المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٢

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل التاسع في سكتات الصلاة

- ‌المبحث الأول في سكوت الإمام لدعاء الاستفتاح

- ‌الفرع الأول في حكم الاستفتاح

- ‌الفرع الثاني في قول المصلي (وأنا أول المسلمين) إذا استفتح بحديث علي رضي الله عنه

- ‌الفرع الثالث في استحباب الاستفتاح للمأموم

- ‌الفرع الرابع في استفتاح المأموم فيما يجهر به الإمام

- ‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح

- ‌الفرع السادس السنة الاستفتاح الإسرار به

- ‌الفرع السابع في مشروعية سجود السهو لترك الاستفتاح

- ‌الفرع الثامن في فوات الاستفتاح

- ‌المطلب الأول في فوات الاستفتاح إذا شرع بالتعوذ

- ‌المطلب الثاني في استفتاح المسبوق إذا أدرك الإمام قائمَا في غير الركعة الأولى

- ‌المبحث الثاني في استحباب سكتة لطيفة بين الفاتحة والتأمين

- ‌المبحث الثالث في سكوت الإمام بعد الفراغ من التأمين

- ‌المبحث الرابع في حكم السكتة بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع

- ‌الباب السادس القراءة في الصلاة

- ‌الفصل الأول في قراءة الفاتحة وما يرتبط بها

- ‌المبحث الأول في حكم الاستعاذة

- ‌المبحث الثاني في صفة الاستعاذه

- ‌المبحث الثالث في محل الاستعاذه

- ‌المبحث الرابع في الجهر بالاستعاذة

- ‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة

- ‌المبحث السادس في مشروعية البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في قرآنية البسملة

- ‌الفرع الثاني في قراءة البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الثالث في الجهر بالبسملة

- ‌المبحث السابع في قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في حكم قراءتها

- ‌الفرع الثاني

- ‌الفرع الثالث

- ‌الفرع الرابع في تكرار الفاتحة في كل ركعة

- ‌الفرع الخامس في قراءة المأموم فاتحة الكتاب

- ‌الفرع السادس في شروط قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها

- ‌المسألة الثانية في اشتراط الموالاة في قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الثالثة في تنكيس القراءة

- ‌الفرع السابع في العجز عن قراءة الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الأولى إذا لم يحسن القراءة من القرآن مطلقًا

- ‌مطلب في تعين بدل القرآن بجمل معينة

- ‌المسألة الثانية في المصلي إذا لم يعرف إلا بعض الفاتحة فقط

- ‌المسألة الثالثة في المصلي إذا كان معه بعض الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الرابعة في المصلي يعجز عن الفاتحة ويعرف غيرها من القرآن

- ‌المسألة الخامسة في مقدار ما يجزئ عن الفاتحة من القرءان

- ‌المسألة السادسة في اشتراط أن تكون الآيات متوالية منتظمة المعنى

- ‌المسألة السابعة إذا عجز عن القرآن والذكر

- ‌الفرع الثامن في التأمين على دعاء الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في معنى التأمين

- ‌المسألة الثانية في فضل التأمين

- ‌المسألة الثالثة في حكم التأمين

- ‌المطلب الأول في حكم التأمين خارج الصلاة

- ‌المطلب الثاني في التأمين داخل الصلاة

- ‌البند الأول في تأمين المنفرد والإمام

- ‌البند الثاني في تأمين المأموم

- ‌المقصد الأول في تأمين المأموم في السرية

- ‌المقصد الثاني في تأمين المأموم في الجهرية

- ‌الغصن الأول في تأمين المأموم على قراءة نفسه وعلى قراءة إمامه

- ‌الغصن الثاني في تأمين المأموم إذا لم يسمع قراءة إمامه

- ‌الغصن الثالث في تأمين المأموم إذا ترك إمامه التأمين

- ‌المسألة الرابعة في صفة التأمين

- ‌المطلب الأول في صفة تأمين الإمام

- ‌المطلب الثاني في صفة تأمين المأموم

- ‌المطلب الثالث في صفة تأمين المنفرد

- ‌المسألة الخامسة في موافقة المأموم للإمام في التأمين

- ‌المسألة السادسة في فوات التأمين

- ‌المسألة السابعة في حكم الزيادة على التأمين

- ‌الفصل الثاني في الأحكام المتعلقة بقراءة ما زاد على الفاتحة

- ‌المبحث الأول في حكم قراءة ما زاد على الفاتحة للإمام والمنفرد

- ‌الشرط الثاني: ألا يخالفه غيره من الصحابة

الفصل: ‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح

‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح

المدخل إلى المسألة:

* جواز الافتتاح بكل ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

* يكفي اختيار دعاء واحد من أدعية الاستفتاح.

* لا يشرع الجمع بين أدعية الاستفتاح حيث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بينها.

* لا تحصل السنة بذكر بعض الاستفتاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح به كله، فإما أن تأخذ بالسنة على وجهها أو تدعها خلافًا للشافعية.

* ما كان فيه طول من أدعية الاستفتاح فالأولى أن يكون في صلاة الليل، أو في صلاة المنفرد؛ لأن السنة إذا صلى الرجل بالناس أن يخفف.

* أصح أدعية الاستفتاح إسنادًا ما رواه أبو هريرة (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)، رواه البخاري ومسلم.

* الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك لم يثبت مرفوعًا، وصح عن عمر رضي الله عنه.

[م-517] اتفق العلماء القائلون بمشروعية الافتتاح على جواز الافتتاح بكل ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الافتتاحات الواردة.

قال ابن خزيمة: جائز للمصلي أن يفتتح بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح الصلاة به بعد التكبير من حمد، وثناء على الله عز وجل، ودعاء مما هو في القرآن، ومما ليس في القرآن من الدعاء

(1)

.

وقال ابن تيمية: «الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة باتفاق المسلمين»

(2)

.

(1)

. صحيح ابن خزيمة (1/ 266).

(2)

. حاشية الروض المربع (2/ 23)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 170).

ص: 66

يقصد باتفاق المسلمين القائلين بمشروعية الافتتاح.

[م-518] واختلفوا في الأفضل منها:

فقيل: المختار منها: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وهذا هو المعتمد في مذهب الحنفية، والمذهب عند الحنابلة، وبه قال الثوري، وإسحاق في رواية، وهو مروي عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن مسعود

(1)

.

وقيل: المختار منها حديث علي رضي الله عنه، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا .. ، وهذا مذهب الشافعية، واختيار الآجري من الحنابلة، ورواية ثانية عن إسحاق

(2)

.

وقيل: المختار حديث أبي هريرة: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي

) الحديث.

(1)

. البحر الرائق (1/ 327، 328)، فتح القدير لابن الهمام (1/ 289)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 42)، فيض الباري على البخاري (2/ 334).

قال أحمد كما في مسائل أبي داود (ص: 46): «نحن نذهب إلى استفتاح عمر» .

وقال أيضًا في مسائل ابنه عبد الله: «أما الذي نذهب إليه في الافتتاح

إلى ما روينا عن عمر أنه كان يقول إذا افتتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم وبحمدك

»، وذكر بقية الأثر.

وسأل إسحاق بن منصور الإمام أحمد: ما يقول إذا افتتح الصلاة؟ قال: أما أنا فأذهب إلى قول عمر رضي الله عنه، وإن قال كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس به بأس .. ».

وقال ابن رجب في القواعد (ص: 15): «ومنها الاستفتاح، فالمذهب أن الأفضل الاستفتاح بسبحانك اللهم مقتصرًا عليه» .

وانظر: الفروع (2/ 169)، المغني (1/ 342)، الإنصاف (2/ 47)، شرح منتهى الإرادات (1/ 187)، كشاف القناع (1/ 335)، مسائل حرب الكرماني من أول كتاب الصلاة ت الغامدي (ص: 48).

(2)

. قال البيهقي في الخلافيات (2/ 256): «والمختار أن يستفتح بقوله: وجهت وجهي.

وقال أبو حنيفة: الاختيار فيه قوله: سبحانك اللهم وبحمدك». اهـ

وانظر: الأم (1/ 128)، المجموع (3/ 321)، فتح العزيز (3/ 300، 301)، تحفة المحتاج (2/ 30)، مغني المحتاج (1/ 352)، نهاية المحتاج (1/ 473)، الحاوي الكبير (2/ 100)، البيان للعمراني (2/ 176)، التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن (7/ 21)، معالم السنن (1/ 197)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/ 91).

وانظر قول الآجري من الحنابلة: في الفروع (2/ 169)، المبدع (1/ 382)، الإنصاف (2/ 47).

ص: 67

قال أحمد في رواية الميموني: ما أحسن حديث أبي هريرة في الاستفتاح، فقيل له: فإن بعض الناس يقول: هذا كلام، فقال متعجبًا: وهل الدعاء إلا كلام في الصلاة؟

(1)

.

وقيل: الأفضل أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة، وهو رواية عن ابن تيمية، وصوبه في الإنصاف

(2)

.

وقيل: المختار أن يجمع بين قوله: سبحانك الله وبحمدك وبين قوله: (وجهت وجهي)، وهو قول أبي يوسف، ورواية ثالثة عن إسحاق، ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة، وطائفة من الشافعية، منهم أبو إسحاق المروزي، واختاره ابن تيمية من الحنابلة

(3)

.

* وجه تفضيل الافتتاح بسبحانك اللهم وبحمدك:

الوجه الأول:

أن الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك) يشتمل على أفضل الكلام، فإنه إذا جمع مع التكبير صار متضمنًا لقول:(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهن: إنهن أفضل الكلام بعد القرآن.

الوجه الثاني:

أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وابن مسعود كانا يستفتحان بذلك، وصح

(1)

. انظر فتح الباري لابن رجب (6/ 386).

(2)

. الإنصاف (2/ 47).

(3)

. فتح القدير لابن الهمام (1/ 288)، بحر المذهب للروياني (2/ 21)، فتح الباري لابن رجب (6/ 386)، مسائل حرب الكرماني، من أول كتاب الصلاة ت الغامدي (ص: 50)، المبدع (1/ 382)، الإنصاف (2/ 47).

قال النووي في الروضة (1/ 240): «قال جماعة من أصحابنا: منهم أبو إسحاق المروزي والقاضي أبو حامد: السنة أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول:

وجهت وجهي». وانظر: المجموع (3/ 321).

ونقل ابن رجب عن الإمام إسحاق ثلاث روايات:

إحداها: الاستفتاح بحديث: (سبحانك اللهم

).

والثانية: الاستفتاح بحديث علي رضي الله عنه: (وجهت وجهي

).

والثالثة: ذهب إلى الجمع بين حديث عليٍّ رضي الله عنه، وحديث:(سبحانك اللهم وبحمدك). انظر فتح الباري لابن رجب (6/ 377، 386).

ص: 68

عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجهر به بمحضر من الصحابة؛ ليتعلمه الناس.

قال ابن تيمية: واختيار هؤلاء، وجهر عمر به أحيانًا بمحضر الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل.

الوجه الثالث:

ومنها أنه استفتاح أخلص للثناء على الله، وغيره من الاستفتاحات متضمن للدعاء، والثناء أفضل من الدعاء، ولهذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن؛ لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى والثناء عليه.

فإذا قلت: (سبحانك الله وبحمدك) جمعت بين التنزيه والكمال: أي نزهتك تنزيهًا مقرونًا بحمدك، والحمد: يتضمن الحب والثناء.

وإذا قلت: (وتبارك اسمك) اسم مفرد مضاف، فيشمل جميع أسماء الله تعالى.

وإذا قلت: (وتعالى جدك) أي أن عظمتك وغناك عالية لا يساميها أي عظمة.

وإذا قلت: (ولا إله غيرك) ختمتها بكلمة التوحيد الذي أرسل بها جميع الرسل، فجاءت كلمة التوحيد بعد الثناء عليه ليكون توحيده بالألوهية مبنيًّا على كماله سبحانه

(1)

، وهي أثقل شيء في الميزان كما يفيده حديث البطاقة، وهو حديث صحيح خرجته في حكم تارك الصلاة.

الوجه الرابع:

أن الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم

) متضمن للإخبار عن صفات كماله، ونعوت جلاله، والاستفتاح بوجهتُ وجهي إخبار عن عبودية العبد، وبينهما فرق.

الوجه الخامس:

أن من اختار الاستفتاح بـ (وجهت وجهي) كالشافعية لا يكملونه، وإنما يأخذون بقطعة من الحديث ويذرون باقيه، بخلاف الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك) فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره

(2)

.

فإن قيل: هذا ثناء ليس فيه دعاء.

(1)

. انظر الشرح الممتع (3/ 46، 48).

(2)

. زاد المعاد (1/ 199).

ص: 69

فالجواب: أن هذا الثناء والذكر فيه تعريض بالدعاء كما قال تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} . أي آخر دعائهم.

وقد قيل لسُفيان هذا الثناء، فأين الدعاء؟ فأنشد قول أمية بن أبي الصلت:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حباؤك إن شيمتك الحباء؟

إذا أثنى عليك المرء يومًا

كفاه من تعرضه الثناء

حباؤك: أي عطاؤك.

فكل واحد من الدعاء والذكر يتضمن الآخر، ويدخل فيه.

* وجه تفضيل الافتتاح بالتوجيه:

قال ابن الملقن: «وإنما قدم الشافعي الاستفتاح بـ (وجهت وجهي)

لموافقة ألفاظ القرآن، وإلا فحديث أبي هريرة في الباب أقوى منه»

(1)

.

جاء في معرفة السنن للبيهقي: «قال الشافعي: أصل ما نذهب إليه أن أول ما يبدأ بقوله، وفعله ما كان في كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم»

(2)

.

فذكر الشافعي سبب الترجيح، وأنه يعود لأمرين:

أحدهما: موافقة الكتاب العزيز، فيقدم على غيره من الافتتاحات.

والثاني: أنه سنة مرفوعة، وحديث (سبحانك الله وبحمدك) صح موقوفًا، والمرفوع أولى.

* ونوقش:

بأن الافتتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك

) يوافق بعضه آيات من القرآن الكريم، مثل (تبارك اسمك) ومثل:(تعالى جدك).

* وجه تفضيل حديث أبي هريرة:

حديث أبي هريرة مما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم، فهو أصح إسنادًا من حديث علي بن أبي طالب حيث انفرد به مسلم.

قال ابن حجر: «وحديث أبي هريرة أصح ما ورد في ذلك»

(3)

.

(1)

. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 21).

(2)

. معرفة السنن (2/ 345).

(3)

. فتح الباري لابن حجر (2/ 230).

ص: 70

وأصح من حديث (سبحانك اللهم وبحمدك) حيث لم يصح مرفوعًا، وإنما صح الأثر به عن عمر رضي الله عنه، والمرفوع مقدم على الموقوف.

وحديث أبي هريرة في صلاة الفرض، وقد قيل: إن حديث علي في صلاة الليل، كما في رواية النسائي من مسند محمد بن مسلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعًا، قال: وجهت وجهي.

* ونوقش:

الوجه الأول:

أن زيادة (إذا قام يصلي تطوعًا) جاءت من رواية ابن أبي فروة، وهو متروك والله أعلم،

وقد جاء التصريح بأنه في المكتوبة من طريقين كلاهما أصح من طريق النسائي.

(ح-1303) فقد رواه أبو داود من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع،

عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة، قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا

وذكر الحديث.

[صحيح].

ولم ينفرد به ابن جريج، ولا يضره لو انفرد مثله.

فقد رواه أحمد، قال: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة به، بنحوه بذكر الصلاة المكتوبة

الوجه الثاني:

أن في الجمع تطويلًا على المأمومين بما لم تَأْتِ به سنة صحيحة.

* دليل من رجح الجمع بين أدعية الاستفتاح:

الدليل الأول:

(ح-1304) استدلوا بما رواه البيهقي من طريق بشر بن شعيب بن أبي حمزة، أن أباه حدثه أن محمد بن المنكدر أخبره،

أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا استفتح

ص: 71

الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له

(1)

.

[هذا اللفظ معلول سندًا ومتنًا]

(2)

.

الدليل الثاني:

(ح-1305) ما رواه الطبراني في الكبير من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي، عن محمد بن المنكدر،

عن عبد الله بن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استفتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين، سبحانك اللهم بحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين

(3)

.

[ضعيف]

(4)

.

(1)

. سنن البيهقي (2/ 52).

(2)

. سبق تخريجه، ولله الحمد، انظر (ص: 27).

(3)

. المعجم الكبير (12/ 353) ح 13324.

(4)

. ورواه الطبراني في الدعاء (500) بالإسناد نفسه.

ورواه أبو علي الرَّفَّاء: حامد بن محمد بن عبد الله الهروي في فوائده بانتخاب الدارقطني (37) من مجموع فيه ثلاثة أجزاء، والجوهري في أماليه (ص: 17) من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي به.

وهذا الحديث قد ضعفه البيهقي في السنن (2/ 52) بعبد الله بن عامر، وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 6): «كان ممن يقلب الأسانيد والمتون، ويرفع المراسيل والموقوف، روى عن ابن المنكدر، عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة، قال:

وذكر الحديث، ثم ساق بإسناده إلى يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن عامر الأسلمي ليس بشيء».

وترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 449)، ونقل عن جمع من الأئمة تضعيفه.

وضعفه ابن حجر في التلخيص (1/ 563)، وابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 157).

وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 107).

ص: 72

الدليل الثالث:

قال إسحاق: وإذا أراد أن يجمع بين: سبحانك اللهم

وبين: وجهت وجهي

أحب إلي، لما يرويه المصريون، حديثًا عن الليث بن سعد، عن سعيد بن يزيد، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

جاء في كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال أحمد: هذا حديث باطل موضوع، لا أصل له، أرى أن هذا من رواية خالد بن القاسم المدائني، وكان بالمدائن، خرج إلى مصر، فسمع من الليث، فرجع إلى المدائن، فسمع منه الناس، فكان يوصل المراسيل، ويضع لها أسانيد. فخرج رجل من أهل الحديث إلى مصر في تجارة، فكتب كتب الليث هناك

ثم جاء بها إلى بغداد، فعارضوا بتلك الأحاديث فبان لهم أن أحاديث خالد مفتعلة

(1)

.

* وجه القول بأنه يفعل هذا تارة، وهذا تارة:

الوجه الأول:

أن الصفات المتنوعة يشرع الأخذ بكل ما صح بشرطين:

أحدهما: أن يصح الدليل المثبت للمشروعية.

الثاني: أن تخلو المسألة من مانع يمنع القول بالتنوع، كما لو كانت الحادثة لم تقع إلا مرة واحدة، واختلفت فيها الروايات، فلا سبيل إلى إثبات التنوع فيها، فهنا يصار إلى الترجيح، أما إذا تعددت الوقائع، وصحت الدلائل فجميع صفات العبادة مشروعة، ولا يكره شيء منها، ومنها أدعية الاستفتاح، وتنوع الأذان، والتشهد في الصلاة، ونحوها.

الوجه الثاني:

أن المستحب في تنوع العبادة أن تفعل على الوجه الذي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه حقيقة التأسي به صلى الله عليه وسلم، فالثابت عنه أنه كان يأتي بهذه الأدعية، كل نوع على حدة، فلم يصح عنه أنه كان يجمع بينها، فلا يستحب الجمع، ولا أنه كان يلزم

(1)

. العلل لابن أبي حاتم (410)، وانظر: مسائل حرب الكرماني، من أول كتاب الصلاة، ت الغامدي (ص: 50)، نصب الراية (1/ 319)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 129).

ص: 73

صيغة واحدة، فكان مقتضى التأسي فعل كل ما صح عنه صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثالث:

أن التفضيل بين هذه الأدعية مع ثبوتها كلها ليس مبنيًّا على تفضيل شرعي اقتضاه تقديم الرسول صلى الله عليه وسلم لبعضها على بعض، أو لأنه ثبت أن بعضها كان أكثر استعمالًا، أو لأن الآخر إنما فعل في حالات قليلة، أو لأنه ثبت أنه فعل بعضها تحت داعي الحاجة، أو السرعة، أو لبيان الجواز، فإذا لم يوجد مقتضي التفضيل كانت التسوية بينهما من العدل المأمور به.

الوجه الرابع:

أن في تنوع العبادة فوائد تعود على العبادة نفسها، من ذلك:

أنه يلزم من التزام نوع واحد هجر للسنن الباقية، وذريعة لاندراس بعض السنن المتنوعة كتنوع الأذان والاستفتاحات والتشهد، بخلاف التنوع فإن فيه إحياء لجميع السنن الواردة في العبادة، وإصابة للسنة من جميع وجوهها.

ومنها: أن في فعلها كلها سببًا في انتشارها وشهرتها وفي تركها قد تتحول السنة عند بعض الناس إلى منكر، فينكر على من يفعل بعض الصفات المشروعة؛ لجهل الناس بها.

ومنها: أن التنوع أدعى لخشوع القلب وحضوره؛ لأن التزام صفة واحدة يحول العبادة إلى عادة يؤديها بلا حضور قلب أو خشوع.

* الراجح:

كل من فَضَّل بين أدعية الاستفتاح فقد نظر في تفضيل بعضها على بعض إلى أحد وجوه التفضيل، فلا يوجد أن أحدها له الأفضلية المطلقة:

فمنهم من نظر في التفضيل إلى معنى دعاء الاستفتاح، فوجد أن الثناء على الله سبحانه وتعالى ونعوته بأوصاف الجلال والكمال أولى من غيره، فقدم قوله:(سبحانك اللهم وبحمدك)؛ لأنه ثناء خالص لله، ولم يَرَ التفاوت في الأصحية سببًا في التفضيل.

وبعضهم نظر في التفضيل لكون حديث التوجه يشتمل على آيات من القرآن الحكيم، ففضل الافتتاح بـ (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض

ص: 74

حنيفًا

)؛ لأن ما وافق لفظ القرآن كان عنده أفضل.

وبعضهم نظر في التفضيل إلى قوة السند، ففضل الافتتاح بحديث أبي هريرة:(اللهم باعد بيني وبين خطاياي .... ) لكونه قد اتفق عليه البخاري ومسلم.

ومنهم من ذهب إلى الجمع بينها استدلالًا بأحاديث ضعيفة لم تثبت، فهذا سبب اختلاف الأقوال في تفضيل بعضها على بعض في الجملة.

وأرى أن أقوى الأقوال القول بأن يفعل هذا تارة وهذا تارة؛ لموافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من المصالح التي أشرت إليها في البحث، والله أعلم.

* * *

ص: 75