبي شيبة كما في سنن أبي داود (1038)، وسنن ابن ماجه (1219).
وهشام بن عمار كما في سنن ابن ماجه (1219)،
وسعيد بن سليمان كما في جزء حنبل بن إسحاق (51)، كلهم رووه عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن زهير بن سالم، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن ثوبان به مرفوعًا، دون زيادة (عن أبيه)، وهو المعروف. =
ولو صح لم يكن نصًّا في المسألة، فهو يقضي بتعدد السجود المشروع بتكرار موجبه، لا عموم السهو لكل متروك، ولو كان سنة قولية، وهو مخالف للثابت من الأحاديث، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين سلم، وتكلم، ومشى ناسيًا، ولم يسجد إلا سجدتين، وقد ذهب الأئمة الأربعة بأن المصلي لو سها أكثر من سهو كفاه سجدتان خلافًا لابن أبي ليلى والأوزاعي.
ثم ظاهر الحديث مشروعية السجود، والحنابلة لا يرون المشروعية، وإنما يرون أن السجود غير مشروع، فإن سجد فلا بأس على الإباحة، فدلالة الحديث لا تطابق المدلول، والله أعلم.
واختار شيخنا ابن عثيمين أنه يسجد إذا ترك شيئًا من السنن، وكان من عادته المواظبة على فعله، قال في الشرح الممتع: «الإنسان إذا ترك شيئًا من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسيانًا، وكان من عادته أن يفعله فإنه يُشرع أن يسجد جَبْرًا لهذا النقص الذي هو نَقْصُ كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: لكلِّ سهو سجدتان
(1)
.
= وخالف إسماعيل بن عياش، الهيثم بن حميد، فرواه عن عبيد الله بن عبيد، عن زهير، عن ثوبان به، مرفوعًا.
وفي إسناده زهير بن سالم العنسي، لم يسمع من ثوبان، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقال الدارقطني كما في تهذيب التهذيب (3/ 297): حمصي، منكر الحديث.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4483)، والروياني في مسنده (658) من طريق المعلى بن منصور، قال: أخبرنا الهيثم بن حميد به، فأسقط عبد الرحمن بن جبير، وأباه.
وقول إسماعيل بن عياش أشبه بالصواب، والله أعلم.
قال البيهقي في السنن: «وهذا إسناد فيه ضعف، وحديث أبي هريرة وعمران وغيرهما في اجتماع عدد من السهو على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اقتصاره على السجدتين يخالف هذا، والله أعلم» .
وقال في معرفة السنن (3/ 276): وهذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بالقوي وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام (339)، والنووي في المجموع (4/ 143، 155)، وفي شرح مسلم (5/ 57)، والأثرم كما في المغني لابن قدامة (2/ 19).
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 29): «وليس إسناده مما تقوم به حجة» .
(1)
. الشرح الممتع (3/ 333).
* الراجح:
أرى أن قول الجمهور هو الأقوى، والأصل عدم المشروعية حتى يثبت الدليل الخاص بالإذن في فعل العبادة؛ لأن المسألة قد تكون زيادة في الصلاة، ولا يمكن القياس على ترك التشهد الأول حتى على القول بأنه سنة، وهو الراجح؛ لأن التشهد الأول قد جمع فيه بين ترك التشهد ومحله، فجمع فيه بين ترك القول والفعل، فلا يقاس الأخف على الأغلظ، والله أعلم.
* * *