المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ٢

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل التاسع في سكتات الصلاة

- ‌المبحث الأول في سكوت الإمام لدعاء الاستفتاح

- ‌الفرع الأول في حكم الاستفتاح

- ‌الفرع الثاني في قول المصلي (وأنا أول المسلمين) إذا استفتح بحديث علي رضي الله عنه

- ‌الفرع الثالث في استحباب الاستفتاح للمأموم

- ‌الفرع الرابع في استفتاح المأموم فيما يجهر به الإمام

- ‌الفرع الخامس في الأفضل من صيغ الاستفتاح

- ‌الفرع السادس السنة الاستفتاح الإسرار به

- ‌الفرع السابع في مشروعية سجود السهو لترك الاستفتاح

- ‌الفرع الثامن في فوات الاستفتاح

- ‌المطلب الأول في فوات الاستفتاح إذا شرع بالتعوذ

- ‌المطلب الثاني في استفتاح المسبوق إذا أدرك الإمام قائمَا في غير الركعة الأولى

- ‌المبحث الثاني في استحباب سكتة لطيفة بين الفاتحة والتأمين

- ‌المبحث الثالث في سكوت الإمام بعد الفراغ من التأمين

- ‌المبحث الرابع في حكم السكتة بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع

- ‌الباب السادس القراءة في الصلاة

- ‌الفصل الأول في قراءة الفاتحة وما يرتبط بها

- ‌المبحث الأول في حكم الاستعاذة

- ‌المبحث الثاني في صفة الاستعاذه

- ‌المبحث الثالث في محل الاستعاذه

- ‌المبحث الرابع في الجهر بالاستعاذة

- ‌المبحث الخامس في تكرار الاستعاذة في كل ركعة

- ‌المبحث السادس في مشروعية البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في قرآنية البسملة

- ‌الفرع الثاني في قراءة البسملة في الصلاة

- ‌الفرع الثالث في الجهر بالبسملة

- ‌المبحث السابع في قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌الفرع الأول في حكم قراءتها

- ‌الفرع الثاني

- ‌الفرع الثالث

- ‌الفرع الرابع في تكرار الفاتحة في كل ركعة

- ‌الفرع الخامس في قراءة المأموم فاتحة الكتاب

- ‌الفرع السادس في شروط قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها

- ‌المسألة الثانية في اشتراط الموالاة في قراءة الفاتحة

- ‌المسألة الثالثة في تنكيس القراءة

- ‌الفرع السابع في العجز عن قراءة الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الأولى إذا لم يحسن القراءة من القرآن مطلقًا

- ‌مطلب في تعين بدل القرآن بجمل معينة

- ‌المسألة الثانية في المصلي إذا لم يعرف إلا بعض الفاتحة فقط

- ‌المسألة الثالثة في المصلي إذا كان معه بعض الفاتحة وغيرها من القرآن

- ‌المسألة الرابعة في المصلي يعجز عن الفاتحة ويعرف غيرها من القرآن

- ‌المسألة الخامسة في مقدار ما يجزئ عن الفاتحة من القرءان

- ‌المسألة السادسة في اشتراط أن تكون الآيات متوالية منتظمة المعنى

- ‌المسألة السابعة إذا عجز عن القرآن والذكر

- ‌الفرع الثامن في التأمين على دعاء الفاتحة

- ‌المسألة الأولى في معنى التأمين

- ‌المسألة الثانية في فضل التأمين

- ‌المسألة الثالثة في حكم التأمين

- ‌المطلب الأول في حكم التأمين خارج الصلاة

- ‌المطلب الثاني في التأمين داخل الصلاة

- ‌البند الأول في تأمين المنفرد والإمام

- ‌البند الثاني في تأمين المأموم

- ‌المقصد الأول في تأمين المأموم في السرية

- ‌المقصد الثاني في تأمين المأموم في الجهرية

- ‌الغصن الأول في تأمين المأموم على قراءة نفسه وعلى قراءة إمامه

- ‌الغصن الثاني في تأمين المأموم إذا لم يسمع قراءة إمامه

- ‌الغصن الثالث في تأمين المأموم إذا ترك إمامه التأمين

- ‌المسألة الرابعة في صفة التأمين

- ‌المطلب الأول في صفة تأمين الإمام

- ‌المطلب الثاني في صفة تأمين المأموم

- ‌المطلب الثالث في صفة تأمين المنفرد

- ‌المسألة الخامسة في موافقة المأموم للإمام في التأمين

- ‌المسألة السادسة في فوات التأمين

- ‌المسألة السابعة في حكم الزيادة على التأمين

- ‌الفصل الثاني في الأحكام المتعلقة بقراءة ما زاد على الفاتحة

- ‌المبحث الأول في حكم قراءة ما زاد على الفاتحة للإمام والمنفرد

- ‌الشرط الثاني: ألا يخالفه غيره من الصحابة

الفصل: ‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها

‌الفرع السادس في شروط قراءة الفاتحة

‌المسألة الأولى في وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها

المدخل إلى المسألة:

* الفاتحة ركن في الصلاة عند جمهور العلماء، وعند الحنفية: الركن القراءة، ولا تتعين في الفاتحة، فعلى الأول: إذا سَلِمَت الفاتحة من النقص صحت الصلاة، وعند الحنفية لا فرق في الحكم بين الفاتحة وغيرها.

* إذا قلنا: الفاتحة ركن، فهل هو ركن واحد، أو كل حرف منها ركن، الصحيح الأول، ورجحه البهوتي في كشاف القناع وهو مذهب الحنفية والمالكية.

* الطواف ركن في الحج، وقال الحنفية: إذا طاف أربعة من ثلاثة وفارق مكة جبره بدم، فأعطوا جزء الركن حكم الواجب، وليس حكم الركن.

* إذا قلنا: الفاتحة ركن واحد، فمراعاة شداتها واجب لها، والإخلال به لا يُخِلُّ بالركن ما لم يغير المعنى، وسهوه مغتفر؛ لأن للأكثر حكم الكل.

* ضابط الإخلال في قراءة الفاتحة بتخفيف المشدد إذا غير المعنى عند الحنفية، وهو الصواب، فإذا سَلِم المعنى لم يؤثر تخفيف المشدد.

* بطلان العبادة مع سلامة المعنى قول شديد يحتاج إلى برهان، والأصل عدمه.

* قال القاضي أبو يعلى: لا تبطل بترك شدة؛ لأنها غير ثابتة في خط المصحف، وهي صفة في الكلمة، يبقى معناها من دونه كالحركة، ويسمى تاركها قارئًا.

[م-538] الحرف المشدد قائم مقام حرفين، فإذا خفف القارئ الحرف

ص: 384

المشدد فكأنه ترك حرفًا من الفاتحة، وكذلك إذا شدد حرفًا مخففًا كان بمنزلة من زاد حرفًا على الفاتحة، وفي الفاتحة إحدى عَشْرَةَ شَدَّةً إن اعتبرنا البسملة ليست آية منها كما هو مذهب جمهور العلماء، أو أربع عشر شَدَّة إن اعتبرنا البسملة منها كما هو مذهب الشافعية، وقد تقدم الخلاف في البسملة.

[م-539] وقد اختلف العلماء في حكم المنفرد والإمام إذا ترك حرفًا أو شدة من الفاتحة، وكذا المأموم عند من يوجب قراءة الفاتحة عليه إما مطلقًا كالشافعية، أو في السرية كما في اختيار بعض المالكية وبعض الحنابلة، وأقوالهم كالتالي:

القول الأول: مذهب الحنفية:

لا فرق عند الحنفية بين ترك الشَّدَّة من الفاتحة أو من غيرها؛ لأن الفرض عندهم لا يتعين في الفاتحة، فالركن عندهم قراءة ما تيسر من القرآن، وقد سبق بحث المسألة، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يقع الخطأ في القَدْرِ الذي يقوم به الفرض، أو يقع في القدر المستحب من القراءة.

والحكم في ترك الشدة عندهم كالحكم في الخطأ إذا وقع في الإعراب من نصب مرفوع، أو عكسه.

قال ابن الهمام في فتح القدير: «ترك المد والتشديد كالخطأ في الإعراب»

(1)

.

وقال في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: «الخطأ في الإعراب، ويدخل فيه تخفيف المشدد وعكسه (يعني: تشديد المخفف)

إلخ»

(2)

.

وحكم الخطأ في الإعراب: إن تغير به المعنى فلهم قولان:

الأول: مذهب المتقدمين:

فقد ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن ما يغير المعنى يفسد به الصلاة مطلقًا، سواء أكان اعتقاده كفرًا أم لا، كما لو قرأ قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} برفع لفظ الجلالة، ونصب العلماء، وكما لو قرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بتخفيف التشديد، وسواء أكان مثله في القرآن أم لا، حتى ولو كان ذلك في غير القرآن، كما

(1)

. فتح القدير (1/ 323)، حاشية ابن عابدين (1/ 632).

(2)

. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 339).

ص: 385

لو مد همزة (أكبر) من قوله: الله أكبر.

وقال أبو يوسف: «إن غير المعنى وكان مثله في القرآن لم تفسد به الصلاة.

وإن كان لا يغير المعنى، فإن كان مثله في القرآن نحو:(إن المسلمون) لم تفسد به الصلاة باتفاق الأئمة الثلاثة.

وإن كان لا يغير المعنى، وليس مثله في القرآن مثل:(قيامين بالقسط):

فعند أبي حنيفة ومحمد: لا تفسد الصلاة به، وعند أبي يوسف تفسد.

فالعبرة في الفساد وعدمه عند الإمام أبي حنيفة ومحمد تغير المعنى تغيرًا فاحشًا، سواء أكان اللفظ موجودًا في القرآن أم لا.

وعند أبي يوسف إن كان اللفظ نظيرُهُ موجودٌ في القرآن لم تفسد الصلاة به مطلقًا، سواء أتغير به المعنى تغيرًا فاحشًا أم لا، وإن لم يكن موجودًا في القرآن فتفسد مطلقًا، ولا يعتبر الإعرابُ أصلًا.

هذا خلاصة مذهب المتقدمين وأخذ به بعض المتأخرين؛ لكونه أحوط»

(1)

.

الثاني: مذهب أكثر المتأخرين من الحنفية كابن مقاتل ومحمد بن سلام وإسماعيل الزاهد وأبي بكر البلخي والهندواني وابن الفضل والحلواني إلى أن الخطأ في الإعراب لا يفسد الصلاة مطلقًا، ولو كان اعتقاده كفرًا، وعلى هذا مشى في الخلاصة، فقال: وفي النوازل: لا تفسد في الكل، وبه يفتى.

وحجتهم: أن أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الإعراب، ولأن اشتراط الصواب في الإعراب يوقع الناس في الحرج، وهو مرفوع شرعًا.

ومحل الاختلاف في الخطأ والنسيان، أما في العمد فتفسد به الصلاة مطلقًا إذا كان مما يفسد الصلاة، أما إذا كان ثناء فلا يفسد، ولو تعمد ذلك

(2)

.

القول الثاني: مذهب المالكية:

قالوا: إذا ترك منها الإمام أو المنفرد آية أو أقل أو أكثر أو تركها كلها سهوًا،

(1)

. فتح القدير (1/ 323)،.

(2)

. فتح القدير لابن الهمام (1/ 322)، حاشية ابن عابدين (1/ 361)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 239).

ص: 386

ولم يمكنه تلافي ذلك سجد للسهو، ولم تبطل صلاته، حتى على القول بوجوبها في كل ركعة، وظاهر المدونة أنه يعيد أبدًا احتياطًا، وهو ظاهر المذهب.

وقيل: يعيد إذا تركها في ركعة من ثنائية أو في ركعتين من رباعية، وهذا مبني على أن الفاتحة تجب في أكثر الركعات إن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية

(1)

.

فإن لم يسجد للسهو، أو تركها عمدًا بطلت حتى على القول بأنها لا تجب في كل ركعة.

وقيل: لا سجود عليه، لأن الأقل تبع للأكثر

(2)

.

القول الثالث: مذهب الشافعية:

المصلي إن شدد حرفًا مخففًا أساء، وأجزأه، قال بعضهم: إلا إذا تغير المعنى وتعمد.

وإن خفف المصلي حرفًا مشددًا من الفاتحة متعمدًا، ولو كان مأمومًا لم تَصِحَّ قراءته ولا صلاته؛ فإن لم يتعمد بطلت قراءة تلك الكلمة

(3)

، ولم تبطل صلاته.

(1)

. سبق لنا مذهب المالكية في وجوب الفاتحة، ولهم في وجوبها أربعة أقوال:

فقيل: تجب في كل ركعة، وهو قول مالك في المدونة، وشهره ابن بشير، وابن الحاجب، وابن عبد الوهاب، وابن عبد البر، وهو أصح الأقوال في المذهب، وقال القرافي: هو ظاهر المذهب.

وقيل: تجب في الجل، وسنة في الأقل، فتجب في اثنتين من الثلاثية، وفي ثلاث من الرباعية، وفي كل الركعات من الثنائية، وإليه رجع مالك.

وهذان القولان مشهوران عند المالكية، وفيه قولان آخران:

أحدهما: أنها تجب في ركعة، وسنة في الباقي. انظر: حاشية الدسوقي (1/ 238).

الثاني: وقيل: واجبة في النصف، وسنة في الباقي.

(2)

. حاشية الدسوقي (1/ 238، 239)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 311، 312)، التاج والإكليل (2/ 213، 214)، مواهب الجليل (1/ 519) و (2/ 102)، الفواكه الدواني (1/ 221)، الذخيرة للقرافي (2/ 246).

(3)

. هذا تعبير الخطيب في مغني المحتاج (1/ 355)، والشربيني في الإقناع (1/ 134)، وقال النووي في المجموع (3/ 392)، وفي الروضة (1/ 242):(لم تصح قراءته) يقصد لتلك الكلمة، لا جملة القراءة، وقال الرافعي في فتح العزيز (3/ 326):(لم تصح صلاته) يقصد إذا لم يرجع ويصحح الخلل الذي دخل الفاتحة.

قال في أسنى المطالب (1/ 150، 151): (لو خفف) مع سلامة لسانه (حرفًا مشددًا من الفاتحة)

(بطلت قراءته) لتلك الكلمة لتغييره النظم». فخص بالبطلان تلك الكلمة، ولم يعد البطلان على ما سبقها إن عاد قريبًا وقرأ الكلمة وما بعدها على الوجه الصحيح.

ص: 387

فإن ذكر، وهو في الركعة رجع إليها، وأعادها على الصواب، وأعاد ما بعدها؛ ليكون على الولاء.

فإن تذكر بعد قيامه إلى الركعة الثانية، بطلت الأولى التي أخل فيها في قراءة الفاتحة، وحلت الثانية مكانها؛ لأن ترك الفاتحة أو بعضها ناسيًا كترك الركوع والسجود؛ ولأن كل حرف من الفاتحة ركن منها، وترك التشديدة كترك الحرف، وإن لم يذكر حتى خرج من الصلاة وتطاول ذلك، أعاد الصلاة

(1)

.

* دليل الشافعية على هذا التفصيل:

أقمنا في مسألة سابقة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، والشافعية يوجبون القراءة على المصلي ولو كان مأمومًا خلافًا للجمهور.

فإذا وجبت الفاتحة وجبت جميع حروفها؛ لأن حروفها جزء منها، والجملة تنتفي بانتفاء جزء منها، فإذا شدد مخففًا فقد جاء بجميع حروف الفاتحة، إلا أنه أساء بالزيادة عليها، ولم تبطل صلاته.

أما إن خفف حرفًا مشددًا من الفاتحة فإنه قد نقص منها، فلم يبطل ما مضى منها لكونه جاء به على الصواب، وبطلت هذه الكلمة لإخلاله بحرف من حروفها، وبطلت قراءة ما بعده؛ لأن ما بعده لا يحتسب له، لأن كل قراءته بعدها في حكم المُلْغَى، فإن أمكن تلافيه بأن عاد قريبًا، فأعاد الكلمة على الصواب وأعاد ما بعده صحت صلاته، كما لو ترك سجودًا وتذكر قبل أن يصل إليه في الركعة الثانية فإنه يعود إليه.

وإن ذكر في الركعة الثانية بطلت الركعة الأولى، وحلت الثانية محلها.

وإن لم يذكر حتى خرج من الصلاة وتطاول ذلك أعاد الصلاة؛ لأن طول

(1)

. قال أبو شجاع في تقويم النظر (1/ 285): «نص الشافعي رضي الله عنه أنه من ترك حرفًا في فاتحة الكتاب متعمدًا بطلت صلاته» .

التهذيب للبغوي (2/ 96)، تحفة المحتاج مع حواشي الشرواني (2/ 36، 40)، نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي (1/ 480)، بحر المذهب للروياني (2/ 176)، مختصر المزني (ص: 111)، الحاوي الكبير (2/ 109، 235)، نهاية المطلب (2/ 139)، الوسيط (2/ 115)، مغني المحتاج (1/ 355)، فتح القريب المجيب (ص: 76)، روضة الطالبين (1/ 242، 244).

ص: 388

الفصل يمنع من البناء.

وقال القاضي حسين: «ذكر الشافعي رحمه الله أنه لو ترك حرفًا من أمر القرآن في ركعة من صلاة عاد إلى الموضع المتروك، وأتى به وبما بعده، وهذا إنما يكون إذا لم يفتتح سورة أخرى، أما إذا افتتح سورة أخرى فإنه يستأنف قراءة الفاتحة، والله أعلم بالصواب»

(1)

.

وجه قول القاضي حسين: «أنه لما أدخل في الفاتحة غيرها وجب استئنافها.

والأول أصح؛ قال الشافعي في الأم: «فإن جاء بها متوالية، لم يقدم منها مؤخرًا، وإنما أدخل بينها آية من غيرها أجزأت؛ لأنه قد جاء بها متوالية، وإنما أدخل بينها ما له قراءته في الصلاة، فلا يكون قاطعًا لها به، وإن وضعه غير موضعه، ولو عمد أن يقرأ منها شيئًا، ثم يقرأ قبل أن يكملها من القرآن غيرها كان هذا عملًا قطاعًا لها، وكان عليه أن يستأنف لا يجزيه غيرها، ولو غفل فقرأ ناسيًا من غيرها لم يكن عليه إعادة ما مضى منها؛ لأنه مَعْفُوٌّ له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال»

(2)

.

وقال الشافعي في القديم: إذا نسي الفاتحة صحت صلاته، وجعل النسيان بمثابة إدراك المقتدي الإمام راكعًا، فإنه يصير مدركًا للركعة.

واحتج بما يروى عن عمر رضي الله عنه فإنه نسي القراءة في صلاة المغرب، فقيل له في ذلك، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن، فقال: فلا بأس.

قال إمام الحرمين: وهذا قول متروك، لا تفريع عليه، ولا يعتد به

(3)

.

القول الرابع: مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة: إن ترك غير مأموم واحدة من تشديداتها، فإن كان قريبًا منها، أعاد الكلمة التي ترك وصحت صلاته، كمن نطق بالكلمة على غير الصواب، ثم أتى بها على وجهها، فإن فات محلها وبعد عنه بحيث يخل بالموالاة أو فارق القيام لزمه الرجوع إليه واستئناف الفاتحة، لتركه حرفًا منها؛ لأن الحرف المشدد أقيم

(1)

. التعليقة للقاضي حسين (2/ 915).

(2)

. الأم (1/ 120).

(3)

. نهاية المطلب (2/ 139)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/ 96)، روضة الطالبين (1/ 244).

ص: 389

مقام حرفين، ما لم يشرع في قراءة الركعة الثانية، فإن شرع في قراءة الركعة الثانية بطلت الركعة السابقة، وقامت الركعة التي تليها مقامها، فإن لينها، ولم يحققها على الكمال فلا إعادة قولًا واحدًا في المذهب

(1)

.

فمذهب الحنابلة قائم على مراعاة الموالاة في قراءة الفاتحة بحيث يصل الكلمات بعضها ببعض.

فإذا ترك الشدة فإن كان قريبًا منها بحيث لا يخل ذلك بالموالاة أعاد الكلمة التي وقع فيها الخلل وما بعدها، وصح له قراءة ما مضى، وأمكن البناء عليه.

وإن فات محل الفاتحة وبعد عنه، بحيث أخل بالموالاة، فإن كان ما زال في الركعة في أي جزء منها لزمه العودة إلى القيام واستئناف الفاتحة؛ لأن ما وقع بعد ترك الشدة في حكم المُلْغَى، ولا يمكن البناء على ما قرأه من الفاتحة للإخلال بالموالاة، وإن شرع في قراءة الركعة الثانية فقد بطلت الركعة السابقة، وقامت الركعة التي تليها مقامها.

هذا هو حكم الأئمة الأربعة في ترك الشدة من الفاتحة، وخلاصته كالتالي:

إذا خفف حرفًا مشددًا، فالحنفية لا يبطل الصلاة إذا لم يغير المعنى، فإن تغير المعنى بطلت، لا فرق بين الفاتحة وغيرها؛ لأن الفرض في القراءة، ولم يتعين في الفاتحة.

وقيل: إن كان له مثل في القرآن ولو تغير المعنى لم تبطل، وإلا بطلت، وهو قول أبي يوسف باعتبار كأنه تكلم بكلمة من القرآن.

وقيل: لا يبطل أبدًا؛ لأن تخفيف المشدد في حكم الخطأ في الإعراب، والتزامه الإعراب حرج، وعليه أكثر المتأخرين من الحنفية.

وقال المالكية: إذا نسي آية أو أقل سهوًا مضى في صلاته، وسجد للسهو، وأعاد احتياطًا.

وقال الشافعية والحنابلة: إذا خفف حرفًا مشددًا من الفاتحة لزمه إعادة الكلمة إذا لم يخل بالموالاة، فإن أخل لزمه استئناف الفاتحة ما لم يَصِلْ إلى الركعة الثانية،

(1)

. حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (1/ 294)، شرح منتهى الإرادات (1/ 188، 189)، كشاف القناع (1/ 337، 338)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 429).

ص: 390

وقال الحنابلة: ما لم يشرع في قراءة الركعة الثانية، فإن شرع بطلت الركعة السابقة، وقامت الركعة التي تليها مقامها على خلاف بينهم في مسألتين:

الأولى: قراءة الآيات من سورة أخرى لا يقطع الموالاة عند الشافعية خلافًا للحنابلة فإن البعد عن الفاتحة عرفًا يقطع الموالاة.

الثانية: لا فرق بين المأموم وغيره عند الشافعية في الحكم خلافًا للحنابلة، حيث لا يرون القراءة واجبة على المأموم.

وقد علمت تعليلاتهم عند عرض أقوالهم.

* الراجح:

أميل إلى أن الركن هو قراءة الفاتحة، وليس كل حرف منها يعتبر ركنًا.

قال البهوتي في كشاف القناع: «الفاتحة ركن واحد، محله القيام، لا أن كل حرف ركن»

(1)

.

وقد قال الحنفية في الطواف إذا طاف أربعة من ثلاثة وفارق مكة جبره بدم، فأعطوا الأقل حكم الواجب، وليس حكم الركن، مع أن مسألتنا لم يأت في الأكثر فقط، بل أتى بعموم الفاتحة ولم يترك منها إلا شدة، فإذا تركها سهوًا وكان المعنى لم يتغير لم تبطل الصلاة بتركه وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقول القاضي أبي يعلى من الحنابلة، وقول قديم للشافعية، وهو أقوى من قول المالكية الذين يرون أن ترك الآية سهوًا لا يبطل الصلاة، وأما إن غير المعنى فالقول بالبطلان أحوط والجزم ببطلان الصلاة بترك شدة منها قول شديد يحتاج إلى برهان قوي يذهب فيه المفتي إلى إفساد العبادة، والأصل عدم البطلان، والله أعلم.

* * *

(1)

. كشاف القناع (1/ 338).

ص: 391