الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في التأمين داخل الصلاة
البند الأول في تأمين المنفرد والإمام
المدخل إلى المسألة:
* لا يشترط نية الإمامة لصحة الائتمام، لهذا كان أحكام المنفرد كأحكام الإمام.
* الأصل أن أفعال المأموم عقب الإمام لعموم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا
…
إلخ)، خُصَّ منه التأمين بالنص فإنه يؤمن المأموم مع إمامه؛ لحديث إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين.
* القواعد الأصولية تقتضي تقديم الخاص على العام، ولهذا قال الجمهور: لا يستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير التأمين.
* الحديث المتفق عليه: (إذا أمن الإمام فأمنوا
…
) منطوقه مقدم على مجرد السكوت عن تأمين الإمام في بعض الأحاديث.
* إذا كان الإمام يؤمن في السرية فالجهرية مثلها في الحكم، حيث لم يأت دليل على التفريق بينهما، فما ثبت في السرية ثبت في الجهرية إلا بدليل.
* حديث: (وإذا قال: ولا الضالين فقولوا آمين) سيق لبيان تأمين المأموم وموضعه، وسكت الحديث عن تأمين الإمام، والسكوت عن تأمين الإمام لا ينفيه لا سيما إذا ثبت بدليل آخر.
[م-558] اتفق الفقهاء على استحباب التأمين للمنفرد مطلقًا، سواء أكان في صلاة جهرية أم في سرية
(1)
.
(1)
. شرح مسلم للنووي (4/ 130)، وسننقل عبارته إن شاء الله بعد قليل، وانظر التبصرة للخمي (1/ 277)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 582).
قال القرافي نقلًا عن صاحب الطراز «ولا خلاف أن الفذ يؤمن»
(1)
.
[م-559] واختلفوا في الإمام:
فقيل: لا يستحب له التأمين مطلقًا، لا في السرية ولا في الجهرية، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو خلاف المعتمد من المذهب
(2)
.
وقيل: يستحب للإمام التأمين مطلقًا، وبه قال الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، ورواية المدنيين عن الإمام مالك
(3)
.
(1)
. الذخيرة (2/ 322).
(2)
. المبسوط (1/ 32)، البحر الرائق (1/ 331)، تبيين الحقائق (1/ 113)، النهر الفائق (1/ 212)، الكافي لابن عبد البر (1/ 206)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 237).
(3)
. بدائع الصنائع (1/ 207)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 50)، البحر الرائق (1/ 331)، حاشية ابن عابدين (1/ 493)، تبيين الحقائق (1/ 113)، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 115)، منهاج الطالبين (ص: 26)، المهذب للشيرازي (1/ 139)، المجموع (3/ 368)، نهاية المحتاج (1/ 490)، مغني المحتاج (1/ 359)، تحرير الفتاوى (1/ 247)، مسائل أحمد رواية عبد الله (ص: 72) رقم: 259، الهداية على مذهب الإمام أحمد (ص: 82)، الإقناع (1/ 116)، شرح منتهى الإرادات (1/ 189)، كشاف القناع (1/ 339)، مطالب أولي النهى (1/ 431)، الفروع (2/ 175)، الإنصاف (2/ 50)،
اختلف النقل عن أصحاب الإمام مالك، فمنهم من نقل عن الإمام مالك روايتين:
إحداهما: لا يؤمن، وهذه رواية المصريين عنه.
والرواية الثانية: أنه يؤمن، وهذه رواية المدنيين عنه.
قال ابن عبد البر في الكافي (1/ 206): «وقد اختلف في قول الإمام آمين، فالمدنيون يروون عنه ذلك، والمصريون يأبونه عنه» .
فظاهر قوله: (المدنيون يروون عنه ذلك) أنه يؤمن مطلقًا من غير فرق بين السرية والجهرية، ومثله يقال في رواية المصريين عنه.
وذكر في بداية المجتهد (1/ 155): «ذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه، والمصريين أنه لا يؤمن، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم، وهي رواية المدنيين عن مالك» .
فقوله: لا يؤمن، ظاهره مطلقًا، لا في السرية، ولا في الجهرية، وكذلك يقال في رواية المدنيين عنه.
وقال القاضي عبد الوهاب في الإشراف (1/ 236): «وفي تأمين الإمام روايتان، فوجه إثباته: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمن الإمام فأمنوا ..... ووجه نفيه: قوله عليه السلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) =
وقيل: يؤمن في السرية، ويكره تأمينه في الجهرية، وهو المشهور من مذهب مالك، وهي رواية المصريين عنه، وحكى بعضهم إجماع العلماء على استحباب التأمين في السرية، والخلاف محفوظ
(1)
.
وقيل: يخير الإمام إن شاء أمن، وإن شاء ترك، اختاره ابن بكير
(2)
.
* سبب الاختلاف:
بين ابن رشد سبب الاختلاف في كتابه بداية المجتهد، فقال:
= إلى قوله: (فإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين
…
) فلو كان من سنة الإمام التأمين لكان يقول: فإذا قال: آمين، فقولوا: آمين .... » إلخ كلامه، ولم يفرق بين سرية وجهرية.
وأكثر المالكية ينقلون في تحرير المذهب أن الإمام يؤمن في السرية بالاتفاق، وفي الجهرية على روايتين:
إحداهما: لا يؤمن، وهي رواية المصريين عنه.
والثانية: يؤمن، وهي رواية المدنيين عنه.
قال خليل في التوضيح (1/ 343): «ويؤمن الإمام إذا أسر اتفاقًا، فإذا جهر، فروى المصريون: لا يؤمن. وروى المدنيون: يؤمن .. والمشهور رواية المصريين» .
وفي النوادر والزيادات (1/ 181): «قال ابن القاسم: لا يقول الإمام آمين إلا فيما أسرَّ به خاصة» .
وقال ابن شاس في عقد الجواهر الثمينة (1/ 99): «ويؤمن الإمام إذا أسر، قال القاضي أبو الوليد: لم يختلف أصحابنا في ذلك» .
وقال اللخمي في التبصرة (1/ 277): ويؤمن الإمام في صلاة السر، واختلف في صلاة الجهر
…
» وانظر: جامع الأمهات (ص: 94)، المنتقى للباجي (1/ 162).
(1)
. انظر رواية المصريين عن الإمام مالك في الحاشية السابقة.
قال النووي في شرح مسلم (4/ 130): «وقد اجتمعت الأمة على أن المنفرد يؤمن، وكذلك الإمام والمأموم في الصلاة السرية
…
».
ولا يصح الإجماع في السرية، فالخلاف محفوظ، كما تقدم بأنه رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وهي خلاف المعتمد من مذهبه.
وانظر: طرح التثريب (2/ 267).
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية (ص: 44): «في التأمين .... وهو مستحب للفذ، والمأموم مطلقًا، وللإمام إذا أَسَرَّ اتفاقًا» . يقصد اتفاقًا أي رواية واحدة، ولا يعني الإجماع الاصطلاحي.
وانظر: جامع الإمهات (ص: 94)، إرشاد السالك (1/ 17)، شرح الخرشي (1/ 282)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 326).
(2)
. الذخيرة للقرافي (2/ 223).
«وسبب اختلافهم: أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر:
أحدهما: حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمن الإمام فأمنوا.
والحديث الثاني: ما أخرجه مالك عن أبي هريرة أيضًا أنه قال عليه الصلاة والسلام: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين.
فأما الحديث الأول فهو نص في تأمين الإمام.
وأما الحديث الثاني، فيستدل منه على أن الإمام لا يؤمن، وذلك أنه لو كان يؤمن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الإمام، لأن الإمام كما قال عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
إلا أن يخص هذا من أقوال الإمام: (أعني أن يكون للمأموم أن يؤمن معه أو قبله) فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين، ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط، ولكن الذي يظهر أن مالكًا ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه، يكون السامع هو المؤمن لا الداعي.
وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول لكونه نصًّا، ولأنه ليس فيه شيء من حكم الإمام، وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط، لا في هل يؤمن الإمام أو لا يؤمن، فتأمل هذا»
(1)
.
* دليل من قال: لا يستحب للإمام التأمين:
الدليل الأول:
(ح-1430) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن سمي، مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان،
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(2)
.
(1)
. بداية المجتهد (1/ 156).
(2)
. صحيح البخاري (782).
ورواه مسلم من طريق عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا وإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين
…
الحديث
(1)
.
* وجه الاستدلال من الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مبادرة الإمام، (فإذا كبر فكبروا)، ومعنى ذلك أنه لا يكبر معه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سَلَّم الإمام سلَّم المأموم، عقبه، وهكذا كل أفعال الإمام إنما يفعلها المأموم عقب إمامه، لا قبله، ولا معه، فلو كان الإمام يُؤَمِّن لما أُمِر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الإمام؛ لحديث:(إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا)
(2)
،
فلما بادر المأموم إمامه بالتأمين عقب قول الإمام {وَلَا الضَّالِّين} علم أن الإمام لا يؤمن.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين
…
الحديث.
[اختلف فيه على ابن عجلان في إسناده ولفظه]
(3)
.
الدليل الثاني:
(ح-1431) ما رواه مسلم من طريق أبي عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال:
صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فذكر قصة وفيه: .... قال
(1)
. صحيح مسلم (87 - 415).
(2)
. رواه البخاري (733)، ومسلم (78 - 411) من طريق ليث، عن ابن شهاب،
عن أنس بن مالك، أنه قال:
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الإمام - أو إنما جعل الإمام - ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا .... الحديث.
(3)
. سبق تخريجه، انظر ح (1392).
أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا. فقال: إذا صليتم، فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا قال {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين، يجبكم الله
…
الحديث
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث كوجه الاستدلال بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
* وأجيب عن هذين الدليلين:
الوجه الأول:
أن هناك من قال: إن المأموم يؤمن عقب الإمام، وهو قول في مذهب الحنابلة، وهو مرجوح.
الوجه الثاني:
أن حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا
…
إلخ) هذا عام، فالأصل أن أفعال المأموم عقب الإمام، خُصَّ منه التأمين بالنص فإنه يؤمن المأموم مع إمامه، والقواعد الأصولية تقتضي تقديم الخاص على العام، ولهذا قال الجمهور: لا يستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير هذا
(2)
.
الوجه الثالث:
أن هذا الدليل سيق لبيان تأمين المأموم وموضعه، وسكت الحديث عن تأمين الإمام، والسكوت عن تأمين الإمام ليس دليلًا؛ لأن العدم لا يكون دليلًا، غاية ما في هذا الدليل أنه سكت عن تأمين الإمام، وهذا لا ينفيه خاصة إذا ثبت أن الإمام يؤمن بدليل آخر، كما في الحديث المتفق عليه: (إذا أمن الإمام فأمنوا
…
) فمنطوق هذا الحديث مقدم على مجرد السكوت عن تأمين الإمام في هذا الحديث.
الدليل الثالث:
أن من سنة الدعاء أن يكون المُؤَمِّن غير الداعي، فالداعي يكتفي بالدعاء،
(1)
. صحيح مسلم (62 - 404).
(2)
. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 120)،فتح الباري لابن رجب (7/ 97)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 582).
والسامع يكتفي بالتأمين على دعائه.
* ويجاب:
بأن هذا نظر في مقابل النص، فيكون فاسدًا، ولو سُلِّم أن هذا من سنة الدعاء، فتأمين الإمام على دعائه ثبت بالدليل الخاص المتفق على صحته، فهو مقدم على العام.
* دليل من قال: يستحب للإمام التأمين مطلقًا في السرية والجهرية:
الدليل الأول:
(ح-1432) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(1)
.
ورواه أحمد من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنهما حدثاه
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} ، فقولوا: آمين؛ فإن الملائكة تقول: آمين، والإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.
[رجاله ثقات]
(2)
.
(1)
. صحيح البخاري (780)، وصحيح مسلم (72 - 410).
(2)
. رواه أحمد (2/ 233، 270)، وعبد الرزاق (2644)، والنسائي في المجتبى (927)، وفي الكبرى (1001)، وابن ماجه (852)، والدارمي (1282)، وابن خزيمة (575)، وابن حبان (1804)، والسراج في حديثه (417)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه (231)، عن معمر، عن الزهري به.
وخالف معمرًا كل من:
الإمام مالك كما في الموطأ (1/ 87)، ومن طريقه البخاري (780)، ومسلم (410)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
ويونس كما في صحيح مسلم (73 - 410)، وسنن ابن ماجه (852)، والسنن الكبرى للنسائي على إثر ح (11892)، والمعجم الأوسط للطبراني (8956، 9024)، ومسند البزار =
* فيؤخذ من الحديث:
مشروعية تأمين الإمام في الصلاة الجهرية، وإذا كان يؤمن في الجهرية فالسرية مثلها في الحكم، حيث لم يَأْتِ دليل على التفريق بينهما، فما ثبت في الجهرية ثبت في السرية إلا بدليل.
* ونوقش هذا الاستدلال من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: يحتمل أن يكون معنى: (إذا أمَّن): إذا بلغ موضع التأمين، كقولهم: أحرم إذا بلغ موضع الإحرام، وأَنْجَدَ إذا بلغ نجدًا، وأَتْهَم: إذا بلغ تهامة وإن لم يدخلها، فلا يكون فيه دليل على تأمين الإمام، بدليل الحديث الآخر:(وإذا قال: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} فقولوا: آمين)
(1)
، فلا يلزم من قوله: (إذا
= (7644)، وصحيح ابن خزيمة (1583)،ومستخرج أبي عوانة (1685، 1686)، ومستخرج أبي نعيم (909، 910)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 82).
وابن عيينة كما في صحيح البخاري (6402)، ومسند أحمد (2/ 238)، ومسند الحميدي (962)، ومصنف ابن أبي شيبة (7958، 36392)، والسنن المأثورة للشافعي (172)، ومسند أبي يعلى (5874)، وسنن النسائي (926)، وفي الكبرى له (1000)، وسنن ابن ماجه (851)، والمنتقى لابن الجارود (190)، وحديث أبي العباس السراج (414)، وصحيح ابن خزيمة (569)، ومستخرج أبي عوانة (1688)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 80)،
وعقيل، كما في المعجم الأوسط للطبراني (8956، 9024)،
ومحمد بن أبي حفصة كما في مسند البزار (7645)،
خمستهم رووه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة بلفظ: إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
إلا ابن عيينة فقد رواه أكثر أصحابه عنه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وحده ولم يذكر أبا سلمة في إسناده.
قال الدارقطني في العلل (8/ 87): «وذلك وهم من معمر، والمحفوظ: إذا أمن الإمام فأمنوا» .
وقد يكون دخل على معمر روايته عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، بروايته عن الزهري مرسلًا، فقد رواه عبد الرزاق (2632)، عن معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ، قال:«آمين» ، حتى يسمع من يليه. هكذا مرسلًا، فاختلط على معمر روايته المرسلة بروايته الموصولة، والله أعلم.
(1)
. المنتقى للباجي (1/ 161)، الإبانة في اللغة العربية (2/ 158).
أمن) أي: إذا شرع في التأمين، أو إذا فرغ منه.
* ورد هذا القول:
الرد الأول: حمل حديث (إذا أمن الإمام) على بلوغ الإمام محل التأمين مجاز، والأصل عدم المجاز
(1)
.
كما أن المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر حمل الكلام على حقيقته، ولم يتعذر.
الرد الثاني: أن معنى إذا أمن: أي إذا أراد التأمين، كما في قوله تعالى:{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12]،
وكما في قوله في حديث أنس: (كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)
(2)
، أي: إذا أراد دخوله.
وكقولهم: إذا رحل الأمير فارحلوا: أي إذا تهيأ للرحيل فتهيؤوا
(3)
.
الوجه الثاني: يحتمل معنى: (إذا أمن): إذا دعا بقوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} إلى آخر السورة، بدليل أن الله سمى التأمين دعاء، في قوله تعالى:{قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: 88]، وإنما كان الداعي موسى وكان هارون مؤمنًا
(4)
.
وعلى هذا التأويل لا يكون في الحديث دليل على تأمين الإمام.
* ورد هذا:
بأن تسمية الداعي مُؤَمِّنًا من باب إثبات اللغة بالقياس، واللغة لا تثبت بالقياس في قول الحنفية والمالكية، وبعض الشافعية، ورجحه الشوكاني
(5)
.
(1)
. فتح الباري (2/ 264)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 344).
(2)
. رواه البخاري (142)، ومسلم (122 - 375) من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس.
(3)
. شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 120)،فتح الباري لابن رجب (7/ 97)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 582).
(4)
. القبس شرح الموطأ (ص: 236)، المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 381)، الاستذكار (1/ 474)، المنتقى للباجي (1/ 161).
(5)
. شرح التلويح على التوضيح (2/ 114)، البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 255)، فتح القدير لابن الهمام (10/ 83)، قواطع الأدلة (2/ 199)، بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 258)، الأشباه والنظائر للسبكي (2/ 174)، إرشاد الفحول (1/ 51).
قال أبو الوليد الباجي: «وأما ما احتج به القائل أنه لما قيل للمُؤَمِّنِ داعٍ وجب أن يقال للداعي: مؤمنٌ، فغير صحيح؛ لأن اللغة لا تؤخذ بالقياس وإنما ثبتت بالسماع»
(1)
.
وتسمية المؤمن داعيًا معلوم وجهه؛ لأن المعنى في آمين: اللهم استجب، إلا أن من شرطه أن يتقدمه دعاء.
وأما تسمية الداعي مؤمِّنًا فلا يصح، ولا يلزم من تسمية المؤمِّن داعيًا عكسه، بأن يسمى الداعي مؤمِّنًا، فكل مُؤَمِّنٍ داعٍ، وليس كل داعٍ مؤمِّنًا
(2)
.
الدليل الثاني:
(ح-1433) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس،
عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقال: آمين، يمد بها صوته
(3)
.
[صحيح من رواية سفيان الثوري، وأخطأ فيه شعبة سندًا ومتنًا]
(4)
.
(1)
. المنتقى للباجي (1/ 161).
(2)
. انظر التمهيد (7/ 12).
(3)
. المسند (4/ 316).
(4)
. حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، رواه سلمة بن كهيل، واختلف عليه:
فرواه سفيان الثوري (إمام معروف)، والعلاء بن صالح (صدوق له أوهام)، ومحمد بن سلمة ابن كهيل (ضعيف)، ويحيى بن سلمة بن كهيل (متروك)، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل ابن حجر بالجهر بالتأمين، وهو المحفوظ.
ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل، عن حجر، فقال مرة: عن علقمة، عن وائل، وهي رواية الأكثر من أصحاب شعبة.
وقال أخرى: عن علقمة أو عن وائل بالشك.
وقال شعبة في رواية ثالثة: عن وائل مباشرة دون ذكر علقمة، كرواية الثوري.
وقال في رواية رابعة: عن علقمة، وسمعته من وائل.
هذا بيان اختلاف شعبة في إسناده، فإما أن يرجح منها ما وافق الثوري فقط، أو يحكم عليها بالاضطراب.
وكما خالف شعبة في إسناده فقد خالف في متنه، فقال:(وأخفى التأمين)، وأجمع العلماء على =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= غلطه في هذا الحرف. والحديث صحيح من رواية الثوري ومن وافقه، والله أعلم.
هذا الكلام من حيث الإجمال، وأما التفصيل، فإليك:
فأما رواية سفيان: فرواها وكيع كما في مسند أحمد (4/ 316)، ومصنف ابن أبي شيبة (7960)، والتمييز للإمام مسلم (37)، وغريب الحديث للحربي (2/ 838)، والأوسط لابن المنذر (3/ 131).
وعبد الله بن يوسف كما في القراءة خلف الإمام للبخاري (144).
ويحيى بن سعيد القطان كما في سنن الترمذي (248).
وعبد الرحمن بن مهدي كما في سنن الترمذي (248)، وسنن الدارقطني (1269).
ومحمد بن كثير كما في القراءة خلف الإمام للبخاري على إثر ح (144)، وسنن الدارمي (1283)، والمعجم الكبير للطبراني (22/ 44) ح 111، والتمهيد لابن عبد البر (7/ 14).
وقبيصة بن عقبة كما في القراءة خلف الإمام للبخاري (22/ 44) ح 111، والكبير للطبراني (22/ 44) ح 111.
ومحمد بن يوسف الفريابي كما في سنن الدارقطني (1268).
وأبو داود الحفري عمر بن سعد كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 83)، وفي الخلافيات له (1603).
وعبد الله بن المغيرة (مجروح) كما في الخلافيات للبيهقي (1606).
وخلاد بن يحيى بن صفوان السلمي كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 83)،
والأشجعي (عبيد الله بن عبيد الرحمن) كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 83).
وأبو أحمد الزبيري مختصرًا بذكر التسليم عن اليمين والشمال، كما في مسند أحمد (4/ 317)، كلهم أحد عشر راويًا، رووه عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل به.
وأخرجه الدارقطني (1267) حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي (ثقة) حدثنا وكيع والمحاربي (هو: عبد الرحمن بن محمد بن زياد لا بأس به)، قالا: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس -وهو ابن عنبس- عن وائل بن حجر به.
قال الدارقطني عن شيخه عبد الله بن أبي داود: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في الكلام على الأحاديث.
وأما رواية العلاء بن صالح الأسدي (صدوق له أوهام)، فرواها: ابن أبي شيبة في المصنف (3047)، وأبو داود (933)، والترمذي (249)، والطبراني في الكبير (22/ 45) ح 114، والبيهقي في الخلافيات (1611)، والمزي في تهذيب الكمال (22/ 512، 513) عن عبد الله بن نمير، عن العلاء بن صالح، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل ابن حجر؛ أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين، وسلم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده.
ووقع عند أبي داود: علي بن صالح بدلًا من العلاء بن صالح، وهو وهم.
قال الحافظ في التهذيب (8/ 184): العلاء بن صالح التيمي، ويقال: الأسدي الكوفي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح، وهو وهم».
وأما رواية محمد بن سلمة بن كهيل، فرواه الطبراني في الكبير (22/ 45) ح 113، من طريق حسان بن إبراهيم، حدثنا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي السكن حجر بن عنبس قال: سمعت وائل بن حجر الحضرمي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى رأيت بياض خده من ذا الجانب، ومن ذا الجانب.
وهذا إسناد صالح في المتابعات، فيه محمد بن سلمة بن كهيل، قال أبو داود: سمعت أحمد، قال: محمد بن سلمة بن كهيل مقارب الحديث. سؤالاته (400).
وقال البرقاني عن الدارقطني: يعتبر به.
وأما رواية يحيى بن سلمة بن كهيل، فرواها الدولابي في الكنى (1090)، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان، قال: حدثنا الحسن بن عطيَّة، قال: أنبأ يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي سكن حجر بن عنبس الثقفي، قال: سمعت وائل بن حجر الحضرمي، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من الصلاة، حتى رأيت خده من هذا الجانب ومن هذا الجانب، وقرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فقال:«آمين» ، يمد بها صوته، ما أراه إلا يُعَلِّمُنا.
ويحيى بن سلمة بن كهيل متروك، فالإسناد غير صالح في المتابعات.
وقد أعله ابن القطان بأربعة أمور، ذكر منها أن حجر بن عنبس لا تعرف حاله. انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 374، 375)، وسوف نذكر الثلاثة الأخرى بعد استكمال التخريج إن شاء الله تعالى.
والحق أنه ثقة، قال عثمان بن سعيد الدارمي كما في تهذيب الكمال (5/ 473): شيخ كوفي ثقة مشهور. وكذا نقله ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 201).
والذي في تاريخ ابن معين رواية الدارمي (254): شيخ كوفي مشهور.
وكذا هو أيضًا في الجرح والتعديل (3/ 267)، وليس فيه قوله: ثقة.
وقد صحح الدارقطني حديثه كما في السنن ط الرسالة (2/ 127)، وتنقيح التحقيق (2/ 200)، وهو يتضمن توثيقه.
واختلف في صحبته، وقال أبو حاتم: أدرك الجاهلية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، زاد في الاستيعاب: ولكنه آمن به في حياته.
وقال الخطيب: كان ثقة، احتج به غير واحد من الأئمة تاريخ بغداد ط العلمية (8/ 268).
وقال الحافظ في التلخيص ط قرطبة (1/ 427): «سنده صحيح، وصححه الدارقطني
…
». إلخ كلامه.
هكذا رواه سفيان والعلاء بن صالح ومحمد بن سلمة بن كهيل، فقالوا: عن سلمة، عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر.
وخالفهم شعبة، واختلف عليه أيضًا سندًا ومتنًا على أربعة وجوه:
الأول: قيل: عن شعبة، عن سلمة بن كهيل عن حُجْرٍ أبي العنبس، عن علقمة عن وائل، أو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن حجر عن وائل. بالشك.
رواه أحمد (4/ 316)، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حُجْر أبي العَنْبَس، قال: سمعت علقمة يحدث، عن وائل، أو سمعه حجر من وائل، قال: صلى بنا رَسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ:{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين، وأخفى بها صوته، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، وسلم عن يمينه وعن يساره.
ورواه الدارقطني (1270)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 837) من طريق يزيد بن زريع حدثنا شعبة به.
فهذان ثقتان محمد بن جعفر، وهو مقدم في شعبة، ويزيد بن زريع، وهو ثقة من أصحاب شعبة، روياه عن شعبة بالشك، هل سمعه حجر بن عنبس عن وائل، أو سمعه من علقمة، عن وائل.
الوجه الثاني: عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي عنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، جزمًا من غير شك.
رواه يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر (غندر) كما في التمييز لمسلم (36).
ووهب بن جرير، وعبد الصمد كما في صحيح ابن حبان (1805).
وسليمان بن حرب كما في غريب الحديث للحربي (2/ 837)، والمعجم الكبير للطبراني (22/ 9) ح 2، ومستدرك الحاكم (2913).
ويزيد بن هارون كما في حديث أبي العباس السراج (429)، وجزء قراءات النبي صلى الله عليه وسلم لحفص بن عمر، والسابع من فوائد أبي عثمان البحيري (60).
ووكيع كما في المعجم الكبير للطبراني (9/ 45) ح 112،
وعفان بن مسلم كما في معجم الكبير للطبراني (22/ 9) ح 3، قال: حدثنا أحمد بن محمد السوطي، حدثنا عفان. (غريب من حديث عفان، فأحمد بن محمد بن مهران السوطي مجهول الحال).
ثمانيتهم (القطان، وغندر، ووهب بن جرير، وعبد الصمد، وسليمان بن حرب، ويزيد بن هارون، ووكيع، وعفان) رووه عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال:{ولا الضالين} [الفاتحة: 7] قال آمين. زاد غير وهب بن جرير وعبد الصمد: وخفض -وفي رواية أخفى- بها صوته.
ورواه أبو الوليد الطيالسي، عن شعبة، واختلف على أبي الوليد:
فرواه إبراهيم الحربي كما في غريب الحديث للحربي (2/ 837)،
وأبو إسماعيل القاضي كما في مستدرك الحاكم (2913)، كلاهما عن أبي الوليد الطيالسي، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن علقمة، عن أبيه، وقال: يخفي بها صوته.
وخالفهما معاذ بن المثنى العنبري، كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 43) ح 109، عن أبي الوليد الطيالسي، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت أبا عنبس يحدث عن وائل=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحضرمي .... الحديث، وليس فيه (علقمة) ووافقهم في المتن على إخفاء التأمين.
تابع أبا الوليد من رواية معاذ بن المثنى عنه بإسقاط علقمة تابعه أبو عامر العقدي، وحجاج بن نصير، كلاهما عن شعبة به، وسوف أفرد هذا الوجه باعتباره وجهًا آخر من الاختلاف على شعبة.
فاتفق هؤلاء الثلاثة إبراهيم الحربي وأبو إسماعيل القاضي ومعاذ بن المثنى كلهم رووه عن أبي الوليد الطيالسي، عن شعبة في إخفاء التأمين، واختلفوا في ذكر علقمة بن وائل.
وخالفهم كلهم إبراهيم بن مرزوق، كما في سنن البيهقي (2/ 84) فرواه عن أبي الوليد الطيالسي، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا أبا عنبس، يحدث عن وائل الحضرمي؛ أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال:{ولا الضالين} ، قال:«آمين» ، رافعًا بها صوته.
فأسقط علقمة من إسناده، وقال:(آمين رافعًا بها صوته).
وهذه رواية شاذة، لا تحفظ من رواية أبي الوليد، فقد رواه عن أبي الوليد إسماعيل بن إسحاق القاضي (ثقة)، وإبراهيم الحربي (ثقة) ومعاذ بن المثنى العنبري (ثقة)، فقالوا: فقال: آمين وأخفى بها صوته.
كما أن رفع الصوت بالتأمين لم يذكره كل من رواه من أصحاب شعبة عنه غير أبي الوليد من رواية إبراهيم بن مرزوق عنه (وإبراهيم صدوق عمي قبل موته، فكان يخطئ ولا يرجع) فلا يشك أحد في شذوذ هذا الحرف، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق بالوجه الثاني من الاختلاف على شعبة.
الوجه الثالث: عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن وائل، ليس فيه علقمة.
كإسناد الثوري والعلاء بن صالح.
رواه أبو الوليد الطيالسي من رواية معاذ بن المثنى عنه، كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 43) ح وتقدم الكلام عليها.
وأبو عامر العقدي كما في التمييز لمسلم (36)، ولم يذكر لفظه.
وحجاج بن نصير كما في المعجم الكبير للطبراني (22/ 44) ح 110، وفي الصحابة لأبي نعيم (6482) بلفظ: أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] قال: آمين، فأخفى بها صوته، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى وسلم عن يمينه، وعن يساره، هذا لفظ معاذ، زاد حجاج بن نصير: وجعلها على بطنه ..... وذكر الحديث، وهي زيادة منكرة لم يتابع عليها حجاج بن نصير، وهو رجل ضعيف.
الوجه الرابع: عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل، يحدث عن وائل، وقد سمعت من وائل به.
أخرجه الطيالسي في مسنده (1117)، ومن طريقه: الطحاوي في شرح المعاني (1/ 269). وفي أحكام القرآن (335)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 83).
وقد صحح البيهقي ذكر علقمة في إسناده اعتمادًا على رواية أبي داود الطيالسي هذه، فقال في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السنن (2/ 83): «وأما قوله: عن علقمة، فقد بين في روايته أن حجرًا سمعه من علقمة، وقد سمعه أيضًا من وائل نفسه، وقد رواه أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رواية الثوري» .
قلت: انفرد بهذا الوجه أبو داود الطيالسي دون أصحاب شعبة مثل غندر، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، وجماعة من أصحاب شعبة مثل سليمان بن حرب وعبد الصمد ويزيد بن هارون وغيرهم كثير تقدم تخريج رواياتهم، لم يذكروا ما ذكره أبو داود الطيالسي، فلو خالف الطيالسي محمد بن جعفر وحده لقدم عليه، كيف وقد خالف معه أكثر من تسعة من الرواة على رأسهم يحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، وقد روى محمد بن جعفر وهو المقدم في شعبة وتابعه يزيد بن زريع أن شعبة كان يشك في ذكر علقمة في إسناده، فأرى أن هذا الطريق ليس محفوظًا، ولو كان هذا ثابتًا ما أَعَلَّ البخاري ذكر علقمة في إسناده بعدم ذكره في رواية الثوري، كما سيأتي نقل كلامه إن شاء الله تعالى.
وقد أعلت رواية شعبة بثلاث علل:
العلة الأولى: الاختلاف على شعبة، فكان تارة يذكر علقمة في إسناده، وتارة يحذفه، وتارة يشك في ذكر علقمة في الإسناد، وتارة يذكر أن حجر بن عنبس سمعه من علقمة وسمعه من أبيه، خاصة أن هذه الاختلافات من الطبقة الأولى من أصحاب شعبة، وإن كان أكثر الرواة عن شعبة على ذكر علقمة بن وائل في إسناده. فهذه علة في إسناد شعبة.
ولم يختلف على سفيان الثوري في إسناده، وقد توبع سفيان الثوري، تابعه العلاء بن صالح، ومحمد بن سلمة بن كهيل.
العلة الثانية: أن سفيان الثوري رواه بقوله: (وقال: آمين ورفع بها صوته) وقال شعبة، وخفض بها صوته، فهذه علة أخرى في المتن والعلة الأولى في الإسناد.
قال البيهقي في المعرفة: «رواه شعبة عن سلمة بن كهيل فقال في متنه: (خفض بها صوته)، وقد أجمع الحفاظ؛ محمد بن إسماعيل البخاري وغيره: على أنه أخطأ في ذلك» .
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 318، 319): «لا أعلم خلافًا بين أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قول سفيان .... ثم ساق البيهقي بإسناده إلى العباس بن محمد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ليس أحد يخالف سفيان الثوري إلا كان القول قول سفيان. قلت: وشعبة أيضًا إن خالفه؟ قال: نعم.
ثم ساق البيهقي بإسناده إلى يحيى بن سعيد أنه قال: ليس أحد أحب إليَّ من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان.
ثم ساق البيهقي بإسناده إلى وكيع، أنه قال: قال شعبة: سفيان أحفظ مني، وما حدثني سفيان عن شيخ، فلقيت الشيخ إلا وجدته كما قال سفيان».
العلة الثالثة: أن شعبة قال: عن حجر أبي العنبس، وقال سفيان: حجر بن عنبس، والخطب سهل في هذه، فإن الاختلاف في كنية الراوي لا يغير شيئًا من إسناده، فسواء أكانت كنيته =
وجه الاستدلال:
إذا حفظ التأمينُ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم دل على مشروعية التأمين للإمام، لأن الوقائع تحمل على الغالب، وغالب صلاته صلى الله عليه وسلم كان إمامًا، ولم يُصَلِّ مَأْمُومًا إلا نادرًا.
الدليل الثالث:
(ح-1434) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم،
= أبا العنبس كما ذهب إلى هذا ابن حبان وابن الملقن أم كانت كنيته أبا السكن كما ذكر ذلك محمد ويحيى ابنا سلمة بن كهيل، أم كان له أكثر من كنية كما رجح ذلك ابن حجر، فإن عينه واحدة، لهذا لن أطيل في بيان الخطأ من الصواب في هذا الاختلاف.
وقد خطأ شعبة كل من البخاري ومسلم والدارقطني وأبي زرعة وغيرهم.
قال الترمذي في السنن (2/ 27 - 29): «سمعت محمدًا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث: فقال: عن حُجْرٍ أبي العَنْبَس، وإنما هو عن حُجْر بن عَنْبَس، ويُكْنَى أبا السَّكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل، وليس فيه: عن علقمة، وإنما هو عن حُجْر بن عَنْبَس عن وائل بن حُجْرٍ، وقال: وخفض بها صوته، وإنما هو: ومدَّ بها صوته، وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: حديث سفيان في هذا أصح
…
».
وقال مسلم في التمييز (ص: 180): «أخطأ شعبة في هذه الرواية حين قال: وأخفى صوته» .
هذا فيما يتعلق بطريق حجر بن عنبس، عن وائل.
وقد روي حديث وائل من غير طريق حجر بن عنبس:
رواه أبو إسحاق السبيعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب فلما فرغ منها قال: آمين، يرفع بها صوته.
وعبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه، وقد خرجت هذا الطريق فيما سبق، فانظر:(ح: 1289).
كما رواه شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بآمين.
رواه أحمد (4/ 318)،
ومحمد بن إسحاق الصغاني، كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 84)، كلاهما (أحمد، والصغاني) روياه، عن أسود بن عامر، عن شريك به. إلا أن شريكًا قد اضطرب فيه:
…
فمرة يرويه عن عاصم بن كليب، عن أبيه عن وائل بن حجر،
ومرة يرويه شريك عن علقمة بن وائل، عن أبيه.
وثالثة يرويه عن أبي إسحاق عن علقمة بن وائل، عن أبيه.
ورابعة يرويه شريك، عن سماك، عن علقمة عن أبيه. وقد استوفيت تخريج طريق شريك عند الكلام على طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، انظر (ح 1253).
عن شعيب، حدثنا الليث، حدثنا خالد، عن سعيد بن أبي هلال،
عن نعيم المُجْمِرِ قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} [الفاتحة: 1]، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] فقال: آمين. فقال الناس: آمين ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
[لم يَرْوِهِ عن أبي هريرة إلا نعيم بن المُجْمِرِ، تفرد به سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، ورواه البخاري ومسلم من طريق أبي سلمة، ومن طريق أبي بكر بن الحارث بن هشام، ورواه البخاري من طريق سعيد المقبري، ورواه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، أربعتهم (أبو سلمة وأبو بكر، والمقبري، وأبو صالح)، رووه عن أبي هريرة، وليس فيه ذكر قراءة البسملة ولا الجهر بها، ولا التأمين، فأخشى ألا يكون محفوظًا]
(2)
.
الدليل الرابع:
(ح-1435) ما رواه أبو داود في السنن، قال: حدثنا نصر بن علي، أخبرنا صفوان بن عيسى، عن بشر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة،
عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، قال:«آمين» ، حتى يُسمِعَ مَنْ يليه من الصفِّ الأول
(3)
.
ورواه ابن ماجه، قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى به، ولفظه: ترك الناس التأمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} قال: «آمين» ، حتى يسمعَها أهلُ الصف الأول، فيرتجُّ بها المسجد
(4)
.
(1)
. سنن النسائي (905).
(2)
. سبق تخريجه، انظر:(ح 1342).
(3)
. سنن أبي داود (934).
(4)
. سنن ابن ماجه (853).
[ضعيف]
(1)
.
الدليل الخامس:
ما رواه ابن خزيمة من طريق إسحاق بن إبراهيم، وهو ابن العلاء الزبيدي، قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: أخبرني الزهري، عن أبي سلمة وسعيد،
عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: آمين
(2)
.
[ضعيف]
(3)
.
(1)
. رواه أبو داود (934)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (1616)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 13).
ورواه أبو يعلى في مسنده (6220)، والبزار (8817)، ثلاثتهم (أبو داود وأبو يعلى، والبزار) قالوا: حدثنا نصر بن علي الجهضمي به.
وهو إسناد ضعيف، ابن عم أبي هريرة فيه جهالة، لم يوثقه إلا ابن حبان، والراوي عنه بشر بن رافع، قال فيه أحمد: ليس بشيء، ضعيف الحديث. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، لا نرى له حديثًا قائمًا. وانظر تنقيح التحقيق (2/ 203).
وقد ضعفه ابن القطان الفاسي بهما. انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 156).
قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وبشر بن رافع ليس بالقوي، وإن كان قد روى عنه جماعة من أهل العلم، وحدثوا عنه.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 106): «هذا إسناد ضعيف؛ أبو عبد الله: لا يعرف حاله، وبشر: ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات» .
(2)
. صحيح ابن خزيمة (571).
(3)
. فيه أكثر من علة:
العلة الأولى: في إسناده إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي المعروف أبوه بزبريق، ضعيف، وإذا روى عن عمرو بن الحارث فهو ضعيف جدًّا.
قال النسائي: «ليس بثقة، إذا روى عن عمرو بن الحارث» . قلت: وهذا منها.
وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال أيضًا: قال لي ابن عوف: ما أشك أن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق يكذب. يعني: محمد بن عوف الحمصي، وضعفه الذهبي في الميزان.
ووثقه مسلمة بن قاسم، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 113).
وقال ابن أبي حاتم كما في الجرح والتعديل (1/ 209): «سمعت أبي يَقُول: سمعت يحيى بن معين -وأثنى على إسحاق بن الزبريق خيرًا- وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه. قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (يعني ابن أبي حاتم): وسئل أبي عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، فقال: شيخ».
العلة الثانية: عمرو بن الحارث بن الضحاك الزبيدي، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 480)، وقال: مستقيم الحديث. ولم يوثقه غيره.
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 226) وسكت عليه.
وقال الذهبي في الميزان (3/ 251): «تفرد بالرواية عنه: إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ومولاة له اسمها علوة، فهو غير معروف العدالة، وابن زبريق: ضعيف» .
العلة الثالثة: الاختلاف فيه على لفظه:
فرواه محمد بن يحيى الذهلي كما في صحيح ابن خزيمة (571)،
ويحيى بن محمد بن عمرو، كما في صحيح ابن حبان (1806)،
ويحيى بن عثمان بن صالح كما في سنن الدارقطني (1274)، وسنن البيهقي (2452)،
وأبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي كما في مستدرك الحاكم (812)، أربعتهم رووه عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء به، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: آمين.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين! والصواب أنه ليس على شرط أحد منهما.
وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن.
فتعقبه ابن رجب، فقال في الفتح (4/ 492):«كذا قال، ووصله وهمٌ، إنما هو مدرج من قول الزهري، كما رواه مالك» . يقصد ابن رجب رواية الزهري كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: آمين.
وخالفهم عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء كما في مسند الشاميين للطبراني (1713) فرواه عن أبيه به، بلفظ: إذا أمَّن القارئ فأمِّنوا، فإن الملائكة تؤمِّن، فمن وافق تأمينُه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
وليس فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين.
وعمرو بن إسحاق لم أقف له على ترجمة، وذكره المزي في تهذيبه قائلًا: لم أجد له ترجمة، وانظر إرشاد القاصي والداني (719)، إلا أن لفظ عمرو بن إسحاق محفوظ من حديث الزهري، رواه البخاري بحروفه (6402) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وحده، عن أبي هريرة.
ورواه الإمام مالك كما في الموطأ (1/ 87)، ومن طريقه البخاري (780)، ومسلم (410)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
ويونس كما في صحيح مسلم (73 - 410)، كلاهما (مالك ويونس) عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، بلفظ: إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، وسبق تخريج جميع طرقه.
ورواه محمد بن الوليد الزبيدي كما في سنن النسائي (925)، وفي الكبرى له (999)، قال: =
* ونوقش:
المعروف من حديث الزهري أنه روى تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(1)
، وتأمين الإمام مسندًا بلفظ:(إذا أمن الإمام -وفي رواية القارئ- فأمنوا .... ) متفق عليه، وسبق تخريجه، وليس فيه كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول آمين.
* وأجيب:
بأن الاحتجاج بالمرسل مختلف فيه، وهو حجة عند الجمهور وحجة عند الشافعي إذا اعتضد، وقد اعتضد بحديث وائل بن حجر، وهو حديث صحيح، وسبق تخريجه.
وكل خطاب خاطب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته فهو داخل فيه، وما شرع للإمام في الصلاة شرع ذلك في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الإمام المطلق، إلا بدليل يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا العموم.
الدليل السادس:
(ح-1436) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم،
عن أبي عثمان، قال: قال بلال: يا رسول الله لا تسبقني بآمين
(2)
.
[مرسل، على اختلاف في إسناده، وقد رجح أبو حاتم والدارقطني وابن
= أخبرني الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
ورواية الزبيدي نص في أن الملائكة تؤمن على دعاء الإمام ففيه اتحاد التأمين على دعاء واحد، وحديث أبي سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة ليس فيه إلا أنه وعد من وافق تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، فيحتمل أن يكون التأمين على وجه الاستقلال ويحتمل أنه تأمين على دعاء واحد، وهو الأقرب، وسوف أتعرض له بالبحث إن شاء الله تعالى.
والخلاصة أن حديث الزهري مسندٌ من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين لم يثبت، والمحفوظ عن الزهري عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأما السنة القولية عن الزهري بتأمين الإمام، لا تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بلفظ: (إذا أمن الإمام، وفي رواية: القارئ فأمنوا
…
) متفق عليه، وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته داخل فيها بالعموم إلا بدليل، وهي من مباحث أصول الفقه، والله أعلم.
(1)
. روى مالك في الموطأ (1/ 87)، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (780)، ومسلم (72 - 410).
وعبد الرزاق في المصنف (2632) عن معمر، كلاهما، عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. وهذا مرسل.
(2)
. المسند (6/ 12).
خزيمة والبيهقي إرساله]
(1)
.
الدليل السابع:
(ح-1437) ما رواه الدارقطني من طريق بحر السقاء، عن الزهري، عن سالم،
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: وَلَا الضَّالِّين [الفاتحة: 7]، قال: آمين، ورفع بها صوته
(2)
.
قال الدارقطني: بحر السقاء ضعيف
(3)
.
الدليل الثامن:
(ح-1438) ما رواه الإمام إسحاق بن راهويه من طريق هارون الأعور، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن ابن أم الحصين،
عن أمه، أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يقول:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّين} ، فلما قرأ {وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7] قال: آمين، حتى سمعته وهي في صف النساء
(4)
.
[ضعيف]
(5)
.
(1)
. سبق تخريجه، انظر: ح (174) من المجلد الأول.
(2)
. سنن الدارقطني (1272).
(3)
. ومن طريق بحر السقاء أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (341).
(4)
. مسند إسحاق بن راهويه (2396).
(5)
. الحديث أخرجه إسحاق بن راهويه (2396)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (1620). ورواه أبو يعلى في معجمه (313)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5409)، والمعجم الكبير للطبراني (25/ 158) ح 383، وحفص بن عمر في جزء قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، والدارقطني في الثاني من الأفراد (1)، من طريق هارون بن موسى النحوي به.
وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 226) عن هارون، عن إسماعيل بن سالم (والصواب: إسماعيل بن مسلم) به.
لم يروه عن أبي إسحاق إلا إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف، وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات.
قال الدارقطني: «هذا حديث غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين، تفرد به إسماعيل بن مسلم المكي عنه، ولم يروه عنه غير هارون بن موسى النحوي» .
وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 114).
الدليل التاسع:
(ث-352) روى البخاري معلقًا بصيغة الجزم، قال أبو عبد الله: وكان أبو هريرة ينادي الإمام لا تفتني بآمين
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
. صحيح البخاري (1/ 156).
(2)
. وصله عبد الرزاق في المصنف (2640)، عن ابن جريج، عن عطاء. وهذا إسناد صحيح، وابن جريج مكثر عن عطاء، فلا تضر عنعنته.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (7978) حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، أن أبا هريرة كان مؤذنًا بالبحرين، فقال للإمام: لا تسبقني.
وهذا إسناد صحيح، وفيه متابعة لأثر عطاء بن أبي رباح.
وروى عبد الرزاق في المصنف (2637) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان مؤذنًا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين.
وهذا إسناد صحيح أيضًا، ويحيى بن أبي كثير رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن المدني، وهو من أعلم الناس بحديث أهل المدينة.
وقد روى البزار في المسند (8546) أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد الأموي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل العلاء بن الحضرمي على البحرين، فاستتبعه أبا هريرة، فاشترط عليه أن يكون مؤذنًا، ولا يسبقه بآمين.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا لم يروه عن المقبري إلا ابنه عبد الله بن سعيد، وهو رجل متروك، وبه أعله البزار، حيث قال: لا نعلم أحدًا تابعه على روايته عن المقبري.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (7962) حدثنا وكيع، قال: حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان مؤذنًا بالبحرين، فقال للإمام: لا تسبقني بآمين.
وهذا إسناد حسن، الوليد بن رباح، قال عنه البخاري: مقارب الحديث. وقال أبو حاتم: صالح. وباقي إسناده ثقات.
وروى عبد الرزاق في المصنف (2639) عن بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة دخل المسجد، والإمام فناداه أبو هريرة: لا تسبقني بآمين.
وبشر بن رافع فقيه ضعيف الحديث، لكنه صالح في المتابعات.
وقد روى البيهقي في السنن الكبرى (2/ 58) من طريق أبي سهل بن زياد القطان، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم، فاشترط ألا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه قد دخل الصف، فكان مروان إذا قال: ولا الضالين، قال أبو هريرة: آمين، يمد بها صوته، وقال: إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لهم.
ورجاله ثقات إلا أبا سهل بن زياد قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق. وقال الدارقطني: ثقة، فالإسناد بين أن يكون حسنًا أو صحيحًا.
الدليل العاشر:
(ث-353) روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: قلت له:
أكان ابن الزبير يؤمِّن على إثر أم القرآن؟ قال: نعم، ويؤمِّن من وراءه حتى أن للمسجد لَلَجَّةً
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
فهذان صحابيان صح عنهما نقل تأمين الإمام، ولم يَأْتِ ما يعارضهما، فصح أن السنة في أن الإمام يؤمن مع المأموم.
* دليل من قال: لا يؤمن الإمام في الجهرية:
هذا القول جمع بين أدلة القولين السابقين، فحملوا أدلة القائلين بأنه لا يستحب تأمين الإمام مطلقًا على الصلاة الجهرية.
وأن السنة في الدعاء أن الداعي يدعو، وغيره يؤمن.
وحملوا أدلة القائلين بأنه يستحب للإمام التأمين مطلقًا على الصلاة السرية.
وهذا قول مرجوح، فإن الأدلة صريحة في تأمين الإمام في الجهرية.
* الراجح:
لا ينبغي الخلاف في أن الإمام حكمه حكم الفذ فإنه يؤمن مطلقًا في السرية والجهرية. والله أعلم.
* * *
(1)
. المصنف (2640).
(2)
. ورواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (1/ 156).